مجلس النواب العراقي بطة عرجاء حتى نهاية دورته التشريعية

تعذّر انتخاب رئيس للمجلس وتعطل الوظيفة التشريعية والرقابية جراء العمل بأسلوب الصفقات.
الجمعة 2024/10/04
مجرد شكل بلا محتوى

أعراض داء المحاصصة المستحكم في مفاصل النظام العراقي تظهر بوضوح على البرلمان الحالي الذي بات في حكم المشلول وتحوّل من معقل مفترض للديمقراطية ومصدرا للقوانين والتشريعات الضرورية لتسيير الدولة وتحصين المجتمع إلى مجرّد حلبة لتصفية الحسابات ومنبرا للدفاع على المصالح الضيقة والرؤى الفئوية.

بغداد- تحوّل ضعف الأداء التشريعي والرقابي إلى سمة مميّزة لمجلس النواب العراقي تتوقّع مصادر من داخل المجلس أن تستمر حتى نهاية دورته التشريعية الحالية في أكتوبر من السنة القادمة في حال لم يتمّ إجراء انتخابات مبكّرة نزولا عند رغبة جهات سياسية نافذة في الإطار التنسيقي المشكّل لحكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني.

وأصبح تعذّر انتخاب رئيس للمجلس منذ إزاحة رئيسه السابق محمّد الحلبوسي بقرار قضائي في نوفمبر من العام الماضي بمثابة نموذج عن مدى عجز البرلمان العراقي عن حلّ مشاكله الداخلية وتجاوز عثراته التنظيمية فضلا عن قدرته على معالجة مشاكل البلد وحلّ قضاياه بتوفير الجهاز التشريعي والقانوني المناسب لذلك.

وتوصف حصيلة مجلس النواب العراقي في تشريع القوانين وإنجاز الأعمال الرقابية بالضحلة، حيث لم يتمكنّ المجلس سوى من تمرير عدد محدود من التشريعات بعضها هامشي وقليل الأثر على واقع البلاد وسكانه إن لم يكن ذا تأثير عكسي باتجاه إضعاف وحدة المجتمع وإذكاء النعرات الطائفية والعرقية داخله، على غرار إقرار عطلة يوم الغدير التي تخلّد ذكرى دينية خاصة بأبناء المكوّن الشيعي دون غيره من المكونات.

هوشيار زيباري: تشريعات إشكالية يراد تمريرها بصفقات بائسة
هوشيار زيباري: تشريعات إشكالية يراد تمريرها بصفقات بائسة

وتأخذ محاولة تمرير أيّ قانون من قبل البرلمان مددا زمنية طويلة بسبب كثرة الجدل والخلافات التي تدور عادة على خلفية مصالح الجهات الممثلة في البرلمان وتوجهاتها وانتماءاتها العرقية والطائفية.

وينطبق ذلك على قانون الأحوال الشخصية الذي تحاول منذ مدّة أحزاب شيعية تمريره دون جدوى بسبب اعتراض قوى أخرى عليه، لأسباب بدت مبدئة أول الأمر تتعلق بحقوق المرأة والطفل، وتحوّلت لاحقا إلى مساومات على تمرير تشريع مقابل له ما أدى إلى تعطيل عقد جلسة كان مقرّرا أن تعقد الأربعاء للنظر في القانون المذكور.

ورغم أنّ برلمان العراق هيئة منتخبة، إلاّ أن ذلك لم يحصّنه ضدّ داء المحاصصة الذي يعانيه النظام العراقي ككل والذي حوّل عامل التوافق بين المكوّنات من أساس للتعايش السلمي إلى سبب لتعطيل مصالح الدولة وشلّ مؤسساتها.

ويعود شلل البرلمان العراقي الحالي وعجزه عن اختيار رئيس له والدفع بجملة من التشريعات المؤجلة إلى استشراء الصراعات بين المكونات السياسية التي حوّلت المجلس إلى رهينة وأداة للمساومة لتحصين مواقعها في السلطة وتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والمادية.

وتعمّد نواب من المكونين السني والكردي التغيّب عن جلسة الأربعاء للإخلال بنصابها، وبالتالي منع نواب المكون الشيعي من مناقشة قانون الأحوال الشخصية، ليس بسبب اعتراضات مبدئية على القانون المذكور، ولكن لممارسة ضغوط لتغيير صبغة قانون آخر كان سيطرح أيضا للنقاش ويتعلّق بالأراضي المصادرة في زمن النظام العراقي السابق.

وأوضح ياسر الحسيني عضو مجلس النواب أنّ “خلافا بين المكونين الكردي والسني بشأن قانون إعادة الأراضي إلى أصحابها، أدى إلى عدم اكتمال نصاب الجلسة”.

وكشف لشبكة روودار الإعلامية أنّ المحاذير التي كانت تطرحها أوساط المجتمع المدني والأطراف السياسية على مشروع قانون الأحوال الشخصية زالت بعد الورشة التي عُقدت في مجلس النواب للتعريف بالقانون الذي اصطدم بعائق جديد تمثل في عدم توافق الأكراد والسنة حول بعض القرارات التي أريد إلغاء التصويت عليها ضمن قانون إعادة الأراضي لما يراه فيه ممثلو المكونين من أضرار تمس جماهير كل منهما.

ياسر الحسيني: خلاف بين المكونين الكردي والسني بشأن قانون إعادة الأراضي إلى أصحابها، أدى إلى عدم اكتمال نصاب الجلسة
ياسر الحسيني: خلاف بين المكونين الكردي والسني بشأن قانون إعادة الأراضي إلى أصحابها، أدى إلى عدم اكتمال نصاب الجلسة

وقال إنّ المشكلة تمثلت في الأضرار التي ستلحق بالمستفيدين من الأراضي الزراعية، باعتبار أن تمرير القانون سيلغي العقود التي منحت في عهد النظام السابق ويعيدها إلى أصحابها الأصليين.

كما كشف عن توصل الأطراف السياسية إلى اتفاق من خلال جمع التواقيع على أن لا يتم تمرير القانون إلا بعد التوصل إلى اتفاق سياسي مبينا أن “هذه التجاذبات أدت إلى عدم عقد جلسة الأربعاء وهو ما أخر التصويت على قانون الأحوال الشخصية”.

ويعني رهن تمرير القوانين بالكامل للتوافقات السياسية تكريس عقلية الصفقات في العمل التشريعي الأمر الذي لا يتسبب فقط بتعطيل عمل البرلمان وشلّه ولكنّه يخرج القوانين التي تنتج عنه في شكل مشوّه ينطوي على مصالح فئوية وظرفية للأطراف التي قامت بالتشريع بينما قوة القوانين في شمولها وعموميتها وصمودها لأطول فترة زمنية ممكنة.

ووصف السياسي الكردي هوشيار زيباري الذي سبق له أن تولى منصب وزير للمالية ووزير للخارجية العراقية البرلمان العراقي بـ”المثلوم والمعطل عمليا”. وقال في تعليق عبر منصّة إكس إنّ “الصفقة التشريعية لتمرير ثلاثة تشريعات إشكالية حول تعديل قانون الأحوال الشخصية الإشكالي والخطير، ومسودة العفو العام الشكلي، وقرارات عقارات الدولة.. هي صفقة بائسة استرضائية وخطرة على المجتمع والدولة المدنية”.

ويوصف الرصيد التشريعي للبرلمان العراقي المنبثق عن انتخابات سنة 2021 بالضعيف بينما توصف حصيلة عمله في المجال الرقابي بشبه الخاوية إذ اقتصرت على بعض المساءلات الشكلية لعدد محدود من المسؤولين الحكوميين بشأن ملفات تعتبر هامشية، في وقت تعذّرت فيه مساءلة الوزراء وكبار المسؤولين بشأن قضايا أخرى تعتبر مصيرية وعلى درجة كبيرة من الخطورة.

رغم أنّ برلمان العراق هيئة منتخبة، إلاّ أن ذلك لم يحصّنه ضدّ داء المحاصصة الذي يعانيه النظام العراقي

ويرجع ذلك إلى علّة المحاصصة نفسها التي تجعل المناصب القيادية في مؤسسات الدولة بما في ذلك مناصب الوزراء بمثابة حصص ثابتة للأحزاب والمكونات الطائفية والعرقية يتعيّن حمايتها في كل الظروف وبالتالي تحصين هؤلاء المسؤولين من المساءلة، وهو ما يجعل الإطاحة بمسؤول كبير مسألة نادرة في العراق وتتم في ظروف خاصّة كأن تنجح كتلة تابعة لحزب أو مكوّن في تأليب كتل أخرى ضد هذا المسؤول أو ذاك على خلفية صراعات معه أو مع حزبه، وعند ذلك لا تكون المآخذ على أدائه سوى ذريعة لاستبعاده.

وبعد انقضاء قرابة السنة على استبعاد السياسي السني محمّد الحلبوسي زعيم حزب تقدّم ما يزال البرلمان العراقي يدار من قبل رئيس بالوكالة هو السياسي الشيعي محسن المندلاوي عضو الإطار التنسيقي.

وبينما تواصل الأحزاب والكتل السنية صراعاتها الشرسة على خلافة الحلبوسي على رأس المجلس، تبدو الأحزاب والكتل الشيعية مرتاحة  لبقاء ممثلها في سدّة الرئاسة حتى نهاية الدورة البرلمانية الحالية أملا في تسهيل تمرير التشريعات التي ترغب في فرضها، وعلى أقل تقدير منع خصومها ومنافسيها من تمرير قوانينهم وتشريعاتهم المسطّرة وفقا لمصاحهم الضيقة وتوجهاتهم الفئوية.

3