التصعيد في الشرق الأوسط هاجس يلاحق شركات الطيران

تواجه شركات الطيران تحديات جديدة لتوجيه بوصلة أولوياتها وسط تراكم الأزمات العالمية، خاصة مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، إذ يرخي بظلال التشاؤم على صناعة السفر وقد يؤدي إلى نقصان الإيرادات إذا استمرت الأزمة في المنطقة لفترة أطول.
لندن - تحول الشرق الأوسط منذ فترة إلى مفترق طرق عالمي للسفر الجوي، حيث تقطع مئات الطائرات المنطقة يوميا في رحلات لمسافات طويلة تربط بين الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.
لكن استخدام هذه المسارات أصبح أكثر صعوبة الآن، مع تزايد التوترات التي أجبرت شركات الطيران على تقليص خدماتها كإجراء احترازي للسلامة.
وزاد مستوى التصعيد بين إيران وإسرائيل في منطقة مليئة بالمواقع الملتهبة بالفعل خاصة في لبنان وقطاع غزة والضفة الغربية، من الصعوبات التي تواجه الطيران بين الشرق والغرب.
وشنت إيران أكبر هجوم صاروخي لها على إسرائيل الثلاثاء، فيما رد على العملية العسكرية ضد حزب الله في لبنان، مما أثار تهديدا من إسرائيل بما وصفت أنه سيكون "ردا مؤلما".
ويحدث ذلك، بعد أن أطالت الحرب بين روسيا وأوكرانيا أمد العديد من الرحلات ساعات عبر إغلاق المجال الجوي الشاسع أمام الرحلات العابرة للحدود، بما في ذلك طرق الدائرة الكبرى عبر سيبيريا، وهي مقصد شهير بين القارات.
ويتفق خبراء الصناعة على أنه من السابق لأوانه تقييم تأثير التصعيد على أعمال الشركات وخاصة الكبرى منها، بينما تظل التوقعات تشير إلى أن القطاع ابتعد بشكل واضح عن تداعيات الوباء قبل 4 سنوات.
ويترافق هذا مع الاختلافات في تأثير التوتر على نتائج أعمال الشركات التي تسعى إلى استعادة توازنها في سوق السفر رغم التكاليف الباهظة التي خلفتها الحرب في شرق أوروبا منذ عامين ونصف العام.
وتشهد حركة السفر الجوي حالة من الفوضى نتجت عن التوتر المتزايد، حيث حولت شركات عالمية مسار رحلاتها وإلغاء أخرى الأربعاء في وقت تُظهر فيه بيانات "فلايت رادار 24"، تأخيرات طويلة في مطارات بالمنطقة، منها لبنان وإسرائيل والكويت.
وأدى تنامي القلق إزاء تعطل حركة السفر مع تصاعد الصراع إلى انخفاض أسهم شركات السفر وشركات الطيران، إذ هبط سهم أكبر شركة سفر في أوروبا (تي.يو.آي) بأكثر من 5 في المئة، كما تراجع سهم لوفتهانزا بأكثر من 4 في المئة.
وقال أندرو لوبنبرغ، المحلل في بنك باركليز لرويترز “مع اندلاع الصراع في أوكرانيا، واندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس كان الطلب على السفر لجميع الأغراض في أوروبا يشهد تراجعا، ثم يهدأ التراجع بعد أسبوعين".
وشوهد عدد قليل من الرحلات الجوية التابعة لشركات طيران منها فلاي دبي في المجال الجوي الإيراني، وفقا لبيانات فلايت رادار 24، بعد أن أكدت طهران أن هجومها انتهى.
وفي ظل غياب أي مؤشرات على الاستقرار، حذرت يوروكونترول، وهي وكالة مراقبة الحركة الجوية الأوروبية، الطيارين من تصعيد الصراع بعدما انتشرت أنباء قيام إيران بهجوم بالصواريخ البالستية على إسرائيل.
وقالت في نشرة ملاحية عاجلة "تم شن هجوم صاروخي كبير ضد إسرائيل في الدقائق القليلة الماضية. في الوقت الحاضر، تخضع البلاد بأكملها لتحذير صاروخي".
وبعد ذلك بوقت قصير، أعلنت إغلاق المجال الجوي الأردني والعراقي، بالإضافة إلى إغلاق نقطة عبور رئيسية إلى المجال الجوي الذي تسيطر عليه قبرص.
وألغت شركات عالمية رحلاتها إلى إسرائيل ولبنان بعد تصاعد الصراع، وأكد عدد منها أن استئناف الرحلات لن يحدث قبل منتصف أكتوبر على الأقل وفقا للوضع الأمني.
وأكدت الخطوط البريطانية وأير فرانس-كي.أل.إم أن إلغاء رحلاتهما إلى مطار بن غوريون سيكون حتى مطلع الأسبوع المقبل على الأقل، بما يشمل يوم الذكرى السنوية الأولى لهجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر.
وفي وقت واصلت فيه الرحلات تجنب أجزاء من المجال الجوي في الشرق الأوسط، ظلت حركة الطائرات فوق مطارات إسطنبول والقاهرة وأنطاليا كثيفة.
وعدّلت شركات في الخليج مثل طيران الإمارات والاتحاد للطيران والخطوط القطرية وفلاي دبي مسارات رحلاتها لضمان سلامة الركاب.
ووفقا لفلايت رادار 24، تأخرت 85 في المئة من الرحلات المغادرة من مطار دبي الدولي، في حين أُلغيت 60 في المئة من الرحلات في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت. وتأخر 67 في المئة من الرحلات القادمة إلى مطار الكويت الدولي.
ومن المتوقع أن تشكل الاضطرابات الأخيرة ضربة جديدة لصناعة تواجه بالفعل مجموعة من القيود بسبب حرب بين إسرائيل وحماس وأخرى بين روسيا وأوكرانيا.
◙ من السابق لأوانه تقييم تأثير التصعيد على نشاط الشركات وخاصة الكبرى منها، بينما القطاع يبتعد أكثر عن تداعيات الوباء
وفي ظل الأزمات السياسية والاقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم، باتت المخاطر التي تهدد الاقتصاد العالمي أكثر تعقيدا وتأثيرا، وتطال كافة القطاعات الاقتصادية.
وإلى جانب التحديات التقليدية كتقلبات الطلب والتغيرات في السياسات التنظيمية يواجه قطاع الطيران العالمي صعوبات تشغيلية متزايدة جراء تبعات الوباء، فضلا عن الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة حاليا.
وتتمثل أبرز المخاطر التي تواجه القطاع في التقلبات الملحوظة في أسعار وقود الطيران وغلق المجال الجوي للعديد من البلدان بسبب الحروب والتوترات الجيوسياسية حول العالم. ويحتاج قادة الصناعة إلى اعتماد استراتيجيات مرنة ومبتكرة لضمان استدامته ومرونته في مواجهة هذه الأوضاع الصعبة.
ومع ذلك، رجح الاتحاد الدولي للنقل الجوي (أياتا) أن تنقل شركات الطيران أكثر من 5 مليارات مسافر في العالم هذه السنة، متجاوزة العدد القياسي المحقق لعام 2019 قبيل تفشي الجائحة، على أن تلامس العائدات ترليون دولار.
وتوقعت أياتا خلال انعقاد جمعيته العمومية في دبي خلال يوليو الماضي تحقيق مكاسب مالية عالمية صافية في العام الحالي قدرها 30.5 مليار دولار، في زيادة ملحوظة عن توقعاته السابقة المقدرة بنحو 25.7 مليار دولار.
والسبب في ذلك هو أن إجمالي النفقات المتوقعة يصل إلى مستوى قياسي هذا العام، حيث سيرتفع بنسبة 9.4 في المئة ليصل إلى 936 مليار دولار، بحسب أياتا.
واعتبر المدير العام للاتحاد ويلي والش، أمام مندوبين من الاتحاد الذي يضم 320 شركة طيران تمثل 83 في المئة من حركة النقل الجوي العالمية، أن هذه النتائج المأمولة تمثل “نجاحا كبيرا نظراً للخسائر الجسيمة الأخيرة بسبب الوباء”.