الإدارات الأهلية تمارس دور الإطفائي في الصراع الدائر بين الدعم السريع وحركات دارفور

تحاول الإدارات الأهلية في دارفور لعب دور إيجابي في الصراع الدائر بين قوات الدعم السريع والحركات المسلحة التي قررت الانضمام إلى صفوف الجيش. ويرى مراقبون أن تلك الإدارات وإن عجزت عن ثني الحركات عن المشاركة في الحرب تظل ماضية في مساعي احتواء الصراع، وقد حققت بعض الإنجازات التي يمكن البناء عليها مستقبلا.
الفاشر (السودان) - تعكس عملية التبادل النادرة للأسرى التي جرت مؤخرا بين قوات الدعم السريع والقوة المشتركة للحركات المسلحة الموالية للجيش السوداني، الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الإدارات الأهلية في جهود ترميم الثقة بين الأطراف المتصارعة في دارفور.
وتحولت الفاشر، آخر معاقل الجيش والحركات المسلحة الموالية له في إقليم دارفور غربي السودان، إلى ساحة صراع رئيسية في الأسابيع الأخيرة.
ونجحت قوات الدعم السريع في إحراز تقدم في عاصمة شمال دارفور وسط مخاوف شديدة لدى الحركات المسلحة، التي قررت الانضمام إلى الجيش، من فقدان أبرز معاقلها في الإقليم الإستراتيجي، وهو ما قد يقودها إلى التفكير في اتخاذ خطوة إلى الوراء وإعادة فتح قنوات تواصل مع الدعم السريع، بمساعدة من الإدارات الأهلية التي تحظى بتقدير كبير.
وقال مستشار قائد قوات الدعم السريع أيوب عثمان نهار إن وساطة أهلية نجحت الأسبوع الماضي في إبرام صفقة تبادل أسرى بين الدعم السريع والقوة المشتركة للحركات المسلحة.
وأوضح المستشار نهار لموقع “سودان تربيون” في وقت سابق أنه “جرى إطلاق سراح 17 من جنود القوة المشتركة، وواحد من عناصر قوات الدعم السريع في صفقة تبادل أسرى توسطت فيها قيادات من قبيلة الزغاوة وحكماء مستقلون بولاية شمال دارفور”.
وكشف أن قيادات ميدانية من الدعم السريع من قبيلة الزغاوة، وبوساطة قيادات في الإدارة الأهلية وحكماء مستقلين، عقدوا اجتماعات مع مجموعات من المستنفرين في دار زغاوة، خلصت إلى إبرام صفقة تبادل الأسرى.
وأشار إلى أن قوات الدعم السريع أطلقت سراح مجموعات من القوة المشتركة تم أسرها قبل فترة كبادرة حسن نوايا، بينما أفرجت القوة المشتركة عن أحد عناصر قوات الدعم السريع يدعى صالح جمعة.
وكشف نهار عن أن عملية تسليم الأسرى جرت في بلدة أبوقمرة التابعة لمحلية كرنوي بولاية شمال دارفور.
وجدت معارك بين عناصر حركة تحرير السودان وتجمع قوى تحرير السودان والدعم السريع في يونيو الماضي، بالقرب من بلدة الزرق الواقعة على الحدود بين السودان وليبيا وتشاد.
وتعد المعركة التي اندلعت قرب بلدة الزرق امتدادًا لمواجهات مستمرة بين القوتين في الفاشر، حيث وقع في هذه الاشتباكات أسرى من الجانبين.
واعتبر القيادي في الدعم السريع أن تبادل الأسرى الذي جرى يؤكد على إمكانية تجاوز الخلافات عن طريق الحوار، قائلا إن “قوات الدعم السريع مؤسسة مسؤولة تسعى لتحقيق السلام والسلام المجتمعي ونبذ خطاب الكراهية والثأر والانتقام والتحلي بالحكمة والاحتكام لصوت العقل”.
ورأى نهار أن صفقة تبادل الأسرى نموذج يمكن البناء عليه مستقبلا لقطع الطريق أمام الذين ينادون بتصعيد الأوضاع وتأجيج الصراع وتحويله إلى نزاع مجتمعي، معتبرا أن “هذه خطوة إيجابية تتماشى مع رؤيتنا ومبادئنا”.
وفي 10 مايو الماضي أطلقت قوات الدعم السريع عملية عسكرية على الفاشر، لكن تراجعت حدتها مع مقتل قائد الهجوم علي يعقوب في يونيو، قبل أن تتصاعد مرة أخرى في سبتمبر الماضي.
قوات الدعم السريع أطلقت سراح مجموعات من القوة المشتركة تم أسرها قبل فترة كبادرة حسن نوايا، بينما أفرجت القوة المشتركة عن أحد عناصر قوات الدعم السريع يدعى صالح جمعة
ويعتقد مراقبون أن قوات الدعم السريع قادرة على حسم معركة الفاشر لصالحها، على الرغم من انخراط حركات مسلحة بارزة في الحرب إلى جانب الجيش، ويعود ذلك إلى قوتها التنظيمية الكبيرة فضلا عن أن سيطرتها على معظم أنحاء دارفور وعلى جزء كبير من خطوط الإمداد تمنحها المزيد من التفوق.
ويشير المراقبون إلى أن الحركات المسلحة تأخذ هذا السيناريو بعين الاعتبار، وهذا ما يجعلها تتخذ بعض الخطوات الإيجابية تجاه الدعم السريع، مراهنة على مساندة الإدارات الأهلية.
وأكد القيادي بحركة العدل والمساواة جمال حامد أن الإدارات الأهلية في مدينة الفاشر تلعب أدواراً كبيرة للحد من تأثيرات الصراع القائم حاليا، وأطلقت في السابق العديد من النداءات والجهود المجتمعية التي هدفت إلى أن تظل الحركات المسلحة على الحياد، وكانت لديها رؤية بأن يكون الصراع بعيداً عن المدينة التي تعد عاصمة الإقليم في الشمال، ولجأ إليها جميع النازحين من غرب وجنوب وشرق دارفور، لكنها فشلت في الحفاظ على تلك المعادلة.
وأضاف حامد في تصريح لـ”العرب” أن جهود الإدارات الأهلية لم تتوقف منذ بدء المعارك وبشكل مستمر تعمل على إيجاد نقاط التقاء بين الحركات المسلحة وقوات الدعم السريع.
وأشار إلى أن وجود أسرى من الجانبين أثار مخاوف من اندلاع صراعات قبلية على نحو أكبر ولهذا تدخلت الإدارات الأهلية لتهدئة الأوضاع، وهو ما قاد إلى التوقيع على اتفاق تبادل الأسرى أخيراً، لافتا إلى أن المحاولات سوف تستمر لضمان عدم الوصول إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الذي يعاني بالأساس أوضاعًا هشة.
وقال القيادي في العدل والمساواة إن الاتفاق يحظى بتوافق الجبهة الثورية التي وقعت على اتفاق جوبا للسلام، في ظل مساعي لتفعيل المبادرات الاجتماعية على نحو أكبر لحقن الدماء، لكنه قلل في الوقت ذاته من إمكانية وجود أبعاد سياسية أو عسكرية يترتب عليها تقريب الفجوات بين قوات الدعم السريع والحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش.
وفي 11 أبريل الماضي أعلنت حركات مسلحة تنتمي إلى القوة المشتركة في دارفور إنهاء حالة الحياد والقتال إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع وحلفائها، وهي كل من حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة عبدالله يحيى، وحركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي بقيادة صلاح رصاص، عضو مجلس السيادة الحالي، وحركة تحرير السودان بقيادة مصطفى تمبور.
في المقابل أبدت حركات أخرى في القوة رفضها الانخراط في هذا المسار متمسكة بمبدأ الحياد، ومن بينها حركة جيش تحرير السودان – المجلس الانتقالي بقيادة هادي إدريس وتجمع قوى تحرير السودان بزعامة الطاهر حجر.