إسرائيل تعتمد سياسة الضغوط القصوى لإلحاق الهزيمة الكاملة بحزب الله

الحزب تحت وقع الصدمة ولا يملك فرصة إعادة تنظيم صفوفه سريعا.
الاثنين 2024/09/30
نهاية صادمة لأنصاره

تتتالى الضربات الإسرائيلية المميتة والموجهة إلى حزب الله دون أن تمنحه أي هامش لالتقاط أنفاسه، حيث تعتبر إسرائيل أن هذه أفضل فرصة قدمت حتى الآن لإنهاء خطر التنظيم اللبناني الموالي لإيران.

بيروت - تعتمد إسرائيل سياسة الضغوط القصوى لضمان إلحاق الهزيمة الكاملة بحزب الله وعدم السماح له بإعادة ترتيب صفوفه.

وترى القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل أن هذه الفرصة المثلى لإنهاء خطر حزب الله، وتعطيل مكامن قوته.

ولم تكتف إسرائيل باغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وعدد من القيادات البارزة في غارة جوية الجمعة على ضاحية بيروت الجنوبية، بل واصلت قصفها المكثف والمركز على معاقل الحزب واغتيال باقي قياداته، على غرار نبيل قاووق الذي قضى نحبه السبت.

وأعلن الجيش الإسرائيلي الأحد أنه نفذ “ضربة دقيقة” في الضاحية الجنوبية. وأفاد مصدر مقرب من حزب الله أن المستهدف في “الغارة الاسرائيلية هو أبوعلي رضا قائد وحدة بدر” المسؤولة عن منطقة شمالي نهر الليطاني، إحدى مناطق عمليات حزب الله الثلاث في جنوب لبنان، مضيفا أن “مصيره لم يعرف بعد”.

ونفى حزب الله لاحقا في بيان مقتل أبوعلي رضا، قائلا إنه “لا صحة للادعاءات الصهيونية حول اغتيال الأخ المجاهد الحاج أبوعلي رضا وهو بخير وعافية”.

سام هيلر: يبدو واضحا اليوم أن حزب الله لا يستطيع حماية نفسه
سام هيلر: يبدو واضحا اليوم أن حزب الله لا يستطيع حماية نفسه

وشكلت الهجمات الإسرائيلية السريعة والمتتابعة ضربات صادمة لحزب الله بعد مرور نحو عام من تبادل إطلاق النار عبر الحدود. وأسفرت الحملة الإسرائيلية عن مقتل الكثير من قيادات الجماعة اللبنانية مما كشف عن ثغرات أمنية قاتلة. ويناقش وزير الدفاع الإسرائيلي حاليا احتمال توسيع الحملة العسكرية في لبنان.

ويرى مراقبون أن إسرائيل تدرك أن حزب الله كما حليفته إيران هما في أضعف حالتهما، وهي تراهن على القصف المكثف والعمليات المركزة من أجل عدم ترك المساحة للحزب لتنظيم صفوفه.

ويقول المراقبون إن نجاح إسرائيل في اغتيال حزب الله شكل ضربة مدوية للحزب وأحدث ارتباكا كبيرا في صفوفه، سيكون من الصعب على الحزب تجاوزه.

ولم يحول نصر الله حزب الله إلى قوة نافذة في لبنان فحسب على مدى 32 عاما تولى فيها زعامة الجماعة بل ساهم أيضا في تحويلها إلى أقوى جماعة من شبكة متحالفة مع إيران في العالم العربي.

وكشف مصدر مقرب من حزب الله أن “جثمان نصرالله انتشل السبت، وجرى غسله وتكفينه الأحد”، مضيفا أنه “لم يُحدد بعد موعد تشييعه ودفنه”.

وأعلن الحزب الأحد في بيان مقتل القيادي علي كركي الذي كان “مسؤولا بشكل مباشر وميداني عن قيادة جبهة الجنوب” في الغارة نفسها مع نصرالله.

وأكدت وكالة أنباء “إرنا” الإيرانية مقتل نائب قائد الحرس الثوري الإيراني عباس نيلفوروشان في الغارة.

ولم يعلن حزب الله أسماء آخرين قتلوا مع نصرالله في حارة حريك، لكن الجيش الاسرائيلي قال الأحد إنه تم “القضاء على أكثر من 20 إرهابيا آخرين من مختلف الرتب كانوا متواجدين في المقر العام في بيروت تحت مبان مدنية، وكانوا يديرون عمليات حزب الله الإرهابية ضد دولة إسرائيل”.

امتناع حزب الله عن ردع إسرائيل بعد قتلها زعيمه قد يشجعها على المضي بشكل أكبر في هجماتها ضده

ويقول الباحث في مؤسسة “سنتشري” سام هيلر لوكالة فرانس برس إن امتناع حزب الله عن ردع إسرائيل بعد قتلها زعيمه قد يشجعها على المضي بشكل أكبر في هجماتها ضده.

وخلال نحو عام من التصعيد عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية، يرى هيلر أن حزب الله لم يستنفد بعد القدرات العسكرية التي لطالما لوّح بامتلاكها “وافترض معظمنا أنه يحتفظ بها”، حتى عندما كثّف خصمه الغارات ضده ونفذ عمليات متقدّمة.

ولا يستبعد أن تكون قدرات حزب الله “مبالغ فيها” أو أنه جرى تدميرها بالكامل من إسرائيل.

ومنذ حرب صيف 2006 التي خاضها حزب الله والدولة العبرية، و”هزم فيها الإسرائيليون”، كرّس حزب الله وفق هيلر “معادلة الردع الطويلة الأمد” مع إسرائيل، لكن “يبدو واضحا اليوم أنه لا يستطيع حماية… نفسه”.

من جهته يرى مدير ملف سوريا والعراق ولبنان في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن أنه “إذا لم يرد حزب الله في هذه المرحلة بضربة إستراتيجية مستخدما ترسانته من الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى، فيمكن عندها افتراض أنه ببساطة غير قادر على فعل ذلك”.

مهند حاج علي: من الصعب جداً تخيل زوال التنظيم بهذه السرعة
مهند حاج علي: من الصعب جداً تخيل زوال التنظيم بهذه السرعة

ويضيف “إما أن نرى رد فعل غير مسبوق من حزب الله… أو ستكون الهزيمة الكاملة”.

مع خسارة قائدهم والرجل الأكثر نفوذا في لبنان، فإن أنصار زعيم حزب الله الذين شرّدتهم الغارات الإسرائيلية وحرمتهم أفرادا من عائلاتهم، يتوقعون أكثر من رد رمزي، وفق محللين.

وترى الأستاذة المحاضرة في جامعة كارديف البريطانية والخبيرة في شؤون حزب الله أمل سعد أن الحزب الذي بات بلا قائد بعد الضربة الهائلة، سيحتاج إلى تحقيق توازن دقيق في اختيار رده.

وتتوقع أن يسعى الحزب من جهة إلى تفادي دفع إسرائيل لشنّ “حملة قصف شامل ضد بيروت أو أنحاء لبنان”، بينما يتعيّن عليه في الوقت ذاته “رفع معنويات” أنصاره ومقاتليه.

وسيتعيّن على حزب الله أيضا أن يُظهر أنه قادر على حماية شعبه، والانتقام من إسرائيل، مع الحفاظ على السلام بين مختلف المكونات الطائفية في لبنان، المنقسمة حول قضايا رئيسية بينها تحكّم حزب الله بقرار السلم والحرب.

وتدفّق عشرات الآلاف من مناصري الحزب الشيعي المدعوم من طهران، من جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية الى مناطق أخرى ذات مكونات طائفية مختلفة، بحثا عن مأوى من الغارات الإسرائيلية.

ويرى الباحث في معهد كارنيغي للشرق الأوسط مهند حاج علي أن خسائر حزب الله الأخيرة أصابته بـ”شلل” محذرا في الوقت عينه من استبعاد الحزب عن المشهد تماما.

ويقول “يتطلب الأمر قيادة جديدة، ونظام اتصالات، واستعادة سرديته والتواصل مع قاعدته الشعبية” لكنه سيكون من “الصعب جداً تخيل زوال التنظيم بهذه السرعة”.

ولطالما كرّر كبار قادة حزب الله الإشارة الى أن القضاء على قياديين من صفوفهم لا يؤثر على بنية الحزب العسكرية وقدراته الميدانية.

وتشرح سعد في هذا السياق أن بنية حزب الله كمجموعة مسلحة “مصمّمة لاستيعاب صدمات مماثلة”، مشيرة على سبيل المثال إلى مقتل القائد العسكري البارز في الحزب عماد مغنية بتفجير سيارته في دمشق عام 2008، والذي تم نسبه الى إسرائيل.

وتضيف “عندما ينقشع الغبار، فإن أداء حزب الله لا يعتمد على شخص واحد”، مضيفة أن نصرالله في نهاية المطاف “ليس شخصية أسطورية، بل إنسان” عادي.

2