تذمر الحلفاء يفكك تحالفات حزب الله الداخلية

بيروت – تساهم الخلافات التي بدأت تتسرب إلى داخل حزب الله وحلفائه المحليين في احتداد مأزق الحزب وتهدد بتفكك تحالفاته، خاصة تلك التي أنشأها بعد 2006؛ إذ تعالت الأصوات المنتقدة لأدائه، مع تزايد خسائره على وقع الضربات الإسرائيلية.
وامتدت معارضة خيار الحرب مع إسرائيل إلى داخل الحزب، وهو ما أشارت إليه صحيفة “وول ستريت جورنال” التي تحدثت عن خلافات تتعلق بمستوى رد الحزب على هجمات إسرائيل أو بسبب تأخر الدعم الإيراني.
وكان موقف وئام وهاب، رئيس حزب التوحيد العربي، أكثر وضوحا حين صارح الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بقوله إن غالبية اللبنانيين ليست مساندة لخوض الحرب، متسائلا “لماذا يذهب حزب الله منفردا إلى حرب مساندة غزة”، و”لماذا لبنان سيقاتل (نيابة) عن جميع المسلمين؟”، في رفض واضح لفكرة تحويل لبنان إلى مسرح لحروب إيران ومعارك ما يسمى بـ”محور المقاومة”.
وهاب حرص على تذكير نصرالله بحقيقة لا يريد الاعتراف بها: العقل الإسرائيلي تغير وإسرائيل ظهرت أقوى من حزب الله
وقال وهاب في مقابلة مع تلفزيون لبنان “أقول للسيّد حسن نصرالله بيئة المقاومة شريفة، وأعطتك بدون حساب، ولديها كرامة وحب لشخصك، وضحّت بكل شيء، ولا يجوز التعامل معها بالطريقة التي يتمّ التعامل بها اليوم. بيئتك منذ ثلاثة أيام بلا فرش، فأين المكلّفون في حزب الله”.
وتظهر هذه التصريحات وجود رأي عام داخل البيئة الداعمة للمحور الإيراني معارض لخوض الحرب ضد إسرائيل دون مسوغ لبناني مثلما كان يحدث في السابق (تحرير أراض لبنانية)، وأن قرار حزب الله التدخل لإسناد غزة لا يحوز دعما من حلفائه ويثير بينهم الخلافات، تماما مثلما حصل خلال مشاركة الحزب في الحرب الأهلية السورية.
وهناك وجه ثان لكلام وهاب، وهو أن البيئة الشعبية الحاضنة للحزب ليست مستعدة لتحمل نتائج الحرب مع إسرائيل، وهي تريد منه أن يتدخل بشكل مباشر لتأمين أماكن ملائمة لإيواء وإعاشة الآلاف من النازحين. ويجد الحزب نفسه في وضع صعب، فهو من ناحية يحتاج إلى التركيز على الحرب والإنفاق على الأسلحة والمقاتلين، ومن ناحية ثانية يعرف أن ترك النازحين يتحملون وحدهم نتائج الحرب سيغير مزاج اللبنانيين ضده في المستقبل.
وحرص وهاب في مقابلته على تذكير نصرالله بحقيقة لا يريد الاعتراف بها، وهي أن العقل الإسرائيلي تغير، وأن إسرائيل ظهرت أقوى من حزب الله منذ أسابيع الإسناد الأولى. ومن شأن هذا الاعتراف أن يغير صورة الحزب، التي يرسمها لنفسه، لدى البيئة السياسية والشعبية الحاضنة له بعد الحرب، ويؤثر على شرعية سلاح حزب الله في المستقبل.
وأعلنت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الخلافات داخل حزب الله تتصاعد بشأن كيفية الرد على سلسلة الهجمات المدمرة التي تشنها إسرائيل على مواقع تابعة للحزب جنوبي لبنان.
ونقلت الصحيفة عن مقربين من الحزب القول “إن بعض الأعضاء يرون أن الحزب كان متحفظا للغاية بشأن تصعيد الصراع”، كما عبروا عن إحباطهم “نتيجة عدم اتخاذ طهران أي خطوات لدعم حليفها”.
وتقول أوساط سياسية لبنانية إن انتقاد وهاب يعتبر مخففا قياسا بانتقادات حادة للحزب من داخل حاضنته السياسية، وهو ما تشير إليه النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي. كما أن التململ ضد انخراط الحزب في الحرب امتد إلى الطائفة الشيعية، وهي الحاضنة الصلبة للحزب، وجمهور الطائفة متخوف من إمكانية أن يخسر الحزب أعدادا كبيرة من مقاتليه كما حصل خلال تدخله في سوريا.
وتشير الأوساط ذاتها إلى وجود حالة واسعة من الشك والاتهامات والتخوين داخل الحزب بسبب الاختراق الإسرائيلي الذي قاد إلى مقتل أبرز قادة الحزب خلال أيام معدودة، وبعمليات دقيقة تزيد الشكوك في أن الحزب مخترق وأن الاختراق موجود في مواقع منه متقدمة، وأن إسرائيل تعرف عن تحركات قادته وقدراته كل صغيرة وكبيرة.
ورغم ازدياد الأعمال العدائية تبدو إيران عازمة على عدم الانجرار إلى الحرب حتى لو دفع حزب الله فاتورة باهظة لمواجهته الحالية مع إسرائيل.
وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك أرسل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إشارات متضاربة؛ فمن ناحية يقول إن حزب الله لا يجب أن يبقى وحده في المواجهة، في إيحاء ضمني بأن طهران ستدعمه، ومن ناحية أخرى يقول إن بلاده لا تسعى إلى الرد، متهما إسرائيل بالسعي إلى الحرب بينما حافظت إيران على ضبط النفس.
وحذّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من أن طهران “لن تقف مكتوفة الأيدي” أمام الهجمات الإسرائيلية. لكن طهران لا تزال كذلك إلى حد الآن.
ويتجاوز الموقف من الحرب الجدل التقليدي بين اللبنانيين بشأن شرعية المقاومة وسلاحها، إلى ما هو أهم؛ ويتعلق الأمر بنتائج الحرب في الوقت الحالي وفي مرحلة لاحقة، في حين يتساءل اللبنانيون: من سيتحمل أعباء الآلاف من النازحين؟ ومن سيعوض لعائلات القتلى والجرحى ومن تهدمت منازلهم؟ هل يقدر على ذلك حزب الله أم إيران؟
وكان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قد استبق الوضع بالتساؤل قبل أسابيع “هل يمكن لأحد أن يتخيل المأساة التي ستقع؟”، وقال “إذا كسر زجاج واحد في بيت في الجنوب، من سيقوم بإصلاح الضرر.. في السابق كانت تهب الدول جمعاء لمساعدتنا، أما اليوم فليس هناك مِن دولة تريد القيام بذلك”.
وبدأ حزب الله إطلاق النار على إسرائيل في الثامن من أكتوبر بالتزامن مع بدء الحرب في قطاع غزة “إسنادا” للفلسطينيين. وقال الحزب إنه لن يوقف إطلاق النار إلا إذا توقفت الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة.
اقرأ ايضا: