حنق الإعلام الجزائري على الأندية العربية: ما هكذا تُدار كرة القدم

كرة القدم رياضة شعبية تنتهي عند حدود ممارسة اللعبة على المستطيل الأخضر ويكون الانتصار فيها للروح الرياضية أولا وأخيرا. صحيح أنها اللعبة الأكثر جماهيرية في الوطن العربي والأكثر شغفا جماهيريا بين الشعوب، لكن أن تتحوّل إلى واجهة للانتقام والتشفّي، فهذا درس للمراجعة لا يقل أهمية عن بقية الدروس التي يتوجب أن يتلقفها أعلى رؤوس الحكم في الدولة قبل المسؤولين والأجهزة الأمنية على أرض الملعب.
تركت الأحداث التي رافقت مباراة الاتحاد المنستيري ومولودية الجزائر بكأس الكونفيدرالية الأفريقية صدمة كبيرة في نفوس المتابعين والمحللين الرياضيين على السواء. الأكثر غرابة أن الصدمة لم تقف عند حدود المباراة وما تلاها من أحداث عنف وتهجّم على اللاعبين التونسيين والإطار الفني وبقية الوفد المرافق والجماهير التونسية التي تحولت لمساندة فريقها في الجزائر، بل تعدت ذلك لتطرح جملة من التساؤلات حول التعاطي الإعلامي مع أزمة العنف في الملاعب الجزائرية ومحاولة تجييرها والتخفي وراء ستار المظلومية مع كل استحقاق تشارك فيه الأندية العربية سواء التونسية منها أو المغربية أو غيرها.
تساءل مهتمون هل الجزائر بمختلف قواتها الأمنية وبالهالة الإعلامية التي تحاول دوما أن تظهر البلاد كونها الأكثر استعدادا على هذا المستوى باتت عاجزة عن تأمين مباراة كرة قدم؟ ماذا حصل في نهاية المباراة، ولمَ تحولت فرحة الانتصار وقبلها فرحة افتتاح ملعب جديد للفريق الجزائري إلى معركة بين قوات الأمن والجماهير؟ ما حقيقة الشعارات التي رفعتها الجماهير الحاضرة ضد الرئيس عبدالمجيد تبون؟
الأحداث التي رافقت مباراة الاتحاد المنستيري ومولودية الجزائر بكأس الكونفيدرالية الأفريقية تركت صدمة كبيرة في نفوس المتابعين والمحللين الرياضيين على السواء
كل هذه الأسئلة وغيرها تبحث عن إجابات وما زال أثرها يتفاعل باستمرار بين مختلف الأوساط الإعلامية داخل الجزائر وخارجها، لكن هل سيكون التدقيق فيها مركزا لكشف الحقيقة ومحاسبة الضالعين وتقديمهم للعدالة أم أن الملف سيطوى كغيره من الملفات التي عبّر فيها الجزائريون عن آرائهم وصدحوا من المدرجات نكاية في شعب يطمح للتغيير وليس حبا في رياضة معلوم أن المنتصر فيها مهزوم إذا ما تلحف برداء العنف مهما كان مأتاه.
الأزمة كانت أشد عمقا بتجاوزها الإطار الرياضي وتحولها إلى تبادل للعنف بين قوات الدرك (الجيش) الجزائري ومناصري المولودية. وبأسلوب مراوغ حاول الإعلام الجزائري أن يحصر ما حصل في إطار ضيق ويركز على تلقف هفوات الفريق الخصم الذي كان واقعا تحت الضغط واعتبار أن ما حصل نتيجة حتمية لطريقة استفزاز لاعبي المولودية على أرضهم وأمام جماهيرهم.
تلك هي الصورة المحرّفة التي نفخت فيها بعض الأبواق الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، مفضلة الاصطفاف وراء الفريق الجزائري رافعة شعار “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”.
لا ليس بهذه العقلية تُدار الرياضة في بلد مثل الجزائر.
معلوم أن قطاع الإعلام الذي يريد أن يضمن له مكانا بين الأوساط الإعلامية هو ذاك الذي يحافظ على هامش مهمّ من الحياد والمصداقية في ما ينقله. لكن ما حصل أن الإعلام الجزائري ذهب بحيثيات المباراة وما خلّفته من جراح عميقة في صفوف محبي الفريق الجزائري قبل منافسه التونسي إلى أبعد ما يكون.
أكثر ما تحتاجه دولة مثل الجزائر هو أن تعيد النظر في منظومتها الإعلامية
بعض الشبكات الإعلامية الخاصة تتحدث عن صفحات “مغربية” مأجورة تريد تأجيج الوضع بين “التوانسة” والجزائريين، في ما استسلمت أخرى لنظرية المؤامرة على غرار ما أوردته شبكة “الجزائر نيوز” بأن هناك حملة إعلامية خارجية كبيرة من أجل معاقبة نادي مولودية الجزائر وتؤكد وقوفها “وراء نادي مولودية الجزائر وضد هذه الأبواق التي يزعجها تألق الكرة الجزائرية بمنتخبها وأنديتها”.
لكن يبقى التعليق الذي أورده موقع “ستاديوم نيوز” الأشد إثارة للغط والاستنكار والذي علق “حسبنا الله ونعم الوكيل في من كان السبب في إفساد فرحة الفوز وافتتاح هذا الملعب الذي بدا واضحا أنه سيكون ‘مقبرة’ لكل خصم يواجه نادي مولودية الجزائر وبتواجد جمهوره الكبير” وغيرها من التعليقات عبر المواقع والصفحات الجزائرية التي انحازت بشكل مفضوح وراء النتيجة وتناست أن كرة القدم المنتصر فيها مهزوم شرط ألا ينقاد وراء لغة العنف لعبا وممارسة.
من قميص نهضة بركان المغربي الموسم الماضي وما أثير حوله إلى أحداث ملعب البويرة ضد المنستيري التونسي هذا الموسم وما استتبعها إلى غيرها من الأحداث الأخرى التي طالت الأندية العربية على الملاعب الجزائرية، انقاد الإعلام الجزائري وراء نظرية المؤامرة والتشفي ونسي الدور الموكول له بمحاولة تصحيح الأمور خدمة للرياضة الجزائرية حتى ولو كان ذلك في حدود الإطار المحدد له تلميعا لصورة النظام.
بعيدا عن مباريات كرة القدم وما يمكن أن تفصح عنه حقيقة الميدان بين المتنافسين، فإن ما يراه مراقبون أن تجربة الإعلام الرياضي في الجزائر مازالت تفتقد إلى الحرفية في نقل الأحداث بكل موضوعية وتجرّد، وتعكس في جانب كبير منها حقيقة الذباب الإلكتروني “الشرير” الذي يعمّق في كل مرة أزمة السلطة ويحرجها أكثر مما يضيف إليها.
أكثر ما تحتاجه دولة مثل الجزائر هو أن تعيد النظر في منظومتها الإعلامية لأنها واجهتها الدبلوماسية هي الأخرى بالصوت والصورة توجب معالجتها بمسحة تزيل عنها ما ترسّب بها من ذباب إلكتروني همّه الوحيد خلق الاستعداء للدولة مع محيطها العربي والإقليمي وحتى الدولي.