روبن باروك "يهودي عربي" ينافس على جائزة غونكور برواية بطلتها جدته

بعد الصراعات العربية - الإسرائيلية في أوائل السبعينات نزح معظم اليهودية من البلدان العربية الإسلامية، ومنهم قلة قليلة خيروا البقاء. ملاح مراكش حي اليهود المغاربة المفعم بالحيوية، ثاني أقدم حي يهودي في المغرب، شهد بدوره تلك التأثيرات وانخفض عدد سكانه اليهود من أكثر من أربعين ألفا إلى اثنين فقط. وهذا ما يرويه الكاتب روبن باروك انطلاقا من قصة جدته.
مانوسك (فرنسا) - يطمح الفرنسي من أصل مغربي روبن باروك (27 عاما) إلى الفوز بجائزة غونكور، أرفع مكافأة أدبية في فرنسا، وبات هذا “اليهودي العربي” أصغر متنافس عليها، بروايته “كل ضجيج غيليز” (Tout le bruit du Gueliz) التي تتناول التعايش السلمي بين اليهود والمسلمين في مراكش.
واللافت أن باروك الذي صدرت روايته عن دار “ألبان ميشال” هو الوحيد ضمن لائحة المرشحين الستة عشر للمرحلة النهائية الذي يسعى إلى نيل جائزة غونكور الشهيرة بعمل هو الأول له.
قصة الجدة
قال روبن باروك خلال مهرجان “كوريسبوندانس” الأدبي في مانوسك بجنوب شرق فرنسا إن إدراج روايته ضمن القائمة المرشحة لنيل الجائزة “جميل لأنه يساهم في إبراز الكتاب”، وفي نظره “هذا كل ما يهم”.
وتتناول الرواية قصة حقيقية عن جدته بوليت التي أبقى في عمله على اسمها الحقيقي، وهي واحدة من آخر المنتمين إلى الطائفة اليهودية في مراكش. فجميع أبناء طائفتها الآخرين تقريبا غادروا المدينة والمغرب لدى اندلاع الحرب بين إسرائيل والدول العربية.
وأضاف روبن باروك “عندما قصفت إسرائيل مصر، على وجه التحديد، عام 1967، حصلت آخر موجة كبيرة من رحيل السكان اليهود إلى إسرائيل، ولكن ليس إليها وحدها. إذ انتقلت والدتي وإخوتها وأخواتها أيضا إلى فرنسا. لدينا أقارب في الولايات المتحدة وفي كندا”.
أما بوليت، فبقيت. وبحسب الرواية، هي لا تعرف فعليا سبب بقائها، باستثناء أنها سمعت “صوتا” يطلب منها أن تمكث. وُلِد الروائي الشاب بعد ذلك بوقت طويل، وتحديدا عام 1997، في باريس، حيث نشأ. وورث هذه القصة.
وإذ وصف نفسه بأنه “يهودي عربي”، رأى أن “على المرء أن يتصالح داخل نفسه مع هوياته، قبل أن تكون لديه رغبة في السلام”. وتشير كلمة “ضجيج” في عنوان الرواية إلى صوت مجهول المصدر يمنع الجدة المقيمة في غيليز من النوم، وهي منطقة من المدينة الواقعة عند سفح جبال الأطلس.
وكل ما يرويه باروك حقيقي عن أنه ووالدته ذهبا في شتاء عام 2022 لمحاولة تحديد طبيعة هذا الضجيج، أو مساعدة الجدة في اكتشاف ماهيته، من خلال التعمق في الماضي، حين كان حي الملاح اليهودي يعج بالناس.
كانت رحلته رفقة والدته من أجل الحصول على فكرة واضحة عن الضوضاء التي تضطهد الجدة ليلا ونهارا دون أن تتمكن من اكتشاف أصلها، لكن محاولتهما لم تؤدي إلى شيء مؤكد بشأن هذه الضوضاء، لتجد الجدة نفسها في حالة يأس من معرفة السبب، بينما تحاول طرد الأرواح الشريرة بوضع البخور.
يراقب الحفيد، وهو الكاتب والراوي هنا، طقوس الجدة بدهشة رقيقة يظللها الحزن، إذ تختار بوليت أزهار البرتقال لتعطير الشاي، وتحتفل من خلال ارتداء الملابس بسعادة، إضافة إلى إصرارها على ترتيب أدوات مائدة للموتى على طاولة السبت، لكنها غالبا ما تكون محاطة بغضب لا مبرر له من الماضي، فهي تعيش محاطة بآثار زمن متجمد لفترة طويلة لدرجة أنه يبدو “من المستحيل إعادتها إلى الحياة، الآن. كل شيء بارد”.
الضجيج المفقود
سرعان ما يتضح لحفيدها أن الضوضاء التي تملأ رأس السيدة العجوز هي في الواقع ذكرى، فبعد أن غادر الجميع، تغرق المرأة المسنة في الحنين العميق إلى حياة مجتمعية قديمة تخرجها من العزلة. بوليت إذن “هي شفرة من العشب منسية في حديقة أصبحت صحراء، ومع ذلك، ما تزال تؤمن بسماع أغاني الطيور”.
وذكر الكاتب الشاب بأن “اليهود كانوا موجودين وعاشوا في ذلك الوقت في شكل معين من الانسجام والسلام الممكن مع السكان المسلمين”. وأضاف “من المهم أن نفهم أن ما من حرب حلت مكان هذا السلام. ولم يحل مكانه شيء لأن اليهود غادروا. وحصل فراغ”.
وقال “أعلم أن كل شيء لم يكن ورديا في ذلك الزمن. كان يوجد استعمار، وحصل الكثير من الأحداث المأسوية، لكن الأمر كان يشبه شيئا جميلا، ونحن بعيدون من ذلك اليوم”.
وفي مانوسك، أقيمت مناظرة بين باروك وروائي مغربي آخر مرشح لجائزة غونكور هو عبدالله الطايع (51 عاما) الذي أصدر حتى الآن 11 رواية. ومن بين الحضور الذين تراوح عددهم بين 200 و300 شخص، وقف رجل عجوز ليصرخ بالعربية: “عاش المغرب. عاشت فرنسا”. ويفهم روبن باروك هذه اللغة لكنه لا يتحدثها.
أما جدته، فقلّما تتحدث بها حتى اليوم. ويقول في الرواية إن الأطفال يدركون أنها يهودية، وأنها بالتالي غريبة بالنسبة إليهم، ويريدون أن يدلّوها على الطريق إلى الكنيس. فتجيبهم بلغتهم، بلكنة مراكشية. وكتب “كان الجميع ينظرون إلينا، مشدوهين (…). لقد كانوا يعيشون في الحي اليهودي القديم الذي أصبح ملكهم الآن، من دون أن يعلموا.