بعد سنوات من حرائق الغابات، الجزائر تنجح في ترويض النيران

تيزي وزو (الجزائر) – يتفقد مولود تمزي آثار حرائق الغابات في الصيف المنقضي بجبال شمال الجزائر. ويجد أشجار التين والزيتون وأقفاص الدجاج المحترقة والمناحل الفارغة والمسارب المليئة بالرماد.
لكن نائب رئيس بلدية آيت محمود يبقى ممتنا لأمر واحد: لم تُسجل أي حالة وفاة نتيجة موسم الحرائق. ويعني هذا الكثير في منطقة توفي فيها العشرات بسبب الحرائق التي اندلعت خلال السنوات الأخيرة.
وتضررت خمس قرى في آيت محمود، البلدية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 7700 شخص في شمال الجزائر. ولكن لم يُهدم أيّ منزل. ويُرجع تمزي ذلك إلى التعبئة السريعة لقوات مكافحة الحرائق المعززة حديثا في البلاد.
وقال “تعلمنا كيف نتصرف أثناء الحرائق. ونحن نتعامل معها اليوم بالطريقة التي يتعامل بها اليابانيون مع الزلازل”.
100
حريق غابات في عام 2021 خلال موجة الحر الشديدة والجفاف الممتد عبر محافظة تيزي وزو
وقال سكان تيزي وزو لمؤسسة تومسون رويترز عقب انتهاء موسم الحرائق إن المعدات الأفضل والسياسات الأكثر ذكاء، إضافة إلى الطائرات التي يمكن أن تخمد النيران من الأعلى، تندرج ضمن حملة على مستوى البلاد آتت ثمارها بالفعل.
وقال المتقاعد شريف حكيمي، وهو يجلس تحت شجرة في قرية طاغراغرا الهادئة، “وصلت الحرائق إلى المنازل آخر مرة سنة 2021… سيطر عليها رجال الإطفاء قبل وصولها إلى هنا هذه المرة لحسن الحظ. لو وصلت النيران إلينا لكنا قد انتهينا”.
وخلال السنوات الأخيرة أصبحت حرائق الغابات عنصرا أساسيا في الصيف الجزائري القاحل. وتنتج عن الارتفاعات الحادة في درجات الحرارة الناجمة عن تغير المناخ، إلى جانب رياح الشهيلي الحارة والجافة التي تهب من الصحراء.
واعتاد القرويون مكافحة النيران باستخدام أدواتهم الخاصة. لكن دلاء الماء وخراطيم المياه لم تعد لها أي جدوى أمام النيران الشديدة. وهذا ما غيّر أولويات الحكومة التي سعت إلى تجديد تدابير مكافحة الحرائق، مع التركيز على المعدات الجديدة وتغيير القانون وزيادة الوعي العام.
وانتشر 100 حريق غابات في عام 2021 خلال موجة الحر الشديدة والجفاف الممتد عبر محافظة تيزي وزو التي تمتد على حوالي 3 آلاف كيلومتر مربع. وقُتل ما لا يقل عن 90 شخصا، والتهمت النيران عشرات الآلاف من الهكتارات من الغابات، وتحولت بساتين الزيتون إلى رماد، واحترقت القرى والمزارع النائية.
وشهدت البلاد سنة 2023 مقتل ما لا يقل عن 34 شخصا وجرح عدة مئات في بجاية، وهي محافظة مجاورة لتيزي وزو.
لكن هذا العام كان مختلفا رغم حرارة الصيف الخانقة. وقالت شركة طيران الطاسيلي في أبريل إنها أضافت 12 طائرة إطفاء إلى أسطولها، وهي تدعم بذلك 340 شاحنة إطفاء جديدة و40 شاحنة صهريج مياه أضيفت إلى خدمات الغابات الوطنية على مدار العامين الماضيين.
كما تقررت تدابير محددة في تيزي وزو، المعرضة للخطر بسبب تضاريسها الجبلية وغطائها الحرجي الكثيف الذي يجعلها عرضة لحرائق الغابات بينما يصعّب على رجال الإطفاء اختراقها عند اندلاع الحرائق.
وشيّد المسؤولون المحليون منصة هبوط لطائرات المروحية الثقيلة التي تنقل المياه ورفعوا أبراج المراقبة. وحُفرت المسارات عبر الغابات الكثيفة لتسهيل عمل رجال الإطفاء.
كما ذكر يزيد بلقالم، رئيس لجنة الزراعة في المجلس الشعبي الولائي الذي يراقب أداء السلطات المحلية، أن البلاد نشرت طائرة مسيرة وكاميرا عالية الدقة باستخدام الذكاء الاصطناعي لمراقبة النقاط الساخنة. وقال بلقالم إن المعدات تبقى غير كافية في مراكز الحماية المدنية والمكاتب الفرعية لإدارة الغابات وإن لجنته طلبت المزيد من الموارد.
ويُذكر أن الجزائر قررت تخصيص حوالي 100 مليون دينار جزائري (756 ألف دولار) لاستخدام الطائرات المسيرة في جميع أنحاء البلاد. ويعد التوصل إلى أفضل الممارسات الجديدة أساسيا لأن تغير المناخ يجعل حرائق الغابات أكثر احتمالا وشدة.
وقال أرزقي دريدج، عالم البيئة في جامعة تيزي وزو، “أصبح الطقس أكثر سخونة، ويتوسع نقص المياه، وتموت أنواع معينة من الأشجار في الغابات (الأرز) بمعدل كبير في منطقة الأوراس في شمال شرق الجزائر”. وأكد أن ألسنة اللهب تنتشر بشكل أسرع لكن الأشجار الميتة أكثر قابلية للاشتعال، وهي تتوسع مع ارتفاع سرعة الرياح.
وتُعتبر الهجرة الحضرية عاملا رئيسيا آخر. وذكر دريدج أن انتقال الجزائريين إلى المدن يقلص عدد الذين يواصلون إدارة الأراضي الزراعية، ما يحول الحقول إلى مساحات قابلة للاشتعال. وقال إن “القرى أقفرت من سكانها، ولم يتبق غالبا سوى كبار السن وعدد قليل من الشباب العاطلين عن العمل. ولم تعد الحقول والبساتين مزروعة، وهو ما يجعل تنظيفها نادرا”.
لكن الجزائريين الذين ما زالوا يعيشون في المناطق الريفية أصبحوا أكثر استباقية، ويطلبون المساعدة عند أول تصاعد للدخان. ويرى الذين يعيشون في جبال آيت محمود أن اليقظة ضرورية.
وقال غيلاس محيوط، وهو صاحب متجر محلي في الثلاثينات من العمر، “احترقت حقول عائلتي أربع مرات، في 2012 و2017 و2021، ومؤخرا في 2024. لقد خسرنا كل شيء ونحن مرهقون”.