تدرّج كويتي بطيء نحو ضبط فوضى العمل الجمعياتي والخيري

جماعة الإخوان المسلمين تذكر تلقائيا عند الحديث عن العمل الخيري الذي برعت في ممارسته والإثراء من ورائه.
الخميس 2024/09/26
أموال سهلة تبتلعها ثقوب سوداء

الكويت - تسير السلطات الكويتية ببطء وحذر نحو معالجة ملف العمل الجمعياتي والخيري رغم كثرة الأصوات المطالبة بمعالجته بشكل شامل وحسمه نهائيا نظرا لما يخترقه من نقائص تنظيمية وما يحف به من محاذير من بينها تحوّله لدى البعض إلى باب للثراء غير المشروع ولدى البعض الآخر إلى وسيلة لممارسة العمل الحزبي المقنّع، دون وجود ما يكفي من الضوابط لمنع انزلاقه نحو التحول إلى مصدر لتمويل للتشدّد وحتى الإرهاب.

وشرعت وزارة الشؤون الاجتماعية في وضع عدد من جمعيات النفع العام والمَبَرَّات المخالفة للقوانين تحت مجهر الملاحظة تمهيدا لحلّها. وبذلت الحكومات الكويتية المتعاقبة جهودا لضبط العمل الخيري الذي تشجّع حالة الثراء المادي للبلد ومجتمعه معطوفة على ارتفاع منسوب التدين بين أفراد المجتمع على التوسّع في ممارسته وتعدّد الأذرع الناشطة في مجاله مع اختلاف درجة نزاهتها، لكن تلك الجهود لم تسفر إلى حدّ الآن على نتائج ملموسة.

وعلى اعتبار الحكومة الحالية هي حكومة إصلاح جاءت في سياق التغيير الذي أقدم على إنجازه أمير البلاد بحلّه البرلمان وتعليقه الظرفي لبنود في الدستور بهدف فتح الباب للإصلاحات وضمان مرونة اتخاذ القرارات المتعلقة بها وتنفيذها بعيدا عن العراقيل التي تخصّص نواب مجلس الأمة فيوضعها في طريق عمل الحكومات، فقد تجدّدت المطالبات لحكومة الشيخ أحمد عبدالله الصباح بأن تشمل بالإصلاح المنشود مجال العمل الخيري على اعتبار ذلك من المشاكل المزمنة التي تعود لعقود خلت ولم يعد حلها يحتمل التأجيل.

وكتب الكاتب أحمد الصراف مؤخرا في صحيفة القبس المحلية محذّرا من أن عجلة الإصلاح التي تحرّكت أخيرا خلّفت العمل الخيري الذي بقي “محصنا تقريبا من الرقابة الفعلية، بالرغم من كل ما يثار حول أنشطته من شكوك، داخل البلاد وخارجها”. ولم يقلل الكاتب من جهود وزارة الشؤون الاجتماعية “وإخلاصها في مراقبة أوضاع الجمعيات” مضيفا أنّ الوزارة “تتمنى لو تستطيع أن تفعل أكثر”، وذلك في إشارة إلى صعوبة مقاربة الملف الذي تحرسه اعتبارات أخلاقية ودينية ويحتمي القائمون عليه خلف واجهة الدوافع الإنسانية.

وبدا أن الوزارة بصدد تحريك المياه الراكدة لملف العمل الجمعياتي والخيري في البلاد. وقالت إنّه في إطار حرصها على القيام بدورها الرقابي على أعمال جمعيات النفع العام والجمعيات والمبرات الخيرية، أحاطت الوزيرة أمثال الحويلة مجلس الوزراء علما بإعداد الوزارة دراسة عن أوضاع عدد من جمعيات النفع العام، والذي تبيّن أنّها غير فعالة ومخالفة لمواد القانون رقم 24 لسنة 1962 في شأن الأندية وجمعيات النفع العام، تمهيدا لإصدار قرار بحل وتصفية هذه الجمعيات.

◙ وزارة الشؤون الاجتماعية تشرع في وضع عدد من جمعيات النفع العام والمَبَرَّات المخالفة للقوانين تحت مجهر الملاحظة تمهيدا لحلّها

وأشارت الحويلة إلى قيام الوزارة بإعداد دراسة أخرى حول قيام بعض الجمعيات والمبرات الخيرية بمخالفة القوانين والقرارات المنظمة وارتكابها العديد من المخالفات، تمهيدا لإصدار قرار بحل وتصفية هذه الجمعيات والمبرات الخيرية. وقال الصراف في مقاله “تزايدت في الفترة الأخيرة أصوات ممثلي بعض الجمعيات الخيرية، منددة بالمشككين بها أو المطالبين بتشديد الرقابة عليها. وقالوا إن العمل الخيري له راع رباني يحفظه، وكأنهم يقولون: لا تقتربوا منه”.

وشكّك في سلامة الذمة المالية للقائمين على الجمعيات وأشار إلى تبريرهم استقطاعهم لنسبة مئوية من التبرعات بحجة تغطية مصاريف الجمعية الإدارية، معتبرا أن ذلك “يخلو تماما من الشفافية وزادت من درجة الشك مطالبتهم الوزارة والبنوك بتخفيف التدقيق عليهم وأن لا حاجة له فهم يقومون بالتدقيق على أعمالهم في الداخل والخارج، وأنهم محاسبون يوم القيامة".

وكثيرا ما يُذكَر اسم جماعة الإخوان المسلمين تلقائيا عند الحديث عن العمل الجمعياتي والخيري في الكويت، ذلك أن الجماعة قد بادرت بصفة مبكرة للنشاط بكثافة في هذا الحقل وبلغت فيه قدرا كبيرا من التنظّم والاتقان، وتمكّنت بفضله من تحصيل ثروات طائلة تستخدمها في تمويل فروعها في مختلف بلدان المنطقة والعالم.

ويقول نشطاء كويتيون إنّ الثروات التي تمكّن إخوان الكويت من جمعها لم توظّف فقط في الصرف على أتباع جماعتهم واستقطاب المزيد منهم محلّيا وخارجيا بل في الحفاظ على مكانتهم في مؤسّسات الدولة الكويتية ذاتها والتأثير في قراراتها حتّى أنّهم غير بعيدين عن صياغة القوانين المتعلّقة بتنظيم العمل الخيري والإجراءات الهادفة لتنظيمه باتجاه استدامة الثغرات فيها وبالتالي مواصلة الاستفادة منها.

وعن تسييس وأدلجة العمل الخير في الكويت نبّه الصراف إلى أنّ “الجهات التي أفتت باستقطاع نسبة العاملين عليها تنتمي في أغلبيتها إلى الجهات السياسية والعقائدية نفسها التي تدير أغلبية الجمعيات".

وأشار إلى أنّه “لا تعرف أي جهة العدد الفعلي للعاملين في هذه الجمعيات سواء في الداخل أو الخارج، علما بأن مؤهلات هؤلاء تنحصر في انتمائهم لحزب مجلس إدارة الجمعية نفسه في الغالب، فالتوظيف يتم بناء على الولاء، وليس على أساس الكفاءة والأمانة". وخلص إلى وصف العمل الخيري في الكويت بأنّه “مغارة لا تعرف أي جهة، بدقة، ما يجري بداخلها”.

3