وزير إعلام جديد في سوريا "منتقد" للحكومة لإقناع الرأي العام بالتغيير

الحكومة تريد من الإعلام السوري المساهمة في عملية التأثير على الرأي العام والقيام بدور في تحسين صورة الحكومة.
الأربعاء 2024/09/25
إلمام بجوانب المعاناة

دمشق - تضمنت التغييرات في التشكيلة الحكومية السورية، حقيبة الإعلام التي كلف بها الصحافي زياد غصن المعروف بانتقاداته للحكومة خلفاً لبطرس الحلاق، في خطوة تظهر سعي السلطات إلى إعادة تشكيل المشهد الإعلامي وتصدير شخصية أكثر إقناعا للجمهور بعد فشل الوجوه المعتادة في تحسين المشهد الإعلامي.

وتريد الحكومة من الإعلام السوري المساهمة في عملية التأثير على الرأي العام والقيام بدور في تحسين صورة الحكومة، وهو ما فشل الوزير السابق في الوصول إليه حيث تباينت الآراء حول علاقة الإعلام والإعلاميين مع الحكومة والمؤسسات الحكومية والإشكالات التي نتجت عن تطبيق قانون الجريمة الإلكترونية وخاصة لجهة ما ينشره الصحافي في وسيلة إعلامية رسمية أو مرخصة، إضافة إلى الظروف المعيشية للصحافي وعدم قدرته على الاستمرار بالحياة عندما يعتمد في ذلك على مردود عمله من ممارسته لمهنة الصحافة فقط.

ويرى محللون أن الحكومة تعول على غصن في تطوير المنظومة الإعلامية بما يمتلك من خبرة طويلة، إذ شغل منصب رئيس القسم الاقتصادي في صحيفة “تشرين” الرسمية حتى عام 2008، وساهم في تحرير عدد من الصحف والمطبوعات الاقتصادية. واستلم منصب مدير مؤسسة “الوحدة” للطباعة والنشر عام 2012 حتى 2020.

كما شغل الوزير الجديد منصب رئيس تحرير جريدة “تشرين” بين 2011 و2012، ومدير تحرير صحيفة “الخبر”، وعمل سابقاً بعدة صحف عربية، آخرها جريدة “الأخبار” اللبنانية.

وله مشاركات في دورات تدريبية محلية وفي عدد من الدول العربية، إضافةً إلى دراسات إعلامية ومجموعة من الحوارات والمقالات الاقتصادية والسياسية المنشورة في صحف عربية ومواقع إلكترونية.

البعض يشير إلى أن من أسباب التغيير هو الانتقادات التي وجهت إلى الوزير بطرس الحلاق، بعد اتخاذه عدة قرارات

وكان قد وجه انتقادات للإعلام الاقتصادي في البلاد، وأشار في إحدى الندوات بعنوان  “الإعلام الاقتصادي ما له وما عليه”، إلى نقاط الوهن أو كما سماها جوانب معاناة، التي أثرت على الزخم الذي اكتسبته الصحافة الاقتصادية، ولعل أبرزها المزاجية الحكومية المتمثلة آنذاك في الرقابة على المطبوعات الاقتصادية الخاصة لمجرد انتقادها الأداء الحكومي أو نشرها تحقيقات تعتبرها تلك الحكومات تجاوزاً للخطوط الحمراء، وضعف مصادر تمويل المطبوعات، وتدني قيمة الإعلانات المنشورة بفعل الفوضى والمحسوبيات السائدة في السوق الإعلانية، وتراجع القراءة لدى المواطن السوري.

وأضاف أن ذلك رافقته انحرافات في السلوكية المهنية لبعض العاملين في الإعلام الاقتصادي تحت ضغط المصالح الخاصة من جهة والضغوط الاجتماعية والمؤسساتية من جهة أخرى، وتسرب بعض الأشخاص غير المؤهلين وعديمي الإمكانيات المهنية إلى الكادر التحريري للإعلام الاقتصادي، كما أثرت محدودية عمليات التأهيل والتدريب في وسائل الإعلام الرسمية وغيابها تماماً في وسائل الإعلام الخاصة.

وتحدث غصن عن صفحات التواصل الاجتماعي وكيف تحولت إلى صانعة لرأي عام ضاغط ومؤثر محلياً في العديد من القضايا المحلية تصدرتها الأوضاع المعيشية للمواطن والشؤون الاقتصادية، وقال أن بعض الصحافيين كان لهم دور في تأسيس صفحات مؤثرة على شبكات التواصل الاجتماعي لكن الغالب كان لجمهرة مواطنين تحولوا بين ليلة وضحاها إلى صحافيين، متحدثاً أيضاً عن إيجابيات وسلبيات هذه الصفحات.

الوزير الجديد شغل منصب رئيس تحرير جريدة "تشرين" بين 2011 و2012، ومدير تحرير صحيفة "الخبر"، وعمل سابقاً بعدة صحف عربية

ويشير البعض إلى أن من أسباب التغيير هو الانتقادات التي وجهت إلى الوزير السابق بطرس الحلاق، حيث أصدر قرارات بتغييرات في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، شملت شخصيات مهمة بعد سلسلة من الأخطاء السياسية في عدد من البرامج.

وجاء ذلك، بعدما فرضت الوزارة في 10 يوليو عقوبات على فريق عمل برنامج “جذور” الذي يعرض على قناة “الإخبارية”، بعد حملة تحريض بسبب استضافة الكاتب المصري يوسف زيدان أواخر يونيو الماضي، بزعم أنه “مطبّع” مع إسرائيل.

وواجه الحلاق اتهامات بأنه يقوض الإعلام السوري “الرصين والملتزم”، في حين أن التغييرات صدرت عن حلاق، بعد تكليف مجلس الوزراء له بتشكيل لجنة فنية متخصصة مهمتها التدقيق في استضافة “الإخبارية” لـ”شخصية مشبوهة بفكرها وآرائها حيال العلاقات مع الكيان الإسرائيلي”، بحسب بيان نقلته وسائل إعلام رسمية.

وبعد ذلك، شهد التلفزيون السوري أزمة أخرى، مع إيقاف برنامج “الكابتن” الرياضي بسبب فقرة تناولت موضوع خصخصة مطار دمشق الدولي نقلاً عن صحيفة “البعث”، فيما تمت الإشارة في نهاية الفقرة إلى السيطرة الروسية والإيرانية على البلاد، ما أثار جدلا واسعاً في الشارع السوري وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

وتكررت الانتقادات التي تم توجيهها في مواقع التواصل من قبل عاملين في الإعلام الرسمي نفسه، منذ تعيين حلاق خلفاً لعماد سارة العام 2021، وهو ما فسره البعض بأنه تعطي انطباعاً بوجود معسكرين يتصارعان على السيطرة ضمن الإعلام الرسمي.

الحكومة تعول على غصن في تطوير المنظومة الإعلامية بما يمتلك من خبرة طويلة في الإعلام الاقتصادي خصوصا

وبخلاف غصن الذي يمتلك نظرة ناقدة لأداء الإعلام ويضع يده على مواطن الضعف، كان حلاق ينظر بإيجابية مبالغ بها للواقع الإعلامي وهو ما يحول دون التغيير والتطوير، ولا يحرك ساكنا في مسألة توسيع هامش الحريات، وبدا ذلك واضحا في حديثه عن قانون الإعلام الجديد الذي يواجه انتقادات واسعا من قبل الصحافيين بكتم الأصوات وتكبيل أيديهم رغم التضييق أصلا عليهم.

وقال الحلاق في مايو الماضي، أن “قانون الإعلام الجديد أقرب إلى طوق النجاة للإعلاميين وهو في طور الصدور”.

واعتبر في لقاء مع الصحافيين، أن قانون الإعلام الجديد تعرض للكثير من الهجمات من قبل بعض الإعلاميين إلا أن كل الانتقادات تم استدراكها من قبل الوزارة بشكل مسبق. ونوّه أن القانون الأخير لإحداث وزارة الإعلام أعطى الأخيرة هامشاً جديداً لمواكبة الإعلام الرقمي وصناعة المحتوى.

وقال “إن كل المؤشرات تدل على أن كوادرنا الإعلامية أكثر من جيدة، وإعلاميينا أثبتوا أنهم أكثر كفاءة، والإعلام هو قطاع اقتصادي واستثماري، وهو ليس قطاع خدمي فقط وبالتالي لابد أن يدمج الإعلام ما بين الاقتصادي والخدمات، والاستثماري مع الخدمي”.

وأضاف “نحن معنيون بالحوار داخل كل المؤسسات وكإعلاميين الحامل الأساسي لحوار باقي مؤسسات الدولة، ونحتاج في هذه المرحلة المهمة لحوار عميق حول مختلف القضايا ولابد من أن نتجه إلى العمل ضمن فريق واحد بعيداً عن الإدارة المركزية لأن إدارة مركزية تعني الفشل”.

ولفت الحلاق إلى أن الإعلام السوري قوي رغم الظروف الصعبة التي يعيشها الإعلامي، وأن بيئة الإعلام جزء من البيئة الحكومية، وهي بيئة غير قادرة على تخصيص تعويضات مناسبة، وبالتالي هي بيئة غير محفزة وغير جاذبة ومع ذلك تم إنجاز 80 بالمئة من المشاريع منذ أوائل العام الجاري، ومن خلالها تم الحصول على بعض التحسينات المرحلية من زيادة في الاستكتاب، وطبيعة العمل، مؤكداً أن “لدينا إعلام خاص غير سيء ويمتلك مرونة، وهو جاذب أكثر من الرسمي ومن يعمل به هو من الإعلام الرسمي”.

5