حتى نكون سعداء

لا تلهث كثيرا وراء السؤال، فالدراسات المتخصصة ستجيبك بأن لاختيار فنلندا كأسعد بلد في العالم عدة أسباب منها أنها الدولة الأكثر حرية في العالم، والأكثر استقرارا، والأولى من حيث الحريات المدنية، ومن حيث التنمية المستدامة، والدولة الأقل فسادا في العالم، وتتمتع بأفضل إدارة، وبأفضل توازن بين العمل والحياة في العالم، وتحتل المرتبة الثانية في حرية الصحافة، والرابعة من حيث العدالة الاجتماعية في المجتمع، والمرتبة الثانية في المساواة بين الجنسين، والمركز الثالث في حقوق الطفل، وهي الأكثر اخضرارا من حيث نسبة الغابات في أوروبا، ويتمتع الفنلنديون بالمرتبة الثالثة في الثقة بمؤسسات المجتمع، وبأقوى ثقة في العالم بالشرطة، وهم يثقون بإخوانهم من البشر أكثر من أيّ شخص آخر في العالم.
كذلك، فإن فنلندا هي ثالث أفضل دولة من حيث عناية الأمهات العاملات بالأطفال الصغار، وفيها يقضي الآباء وقتا مع أطفالهم في سن المدرسة أكثر من الأمهات، وهي تتمتع بنظام التعليم الأفضل والمجاني للجميع، وتقدم لمواطنيها أفضل الفرص في العالم لتجارب الطبيعة.
المواطن الفنلندي يثق بدولته وحكومته وبمجتمعه وبالسياسيين ووسائل الإعلام وبالناس من حوله ، وبالتالي فهو يثق بنفسه، ولا يحتاج للكذب أو النفاق أو الخداع ليدبّر شؤونه. ربما لذلك يمكننا الوصول إلى نتيجة مهمة حول الأسباب التي يمكن أن تجعل بلدا باردا ومظلما في سقف العالم يحتل المرتبة الأولى كأسعد بلد على كوكب الأرض .
حدد مركز أبحاث الرفاهية بجامعة أكسفورد في إنجلترا، أسباب السعادة من خلال ستة مفاهيم، هي الدعم الاجتماعي، والدخل، والصحة، والحرية، والكرم، وانخفاض الفساد. وتؤكد الحالة الفنلندية أن كل تلك الأسباب يمكن اختصارها في عنوان كبير، وهو الثقة بالحاضر والمستقبل، الثقة بالسلطة والقانون، الثقة بالإعلام والمجتمع، الثقة بالنفس بما يمكنك من أن تكون راضيا عنها… الثقة بالآخر بما يجعلك تقبل به وبالتعامل معه من دون أن تكون لديك نظرة سلبية نحوه فقط لأنه مختلف عنك من ناحية اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الجنس أو الوظيفة أو الطبقة الاجتماعية.
ما نحتاج إليه في أغلب دولنا العربية هو تلك الثقة التي يمكن أن تجعل الحياة أرغد والبشر أسعد. أن تمنح الإنسان فرصة لأن يكون واثقا من أن غده يمكن أن يكون أفضل، أن تشعر المواطن بأن ثروة بلاده بين أياد أمينة ولا يعبث بها اللصوص، وبأن الشرطي يعمل من أجل تأمين حياة المجتمع، وأن القاضي يمكن أن يحكم بالعدل ولا شيء غير العدل، وأن الصحافة تمارس مهامها بحرية واستقلالية وصدقية وحياد، وأن الغذاء الذي يباع في الأسواق صالح للاستهلاك الآدمي، وأن من يمرض أو يتقاعد أو يعجز عن العمل سيجد الرعاية الاجتماعية المحترمة التي تصون له كرامته الإنسانية .
علينا أن نقرأ درس السعادة في فنلندا، وأن نتخلى عن كل ما يقيد خطواتنا في اتجاه واقع أجمل وأفضل وأكمل.