الطلب العالمي المتذبذب يضغط على أرباح صناعة التكرير

دخول مشاريع جديدة حيز الإنتاج في 2024 ضيق هوامش أعمال المصافي.
السبت 2024/09/21
العمل مستمر مهما كانت وضعية الأسواق

تواجه مصافي النفط في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة انخفاضا في الربحية إلى أدنى مستوياتها في عدة سنوات، وهو ما يشير إلى تباطؤ في صناعة تمتعت بعائدات متزايدة بعد الوباء، ويؤكد مدى التباطؤ الحالي في الطلب العالمي.

لندن - يشكل الضعف في نشاط قطاع التكرير عالميا هذا العام علامة أخرى على بطء الطلب الاستهلاكي والصناعي، وخاصة في الصين، بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي، وزيادة انتشار المركبات الكهربائية.

ولكن من الواضح أن المصافي الجديدة التي دخلت الخدمة في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا خلال العام الحالي أضافت الكثير إلى هذه الضغوط الهبوطية.

وحققت مصافي مثل توتال إنيرجيز وشركات تجارية مثل جلينكور أرباحا وفيرة في عامي 2022 و2023، حيث استفادت من نقص الإمدادات الناجم عن حرب أوكرانيا، واضطرابات الملاحة في البحر الأحمر من قبل الحوثيين، والتعافي الكبير في الطلب بعد الوباء.

وقال المحلل روري جونستون من شركة كوموديتي كونسيكتس لرويترز “يبدو بالتأكيد أن دورة التكرير الفائقة التي شهدناها على مدى السنوات القليلة الماضية قد تقترب الآن من نهايتها”.

وأضاف “نلاحظ أن العرض من المصافي التي تم افتتاحها حديثا يلتحق بالطلب على الوقود الذي يتسم بالتباطؤ”.

روري جونستون: دورة التكرير الفائقة يبدو أنها تقترب الآن من نهايتها
روري جونستون: دورة التكرير الفائقة يبدو أنها تقترب الآن من نهايتها

وانخفضت أرباح التكرير في سنغافورة، وهي مؤشر رئيسي لآسيا، إلى نحو 1.63 دولار للبرميل الثلاثاء الماضي، وهو أدنى مستوى موسمي منذ نفس الفترة في عام 2020.

وانخفضت هوامش وقود الديزل في آسيا إلى أدنى مستوى لها في ثلاث سنوات في اليوم نفسه، وفقا لبيانات مجموعة بورصات لندن (أل.أي.إي.جي).

ويعد الاقتصاد الصيني الضعيف السبب الرئيسي، في هذا الوضع، فقد انخفض نمو الناتج الصناعي في أكبر مستورد للنفط في العالم إلى أدنى مستوى له في خمسة أشهر في أغسطس.

وعلاوة على ذلك، انخفض إنتاج مصافي النفط للشهر الخامس حيث أدى ضعف الطلب على الوقود وهوامش التصدير الضعيفة إلى كبح الإنتاج.

وفي الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط، حيث تأخر الطلب أيضًا عن التوقعات، انخفض الفارق بين السعرين 3-2-1، وهو مقياس رئيسي للربحية الإجمالية، إلى أقل من 15 دولارا للبرميل في أواخر أغسطس لأول مرة منذ أوائل عام 2021.

ويقترب الفارق بين السعرين 3-2-1 من العائد النموذجي لمصافي النفط الأميركية من برميلين من البنزين وواحد من الديزل من كل ثلاثة براميل من النفط تعالجها.

وبلغ متوسط هوامش البنزين في ساحل الخليج، باستثناء التزامات مزج الوقود المتجدد، 4.65 دولار للبرميل اعتبارا من الجمعة الماضي، بانخفاض من 15.78 دولار قبل عام.

وكانت هوامش الديزل أعلى بقليل من 11 دولارا، مقابل أكثر من 40 دولارا في العام الماضي، وفقا لبيانات من خدمة معلومات أسعار النفط.

ويعدّ العرض الزائد في سوق الديزل العالمية بسبب ضعف الطلب أحد الأسباب الرئيسية لضعف هامش أرباح شركات التكرير.

الأرباح ستظل منخفضة لبقية 2024، مع بعض الارتفاع من نمو الطلب الشتوي على الديزل
الأرباح ستظل منخفضة لبقية 2024، مع بعض الارتفاع من نمو الطلب الشتوي على الديزل

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يبلغ الطلب على الديزل وزيت الغاز هذا العام في المتوسط 28.3 مليون برميل يوميا، بانخفاض 0.9 في المئة عن عام 2023، في حين ينمو الطلب على البنزين ووقود الطائرات والغاز البترولي المسال ووقود الزيت خلال نفس الفترة.

وفي نهاية أغسطس، انخفضت هوامش الديزل الأوروبية إلى حوالي 13 دولارا للبرميل، وهو أدنى مستوى لها منذ ديسمبر 2021، وفقا لبيانات أل.أي.إي.جي.

وبلغ متوسط الهوامش 16.6 دولار للبرميل في أغسطس، أقل من نصف متوسط 38.3 دولار الذي بلغه في أغسطس العام الماضي.

وتظل التوقعات الفورية ضعيفة رغم أن الطلب الموسمي قد يوفر الدعم. وقال راؤول كالداريا المحلل في إنيرجي أيسبكتس إن “أرباح التكرير من المتوقع أن تظل منخفضة لبقية العام 2024، مع بعض الارتفاع من نمو الطلب الشتوي على الديزل في أوروبا”.

وتتعرض هوامش ربح البنزين أيضا لضغوط في أوروبا، على الرغم من الطلب الأكثر قوة. وبلغ متوسطها 12.1 دولار للبرميل في أغسطس، بانخفاض 61 في المئة عن مستويات أغسطس 2023 البالغة 31 دولارا، بحسب بيانات أل.أي.إي.جي.

وقال متحدث باسم إيني إن شركة التكرير الإيطالية “تنفذ تدابير للتخفيف من انخفاض هوامش التكرير”، لكنه رفض الخوض في تفاصيل تلك التدابير.

أما المتحدث باسم شركة التكرير الإسبانية سيبسا فأكد أنهم يراقبون هوامش الربح الخاصة بهم، لكنهم لم يتخذوا قرارا بشأن إبطاء عمليات المعالجة.

ديفيد ويش: ثمة طاقة تكرير كبيرة والإنتاج الجديد جعل الأمور أسوأ
ديفيد ويش: ثمة طاقة تكرير كبيرة والإنتاج الجديد جعل الأمور أسوأ

ولقد أدّى بدء تشغيل عدد من المصافي الجديدة إلى تفاقم الضغوط على الهوامش، حيث شعرت المصافي القديمة، وخاصة في أوروبا، بالألم.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أكدت شركة بتروينوس أنها ستغلق مصفاتها في جرينجموث في أسكتلندا، مع توقع إغلاقها في ألمانيا أيضًا.

وهذا العام، تشمل زيادة الطاقة الجديدة مصنع دانغوتي النيجيري الذي ينتج 650 ألف برميل يوميا، ودوس بوكاس المكسيكي الذي ينتج 340 ألف برميل يوميا، ومصفاة الزور الكويتية التي تنتج 615 ألف برميل يوميًا، ومصفاة الدقم العمانية التي تنتج 230 ألف برميل يوميًا.

وقال ديفيد ويش، كبير خبراء الاقتصاد في شركة فورتيكسا لتحليلات الطاقة إنه “من الواضح أن هناك طاقة تكرير كبيرة جدا على مستوى العالم حاليًا مقارنة بمستويات الطلب، وأن الطاقة الجديدة تجعل الأمور أسوأ”.

وذكر محلّلون في بنك أوف أميركا الأسبوع الماضي أنهم يتوقعون أن تواصل هوامش التكرير العالمية انخفاضها، بعد انخفاضها بنسبة 25 في المئة منذ بداية الربع الثالث من هذا العام.

ورجحوا أن تنخفض العوائد والإيرادات بمقدار 50 في المئة على أساس فوري، ومع ارتفاع طاقة التكرير الجديدة بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا على أساس سنوي.

وتأتي ضربة هوامش التكرير، التي غالبا ما تعمل كتحوط ضد تقلبات أسعار النفط والغاز، في وقت تجد فيه الشركات الكبرى صعوبة أكبر في مواكبة مطالب المساهمين بزيادة إنتاج الخام والعوائد النقدية.

وللتعامل مع الوضع، لجأ المسؤولون التنفيذيون إلى تأجيل المشاريع منخفضة الكربون، وزيادة الاقتراض لتمويل عمليات إعادة شراء الأسهم وتوزيع الأرباح، وإنتاج الوقود الأحفوري مستقبلا.

وانخفض صافي الدخل المعدل المجمع للربع الثاني لشركات إكسون موبيل وشيفرون وشل وتوتال إنيرجيز وبي.بي بنسبة 3.9 في المئة ليصل إلى 28.1 مليار دولار مقارنة بالربع السابق، وفقا لتقديرات جمعتها بلومبيرغ.

وهذا التهاوي يأتي رغم ارتفاع أسعار النفط الخام العالمية بنسبة أربعة في المئة، والمكاسب الطفيفة في أسواق الغاز.

10