المقاطعة الفائز الحقيقي بالانتخابات الرئاسية في الجزائر

الجزائر - طعن حزب العمال الجزائري في الانتخابات الرئاسية، انطلاقا من نسبة المشاركة سواء المعلنة في النتائج الأولية أو النهائية، واعتبر أن مخارجها تكرس أزمة الشرعية وتدخل البلاد في فصل جديد من فصول الأزمة، في ظل إصرار النظام على عدم الاستماع إلى رأي الأغلبية التي قاطعت عملية الاقتراع، والعمل على تضخيم النتائج التي تحصل عليها المرشحون الثلاثة.
وصرح المكتب السياسي لحزب العمال اليساري بقيادة لويزة حنون، في أعقاب اختتام دورته الأخيرة، بأن مجريات الانتخابات الرئاسية التي جرت في السابع من شهر سبتمبر الجاري تعمق أزمة النظام وتهدد كيان الدولة، معتبرا أن الفائز هو المقاطعون والرافضون للمسار الانتخابي، سواء بحسابات السلطة المستقلة أو المحكمة الدستورية.
وأكد أن “الأزمة بدأت في التجلي منذ حملة جمع التوقيعات لملفات الترشح، حيث كان إقصاء مرشحتنا تعبيرا عنيفا لها، دون أن ننسى الفوضى التي طبعت معالجة ملفات الترشح”.
ويلمح الحزب إلى ما وصفه بـ”التخطيط لإقصاء مرشحته لويزة حنون، قبل أن تعلن عن انسحابها المبكر من السباق”، فضلا عما عرف بشراء التوقيعات التي جرّت أكثر من 60 منتخبا وثلاثة مرشحين إلى الرقابة القضائية، الأمر الذي اعتبر آنذاك غلقا للعبة وإخلاء الساحة من منافسين أقوياء لمرشح السلطة.
لكن السلطات القضائية استندت إلى ما أسمته بـ”وقائع شراء وتلاعب بتوقيعات المنتخبين لصالح مرشحين بعينهم، وأن التشريعات التي سنت في إطار أخلقة الحياة السياسية ومحاربة المال الفاسد حتمت عليها التحرك لإجهاض عملية تشويه وإساءة للاستحقاق الرئاسي”.
وكانت سيدة الأعمال سعيدة نغزة، التي أعلنت آنذاك عن نيتها الترشح للانتخابات، قد انتقدت بشدة رئيس السلطة المستقلة محمد شرفي، متهمة إياه بفبركة إقصائها وعدم ضبط البيانات التي استند عليها، وذكرت أنها ستلجأ إلى القضاء لاسترداد حقها. لكن مجلس قضاء العاصمة استبق الأحداث وكشف عن ضبط وتوقيف أعضاء شبكة تعمل على شراء التوقيعات لمرشحين للانتخابات واستمع إلى ثلاثة منهم وضعهم تحت الرقابة القضائية، وتحدث عن تعارض السير الذاتية لبعضهم مع شروط الترشح، على غرار عقوبة السجن، وهو ما اعتبر تلميحا إلى رئيسة حزب العمال لويزة حنون التي سجنت في 2019 بتهمة التآمر والتخطيط للانقلاب على مؤسسات الدولة، رفقة مديرين سابقين لجهاز الاستخبارات، وسعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
وذكر حزب العمال في قراءة له للوضع السياسي في البلاد أن “نسبة المشاركة بحسب النتائج النهائية ارتفعت بـ100 في المئة، ومرشح جبهة القوى الاشتراكية الذي طالب بـ133 ألف صوت إضافي حصل على أكثر من 450 ألف صوت، أي تمت مضاعفة نتائجه بأربع مرات، ومرشح حركة مجتمع السلم الذي طالب بحوالي 150 ألف صوت إضافي، حصل على أكثر من 725 ألف صوت إضافي، وتمت مضاعفة نتائجه بأربع مرات كذلك، أما الرئيس الذي لم يقدم طعونا فقد ارتفعت نتائجه بحوالي مليونين و600 ألف صوت”.
حزب العمّال قال إنه لم يحدث منذ ترسيم التعددية الحزبية أن تم تسجيل مثل هذا التعديل المذهل في النتائج النهائية للاقتراع
وتساءل “هل وجب التذكير بأنه فيما يتعلق بالنتائج الأولية التي أعلنتها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، احتج المترشحون الثلاثة، بمن فيهم الفائز، عبر بيان صحفي مشترك، في حدث غير مسبوق، على أرقام وسير عملية التصويت، بل وقد استنكر كلّ من جبهة القوى الاشتراكية وحركة مجتمع السلم، بما في ذلك الضغط الذي مورس على المشرفين على مراكز ومكاتب الاقتراع لتضخيم نسبة المشاركة، وحتى حشو صناديق الاقتراع، وهو ما يعني أنه حتى نسبة المشاركة البالغة 23 في المئة و5.6 مليون ناخب التي أعلنت عنها الوكالة الوطنية المستقلة للانتخابات كانت مضخمة”.
وتابع “لم يحدث قط منذ ترسيم التعددية الحزبية في بلدنا أن تم تسجيل مثل هذا التعديل المذهل في النتائج النهائية للاقتراع، بعد تقديم طعون، وبالنسبة إلينا نؤكد أن النتائج النهائية بعيدة عن حل الأزمة المفتوحة، بل تساهم في تفاقمها، لأن النتائج النهائية تؤكد بدورها من خلال الامتناع عن التصويت الضخم والأصوات الملغاة أنّ أغلبية كبيرة تفوق 61 في المئة من الناخبين رفضت كل المسار الانتخابي”.
ومنذ حراك عام 2019 أبقى حزب العمال الجزائري على مسافة واضحة بينه وبين بقية القوى الداعمة له رغم مشاركته فيه، كما أنه لم يتخلف عن دعوات الحوار أو دعوات رئيس الجمهورية، غير أنه أبدى تمسكا بمطالب إطلاق سراح المعتقلين ورفع القيود عن الحريات والحقوق السياسية والإعلامية.
واعتبر الحزب أن الهجوم المركز على السلطة المستقلة للانتخابات من طرف المرشحين منذ إعلانها عن النتائج الأولية، هو محاولة لتبرئة النظام من الفشل في إقناع الجزائريين بالانخراط في مساراته السياسية والانتخابية، وأن الهيئة لم تكن مستقلة ولا قادرة على تنظيم الانتخابات منذ تأسيسها، إلا أنه لم يثر ضدها كل هذا السخط الجماعي الذي وصل إلى حد المطالبة بحلها.
وسرد حزب العمال نتائج الاستحقاقات الانتخابية المنظمة منذ عام 2019، حيث لم يشارك إلا 23 في المئة من الناخبين في الاستفتاء الدستوري للفاتح من نوفمبر 2020، ما يعادل 5 ملايين مصوت، من بينهم 3 ملايين وثلاثمئة ألف نعم ومليون وستمئة وستون ألف لا، و637 ألفا من الأوراق الملغاة. وذكر أن الانتخابات التشريعية شهدت نسبة مشاركة بلغت 23 في المئة أيضاً عام 2021 بـ5.6 مليون ناخب.
وخلص إلى أن نسبة المشاركة التي استقرت دائما في حدود 23 في المئة تعكس انعدام الثقة الهائل منذ سنة 2020، وقد أصبحت المعيار الذي يؤكد الفجوة العميقة بين التطلعات السياسية والاجتماعية للأغلبية والمؤسسات القائمة وسياساتها.
واستطرد “في الواقع، بعد هذا الإخفاق الذي يعكس تفاقم الأزمة السياسية، كنتاج لموجة صامتة ولكنها عاصفة، وبعد البيان الصحفي المشترك للمرشحين الثلاثة، كان من حقنا أن نتوقع قرارا جريئا في مستوى خطورة الوضع، أي قرار خلاص وطني، حيث كشفت العملية الانتخابية عن شرخ غير مسبوق، يغرق البلاد في حالة من الارتباك، ويحولها إلى فريسة سهلة للمفترسين الأجانب، المحرّضين على الحرب والفوضى”.