تحديات المياه على طاولة منتدى عربي في أبوظبي

تهيمن تحديات الفقر المائي والمشاكل المرتبطة بتغير المناخ، وتأثيراتها على تغطية الطلب الاستهلاكي للأفراد وقطاع الزراعة، على نقاشات مسؤولي الدول العربية خلال منتدى تحتضنه أبوظبي لبلورة الخطط الكفيلة بمواجهة هذه المشكلة الوجودية التي تعترض اقتصادات المنطقة.
أبوظبي – استقبل خبراء ومتابعون حملة الدول العربية، التي تقع على عاتقها مسؤولية وضع سياسات أكثر فاعلية لتفادي أزمة أكبر في قضية الإجهاد المائي خلال السنوات المقبلة، بالكثير من الاهتمام في طريق مكافحة تغير المناخ، وهو الأصعب منذ سنوات طويلة.
وتترافق هذه الانطباعات مع انعقاد النسخة السادسة من المنتدى العربي للمياه الذي تحتضنه إمارة أبوظبي، بينما تتزايد محن الاقتصاد العالمي مع اضطراب سلاسل التوريد وعودة التوترات، ما يشكل هاجسا أكبر قبل الخروج بحلول جماعية عملية.
ويعد المنتدى، الذي ينظم كل ثلاث سنوات بالتعاون مع جامعة الدول العربية ووزارة الموارد المائية في مصر، منصة فاعلة لتسهيل وتعزيز الحوار وتنسيق التعاون وبناء الشراكات الإستراتيجية، التي من شأنها أن تعالج التحديات الكبيرة في هذا المضمار.
ويُعقد الحدث الذي يستمر لمدة ثلاثة أيام بمشاركة 60 جهة عارضة عالمية بغية توحيد الجهود من خلال أكثر من 17 جلسة متنوعة، بهدف تحقيق أمن المياه واستكشاف فرص الابتكار والنمو الواعدة.
وقال رئيس المجلس العربي للمياه محمود أبوزيد في مستهل المنتدى إن “العصر الحالي يشهد تحديات كبيرة تتعلق بندرة المياه لذلك يسعى المنتدى العربي للمياه إلى تسليط الضوء على المساعي والجهود المبذولة لضمان وصول المياه بصورة مستدامة إلى الجميع”.
وشدد على أن هذه المعضلة تمتد آثارها السلبية لتشمل قطاعات الطاقة والغذاء والأمن الاجتماعي، لذلك يتم التركيز على كيفية إدارة الموارد العابرة للحدود، والاقتصاد المائي الدائري لتحقيق الأمن المناخي، والرابط بين المياه والطاقة والغذاء والنظم البيئية.
وصار الإجهاد المائي قضية إستراتيجية مع تواصل الجفاف الذي يضرب بلدان المنطقة خاصة مع صدور أرقام دولية رسمية مفزعة تعكس المخاطر القادمة جراء ذلك.
والإجهاد المائي مصطلح يستخدم للاستدلال على كمية المياه التي يمكن الحصول عليها من المصادر الجوفية والسطحية مقارنة بالكمية المتاحة.
وتعتبر المنطقة العربية من أكثر الأماكن في العالم عرضة لمشكلة ندرة المياه، وقد تجلى ذلك في انحباس الأمطار مع موجة جفاف منذ خمس سنوات هي الأقسى منذ عقود.
ومن اليمن إلى العراق وسوريا والأردن يصل مستوى الإجهاد المائي في الوقت الحالي إلى مستويات تبعث على القلق، وفق دراسات حديثة، كما تواجه دول شمال أفريقيا والدول المتوسطية الأخرى مثل لبنان وفلسطين المحتلة ضغوطا شديدة.
وتتفاقم المشكلة مع تركيز استغلال الموارد المائية في قطاع السياحة، لكن حتى القطاعات الأخرى، التي تعتمد على مورد المياه بشكل أساسي، كالزراعة، تحتاج إلى اعتماد إستراتيجيات جديدة.
127
مليار متر مكعب مقدار العجز المائي للمنطقة بحلول 2030، بحسب توقعات مركز إكساد
وبحسب المركز العربي لدراسة المناطق القاحلة والأراضي الجافة (أكساد)، فإن الموارد المائية المتوفرة في المنطقة تبلغ 260 مليار متر مكعب مقابل احتياجات أعلى بكثير.
وتتزايد احتياجات الدول العربية من المياه بفعل النمو الديمغرافي في منطقة تضم أكثر من 400 مليون نسمة، وأيضا مساعي زيادة الإنتاج الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي، حيث ستواجه بحلول عام 2030 فجوة مائية تقدر بحوالي 127 مليار متر مكعب.
وتظهر التقديرات أنه في العام الماضي بلغ متوسط حصة الفرد من المياه المتاحة في المنطقة العربية حوالي 550 مترا مكعبا.
وسبق أن نشرت الأمم المتحدة بيانات في تقرير بعنوان “متحدون في العلوم”، وهو مشروع مشترك بين 7 هيئات ومنظمات دولية تعنى بالمناخ أظهرت أن أكثر من 87 مليون شخص في المنطقة العربية يفتقرون إلى مياه الشرب في أماكن إقامتهم.
وقال المعتز عبادي، نائب الأمين العام لشؤون المياه والبيئة والاقتصاد الأزرق في منظمة الاتحاد من أجل المتوسط، إن “الترابط المتكامل بين المياه والطاقة والغذاء والنظم البيئية يشكل ركيزة أساسية لجهودنا”.
وتسعى المنظمة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والمحلي في سبيل معالجة التحديات التي تواجه هذه القطاعات الحيوية إلى جانب دعم الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية وتعزيز مرونة المجتمعات في حوض المتوسط والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وسيكون ذلك من خلال تبني نهج شامل ومشترك في وضع الخطط، وتشجيع إبرام الشراكات وإطلاق المشاريع الفعّالة والحوارات الرامية إلى وضع سياساتٍ هادفة.
والدول الأكثر عرضة لتغير المناخ والأقل استعدادا للتكيف هي أيضا تلك الدول التي تؤثر عليها الحروب. فدول مثل سوريا واليمن والعراق ولبنان والأردن إما متورطة في صراعاتها الخاصة أو متأثرة بالعنف الذي تشهده دول مجاورة لها.
ويعرض انعدام الأمن المائي للخطر تلك الدول المتأثرة بالحروب أكثر من غيرها، ولكن الأزمات يمكن أن تمتد عبر الحدود. ونتيجة لذلك، فإن الإخفاق في تحسين إدارة المياه والتكيف مع المناخ المتغير يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
ولطالما حذرت الهيئات والمنظمات الدولية المهتمة بعوامل المناخ من أن ندرة المياه في المنطقة ستكون مشكلة مزمنة وتولد مشاكل أمنية وسياسية للسيطرة على مواردها في حال لم تتمكن الحكومات من إيجاد حلول جذرية وعاجلة ومشتركة.
ومن المؤكد أن الحاجة الملحة التي تبرز في المنطقة هي إيجاد عزيمة أكبر لتنفيذ برامج طموحة تواجه بها الحكومات مشكلة ندرة المياه المتوقعة في الأعوام المقبلة رغم ما يمثله بناء محطات تحلية مياه البحر في المدن الساحلية من دور مهم لتحقيق الأمن المائي.
وعند القيام بتتبع مسار نقص المياه في السدود والأنهار، يلاحظ أن أكثر من عشر دول في المناطق القاحلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتبر أكثر دول العالم معاناة من الإجهاد المائي.
وتقر رولا خضرة، منسقة العلوم والمسؤولة الدولية في إدارة الموارد المائية وممثلة معهد باري الدولي للعلوم الزراعية في حوض المتوسط، بأهمية تمكين الشباب وتزويدهم بالمهارات والمعارف اللازمة لتطوير أفكار مبتكرة.
وقالت إن ذلك يعد “ركيزة أساسية لبناء مجتمعات مستدامة وقادرة على مواجهة التحديات المتعلقة بالأمن المائي والاستثمار في إبداعهم وطاقاتهم من أجل وضع سياسات نوعية تضمن مستقبلا واعدا للجميع”.