استقالات في صفوف أقدم صحيفة يهودية احتجاجا على مقالات ملفقة عن حرب غزة

الأخبار المضللة تنعكس على مصداقية منابر غربية.
الثلاثاء 2024/09/17
ضربة قاسية للصحيفة

أثارت صحيفة “جويش كرونيكل” ضجة واسعة واستياء من الكتاب العاملين فيها وحتى في إسرائيل بعد تبين نشرها قصصا غير مؤكدة عن الحرب الإسرائيلية على غزة لم تقم من التحقق بشكل حيادي عمّا جاء فيها، كما حدث مع صحف غربية أخرى باتت مصداقيها محل تشكيك.

لندن - استقال ثلاثة كتّاب أعمدة بارزين من صحيفة “ذي جويش كرونيكل” اليهودية العريقة، احتجاجا على نشر مقالات مزعومة ملفّقة حول العمليات الإسرائيلية في غزة، حذفتها الصحيفة لاحقا وفتحت تحقيقا بشأنها، في حادثة ليست الأولى من نوعها في الصحافة الغربية تناولت قصصا مشكوكا بصحتها حول الحرب التي دخلت شهرها الثاني عشر، ووضعت التغطية الصحفية لهذه الحرب وسط جدل متزايد.

وأعلن الكتّاب جوناثان فريدلاند وهادلي فريمان وديفيد آرونوفيتش أنهم لن يعودوا إلى كتابة المقالات في الصحيفة التي تتخذ من لندن مقراً لها، بسبب ما وصفه فريدلاند بأنه “وصمة عار كبيرة”، إذ يعتبر هؤلاء الكتاب أن الصحيفة لم تقم بواجبها في التحقق من الكاتب ومعلوماته قبل أن تسمح بنشرها.

جاء ذلك بعد أن قامت الصحيفة بحذف سلسلة من المقالات المتعلقة بالحرب على قطاع غزة بعد مزاعم بأن المواد المنشورة إنما هي من افتراء “صحفي مستقل”، لم يكتف بذلك، بل إنه قام أيضا بتحريف سيرته الذاتية. ويصف كاتب المقالات إيلون بيري نفسه في سيرة ذاتية على الإنترنت بأنه عمل محاضرًا وصحافيًا، بالإضافة إلى “ضابط كوماندوز في الجيش الإسرائيلي، وشارك في العديد من العمليات لملاحقة الإرهابيين في غزة والضفة الغربية ولبنان”.

"ذي جويش كرونيكل"حذفت سلسلة من المقالات المتعلقة بالحرب على غزة بعد كشفها أنها من افتراء "صحافي مستقل"

وأجرت الصحيفة تحقيقا بحق بيري الأسبوع الماضي، نشرت على إثره بيانا مساء الجمعة، قالت فيه إنها غير راضية عن تفسيرات قدّمها الصحافي بشأن مزاعمه في ما نُشر له من مقالات.

وجاء في البيان “لقد انتهت ذي جويش كرونيكل من إجراء تحقيق دقيق وشامل بحق الصحافي المستقل إيلون بيري، بدأ بعد مزاعم أثيرت حول جوانب من أرشيفه. بينما ندرك أنه خدم في قوات الدفاع الإسرائيلية، فإننا لم نكن راضين عن بعض من مزاعمه، ولذلك فإننا قمنا بحذف تقاريره من موقعنا وأنهينا أيّ ارتباط كان لنا بالسيد بيري”.

وأضاف البيان “تلتزم ‘ذي جويش كرونيكل’ بأعلى المعايير الصحفية في مشهد معلوماتي شديد التنافس. نعرب عن عميق أسفنا لسلسلة الأحداث التي أفضت بنا إلى هذه النقطة، ونعتذر إلى قرائنا الموالين لنا. ولقد قمنا بإجراء مراجعة بشأن الإجراءات المتبعة داخلياً لضمان عدم تكرار ذلك”.

وأعرب جوناثان فريدلاند – الذي وصف القصص بأنها ملفقة – إن الصحيفة لم تظهر سوى “أضعف شكل من أشكال الندم”. بينما ذكرت هادلي فريمان أن الأحداث الأخيرة جعلت من المستحيل عليها البقاء، أما آرونوفيتش فأكد أنه ترك الصحيفة أيضًا.

من جهته، علّق رئيس تحرير الصحيفة جيك واليس سيمونز الأحد، على هذه الاستقالات قائلا إنه يفهم “لماذا قرر بعض كتاب الأعمدة التراجع عن الصحيفة”. وكتب على حسابه في موقع إكس، “أنا ممتن لمساهماتهم وآمل أن يشعر بعضهم، بمرور الوقت، بالقدرة على العودة”.

وأضاف “أتحمل المسؤولية الكاملة عن الأخطاء التي ارتكبت، وسأتحمل نفس المسؤولية عن مهمة التأكد من عدم حدوث أيّ شيء مثل هذا مرة أخرى”. وتابع “إن أسوأ كابوس بالنسبة إلى كل رئيس تحرير صحيفة هو أن يخدعه صحافي” وأضاف “يمكن للقراء التأكد من أنه يتم تنفيذ إجراءات داخلية أقوى”.

يبدو أن ادعاءات المقال مشابهة لتصريحات بنيامين نتنياهو التي برر فيها وجود قوات الدفاع الإسرائيلية في ممر فيلادلفيا. لذلك تكهن البعض بأن نشر المعلومات الكاذبة تم كجزء من حملة تضليل

ولم يعترف كاتب المقالات التي تم إثبات عدم صحتها بأنها ملفقة بل قال في تصريحات لـ”بي.بي.سي نيوز” إن اللجنة المركزية “ارتكبت خطأ فادحا ببيانها”. وقال إنه لا يستطيع الكشف عن مصدره لمحرري الصحيفة ووصف ما يجري بأنه “مطاردة بسبب الغيرة”.

وكان المقال الأكثر إثارة للجدل هو مقال كتبه يزعم فيه أن وثيقة أظهرت أن زعيم حركة حماس يحيى السنوار كان يخطط لتهريب نفسه وبعض الرهائن الإسرائيليين الناجين من غزة إلى إيران، عبر ممر فيلادلفيا، على الحدود بين غزة ومصر.

ويبدو أن ادعاءات المقال مشابهة لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي برر فيها وجود قوات الدفاع الإسرائيلية في ممر فيلادلفيا. لذلك تكهن البعض بأن نشر المعلومات الكاذبة تم كجزء من حملة تضليل.

وتابعت وسائل الإعلام في إسرائيل القصة وشاركها فيما بعد ابن نتنياهو”، ليتم افتضاح أمرها والكشف أنها غير صحيحة، ووفقا لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، قال الجيش الإسرائيلي في وقت لاحق إنه ليس لديه علم بوجود مثل هذه الوثيقة.

وقال فريدلاند – الذي يكتب للصحيفة منذ عام 1998 – إن ارتباطه بالصحيفة “عميق للغاية”، وقد بدأ من والده الراحل الذي كتب لها أيضًا. وقال على موقع إكس “تفسر هذه الرابطة جزئيا سبب تمسكي بها حتى عندما ابتعدت عن التقاليد التي بنت سمعتها كأقدم صحيفة يهودية في العالم”. وتابع في الكثير من الأحيان، “يُنظر إليها على أنها أداة حزبية وأيديولوجية، وأحكامها سياسية وليست صحفية”.

كما حذر من عدم وجود “محاسبة حقيقية” لأن الصحيفة مملوكة “لشخص أو أشخاص يرفضون الكشف عن أنفسهم”. وأضاف بالقول إنه “قطع علاقته بالصحيفة لأنه لم يعد يتعرف عليها”.

وشارك آرونوفيتش منشوره، وكتب “لقد فعلت الشيء نفسه”. وفي الوقت نفسه، قالت هادلي فريمان إنها “ممتنة للغاية” لكل الدعم الذي حصلت عليه في الصحيفة، لكنها لم تعد قادرة على البقاء كاتبة عمود في ضوء التطورات الأخيرة.

وجاء الإعلان الأولي الذي نشرته صحيفة “ذي جويش كرونيكل” هذا الأسبوع عن فتح تحقيق مع بيري بعد أيام من إعلان الجيش الإسرائيلي عن إطلاق تحقيق داخلي بعد تسريب وثائق تم استردادها من غزة مؤخرا إلى الصحافة الأجنبية في محاولة على ما يبدو للتأثير على الرأي العام بشأن مفاوضات الرهائن.

موقع "إنترسبت الأميركي" يؤكد أن تغطية صحف "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"لوس أنجلس تايمز" للحرب الإسرائيلية على غزة كانت متحيزة بشكل ثابت ضد الفلسطينيين

وكان من بين الذين علقوا على حذف “ذي جويش كرونيكل” لمقالات بيري البعض ممّن كانوا يعيدون نشرها، بما في ذلك إيلون ليفي، المتحدث السابق باسم الحكومة الإسرائيلية، الذي اعتذر عن ترويجه للمقالات المضللة وإعادة نشرها بين أتباعه الذين يصل عددهم إلى ما يقرب من 200 ألف.

وقال ليفي في تغريدة له عبر منصة إكس “لقد حذفت ‘ذي جويش كرونيكل’ التقارير المخادعة التي كتبها الصحافي الحر إيلون بيري وأنهت عملها معه. وهذا بالضبط هو الأسلوب الذي ينبغي أن تتبعه وسائل الإعلام مع المراسلين الذين ينقلون عن مصادر مخادعة. أعتذر لكل من تم تضليله بسبب إعادة نشري لهذه التقارير”.

إلا أن البعض شكك في إمكانية أن يفضي حذف تقارير بيري إلى إنهاء المسألة، بمن في ذلك بن ريف من منصة “+972” إحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية المتخصصة في كشف الافتراءات.

فقد كتب بن ريف عبر منصة إكس يقول “لعلها بطردها إيلون بيري، تأمل ‘ذي جويش كرونيكل’ في وضع حد لهذه المشكلة، وكأنما قرار توظيف صحافي مزيف لم يكن قد اتخذ على أعلى المستويات، وكذلك قرار نشر تسع مقالات زائفة دون التحقق من المصادر، وقرار تحويل الصحيفة إلى ما يشبه الوكيل الفعال في حملة نتنياهو لتعزيز نفوذه”.

ولم تكن الصحيفة البريطانية الوحيدة التي سقطت في هذا الفخ فقد سبقتها صحف غربية عديدة أثارت الجدل بشأن القصص التي نشرتها حول الحرب من بينها “نيويورك تايمز”، فقد انتهى تحليل كمّي أجراه موقع “إنترسبت الأميركي” إلى أن تغطية الصحف الكبرى في الولايات المتحدة في الأسابيع الستة الأولى من الهجوم على غزة أظهرت تحيزا شديدا لصالح إسرائيل.

وقال الموقع إن تغطية صحف “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”لوس أنجلس تايمز” للحرب الإسرائيلية على غزة كانت متحيزة بشكل ثابت ضد الفلسطينيين.

وأوضح الموقع في تقرير له أن وسائل الإعلام المطبوعة، التي تلعب دورا مؤثرا في تشكيل الرأي العام الأميركي حول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، لم تول اهتماما كبيرا للتأثير غير المسبوق للحرب على قطاع غزة.

5