مصر وتركيا تتسابقان لفتح منفذ بجدار أزمة مصرف ليبيا المركزي

الخلاف الذي يعيق تصدير النفط من الدولة العضو في "أوبك" محك اختبار للصداقة "الجديدة" بين القاهرة وأنقرة.
الاثنين 2024/09/16
الملف الليبي يضع صمود التقارب قيد الاختبار

واشنطن – تسعى مصر وتركيا للضغط على الحكومتين المتنافستين في ليبيا للتوصل إلى اتفاق ينهي حصار تصدير النفط المدمر لاقتصاد البلاد، بعد أن دعمت كل منهما طرفا مختلفا في النزاع قبل خمس سنوات، وفق ما أوردته وكالة بلومبيرغ الأميركية نقلا عن مسؤولين ودبلوماسيين.

ونقلت بلومبيرغ عن مسؤولين ودبلوماسيين، يتابعون القضية وطلبوا عدم الكشف عن هويتهم لمناقشتهم أمورا حساسة، قولهم إن مصر وتركيا تسعيان إلى "استثمار زخم صداقتهما الجديدة لمحاولة حل الصراع على السلطة في ليبيا، العضو في (أوبك)، والذي يهدد بالتحول إلى حرب أهلية".

وذكرت الوكالة أن أولى ثمرات هذا التقارب، إجراء تركيا محادثات مع القائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، الحليف القديم لمصر والعدو اللدود لتركيا في حرب 2019-2020.

ولفتت إلى أن البرلمان في شرق ليبيا الذي يدعمه حفتر على خلاف شديد مع حكومة الوحدة الوطنية التي يديرها عبدالحميد الدبيبة، وانتقل خلاف الطرفين مؤخراً إلى النزاع حول إدارة المصرف المركزي الذي يتحكم فعليا بإيرادات ثروة البلاد النفطية الكبيرة.

وبينما تُعتبر مصر وتركيا جزءاً من القوى الأجنبية النافذة في ليبيا لا أكثر، إلا أن تأثيرهما المشترك خفّض بشكل كبير المخاوف من اندلاع حرب شاملة، حسبما أشار دبلوماسيون.

وتوافَق ثلاثة مسؤولين ليبيين على دراية بالقرارات السياسية على أن تحسن العلاقات سيقلل بدرجة كبيرة من احتمالات اندلاع نزاع آخر في المستقبل القريب. وفق بلومبيرغ.

رفضت وزارتا الدفاع والخارجية في تركيا طلب الوكالة للتعليق، فيما لم يتسنّ الوصول إلى وزارة الخارجية المصرية للحصول على تعليق.

والجهود المبذولة لمعالجة الانقسام في ليبيا تمثل إحدى النقاط المشتركة "حديثاً" بين تركيا ومصر، اللتين كانتا على خلاف كبير خلال معظم العقد الماضي بسبب دعم تركيا للجماعات الإسلامية السياسية. لكن مؤخراً تبنى الجانبان موقفاً مشتركاً ضد الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة، كما تبيّن لهما أن مصالحهما تتوافق بشأن الحرب الأهلية في السودان، والعلاقة المضطربة بشكل متزايد بين الصومال وجارتها إثيوبيا.

"التحديات التي تواجه منطقتنا والعالم اليوم تؤكد بشكل قاطع على ضرورة التنسيق الوثيق والتعاون"، كما صرح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في وقتٍ سابق من هذا الشهر في انقرة، خلال زيارته الأولى لنظيره التركي رجب طيب أردوغان منذ تولّيه عام 2014 قيادة أكبر اقتصاد في شمال أفريقيا.

ولم تؤتِ المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة بهدف حل الأزمة الليبية ثمارها بعد، بل تفاقمت الأمور منتصف أغسطس عندما أقال المجلس الرئاسي محافظ البنك المركزي الذي تولى المنصب لفترة طويلة، الصديق الكبير، المسؤول عن إدارة إيرادات ما يزيد عن مليون برميل من النفط الخام يومياً.

وردّت الحكومة المكلفة من مجلس النواب على الإقالة بتعليق إنتاج وتصدير النفط الليبي، مما أثر بشكل ملموس على الأسواق، إذ قلّص إمدادات الخام التي تذهب بشكل أساسي إلى جنوب أوروبا.

وفي تطور لاحق أعلن ممثلا مجلسي النواب والدولة الاتفاق على مواصلة وتوسيع مشاورات حل للأزمة المتعلقة بإدارة مصرف ليبيا المركزي، لكن هذا الاتفاق لم يتوصل إلى حل حاسم حتى اللحظة.

ومع استمرار الأزمة، قالت وكالة "بلومبرغ" إن معدل الصادرات الليبية من النفط تراجع إلى شحنة واحدة فقط تقريبا كل يومين أو ثلاثة أيام خلال الأسبوع الماضي، وذلك مقارنة بتصدير ناقلة كل يوم أو يومين في مطلع هذا الشهر.

وعلامات التقارب بين مصر وتركيا تظهر بوضوح على أرض ليبيا نفسها، فالمزيد من الشركات والعمال المصريين يعودون إلى طرابلس وأجزاء أخرى من غرب البلاد التي يسيطر عليها الحلفاء المحليون لأنقرة. وفي الوقت نفسه، تستعد الشركات التركية للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار في مناطق شرق ليبيا المتحالفة مع مصر، بما في ذلك محيط مدينة درنة حيث أدّت الفيضانات المدمرة العام الماضي لوفاة آلاف الأشخاص.

وهذا الواقع المستجد يختلف كثيرا عمّا كانت عليه الأمور عام 2019، عندما تقدم الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، المدعوم من مصر وروسيا، نحو طرابلس في محاولة للإطاحة بالحكومة المدعومة من تركيا. ويُقدّر أن أكثر من ألفي شخص، معظمهم من المقاتلين، قضوا نتيجة أشهر من القتال. وتوسطت الأمم المتحدة في التوصل إلى اتفاق سلام أواخر 2020، لكن محاولات إعادة توحيد البلاد تحت قيادة الدبيبة تعثرت والانتخابات الموعودة لم تجرِ.

عند الحدود الجنوبية لمصر، يُعتبر السودان، حيث اندلعت حرب أهلية منذ 17 شهرا، بلداً آخر قد تتلاقى فيها مصالح القاهرة وأنقرة، حيث استضافت كِلا العاصمتين عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، في زيارات رسمية منذ اندلاع النزاع. بينما لم ينل مثل هذا الاستقبال خصمه محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع التي تقاتل للسيطرة على ثالث أكبر دولة في أفريقيا.

أما في الصومال، فقام البلدان بتوسيع حضورهما العسكري، حيث لدى تركيا بالدولة الواقعة في القرن الأفريقي أكبر قاعدة عسكرية خارجية، وتتطلع لإقامة موقع لاختبار إطلاق الصواريخ الفضائية.

وبدورها، بدأت مصر تزويد جيش الصومالي بالأسلحة وتخطط لتدريب جنوده، بحسب تصريحات لوزير خارجية الصومال، وسط تزايد التوترات مع إثيوبيا المجاورة بسبب منطقة أرض الصومال الانفصالية. وتخوض القاهرة نزاعاً طويل الأمد مع أديس أبابا يتعلق ببناء سد ضخم على نهر النيل، تخشى مصر أن يؤثر على تدفق مياهه إلى أراضيها.

وبالنسبة لأردوغان، يُعتبر تحسين العلاقات مع مصر جزءا من خطة أوسع لإصلاح العلاقات مع القوى العربية وتعزيز اقتصاد بلاده عبر زيادة الاستثمارات والصادرات. وشهدت علاقات تركيا مع السعودية والإمارات تحسناً ملموساً في السنتين الأخيرتين.

ويرى مراد يشيل تاش، مدير السياسات الأمنية بمركز أبحاث سيتا في أنقرة، الذي يقدم المشورة لحكومة أردوغان، في مقال نُشر هذا الشهر، أن "الحرب الأهلية السودانية، والنزاع بين مصر وإثيوبيا، وزيادة خطر الصراع العسكري والسياسي بين الصومال وإثيوبيا، تمثل ديناميكيات هيكلية تؤثر بشكل استراتيجي على العلاقات بين تركيا ومصر"، معتبراً أن "التعاون بين أنقرة والقاهرة يبرز كضرورة استراتيجية".