إلياس خوري عاشق الثورة وأحلام المستضعفين يودع قراءه

بيروت - توفي الروائي والناقد والمفكر اللبناني إلياس خوري الأحد عن عمر 76 عاما بعد رحلة طويلة في عالم الأدب والفن.
ونعاه أدباء وكتاب وفنانون من مختلف الدول العربية من بينهم المؤرخ اللبناني فواز طرابلسي ورسام الكاريكاتير السوري سعد حاجو والشاعر المصري زين العابدين فؤاد.
وكتب الباحث والمترجم اللبناني سعود المولى على صفحته بفيسبوك “عشية ذكرى المجزرة في صبرا وشاتيلا يترجل فتى فلسطين ولبنان وسورية عاشق الثورة وأحلام المستضعفين… وقلبه وروحه ما بين غزة وجنين”.
ولد خوري في بيروت عام 1948 ودرس التاريخ في الجامعة اللبنانية كما حصل على الدكتوراة في التاريخ الاجتماعي من باريس.
أصدر روايته الأولى “لقاء الدائرة” عام 1975 وكتب سيناريو فيلم “الجبل الصغير” عام 1977 الذي تناول الحرب الأهلية في لبنان.
من أبرز مؤلفاته “رحلة غاندي الصغير” و”مملكة الغرباء” و”يالو” وكذلك رواية “باب الشمس” التي حولها المخرج المصري يسري نصرالله إلى فيلم سينمائي.
شارك في تحرير عدة مجلات وصحف بارزة من بينها “شؤون فلسطينية” و”الكرمل” و”السفير” كما شغل منصب المدير الفني لمسرح بيروت وكان مديرا مشاركا لمهرجان سبتمبر للفنون المعاصرة.
يقول الكاتب عبد الحاج “إلياس خوري مختلف وجديد في كل مرة، يلعب مع نفسه بالمتخيل والواقع ويمزج بينهما نصاً متراصاً كما جنود في معركة. انتصر ولم يدخل معركة. وفي كل مرة يرتب تجاربه الحسية المكتوبة وينتصر لنا ولنفسه وللرواية ويلفت انتباهنا إليه. إنه موجود حقاً بيننا وبين ما بعد الرواية التي تحيا كما يحب لها”.
لا يحب إلياس خوري أصحاب الرسالات في الأدب، ويعتقد أن أصحاب الرسالات هم أنبياء كَذَبَة، و”نحن لا حاجة لنا بأنبياء كذبة جدد يكفينا ما حصلنا عليه، وآخر نبي أو آخر شاعر نبي كان المتنبي وهو كما كتب عنه أبوالعلاء المعري (الشاعر بأل التعريف) وبعد المتنبي انتهت هذه الوجهة التي جعلت من الكتابة نبوة ومن النبوة وسيلة إلى الملك ومن الملك والنبوة أداتان للشعر”.
كثيرا ما تقاطعت أعمال خوري مع التاريخ وعلم الاجتماع، لكن الأستاذ السابق في جامعة كولومبيا والجامعة الأميركية في لبنان لا يرى أنه استفاد من التاريخ وعلم الاجتماع في كتابة الرواية، بل إن الرواية هي التي قادته إلى دراسة الفلسفة وعلم الاجتماع. كما أنه حين كان يشتغل على أطروحته انفجرت الحرب الأهلية اللبنانية، فوجد نفسه في مأزق وجودي، إذ في الوقت الذي يريد أن يبحث في التاريخ، وجد هذا التاريخ وهو ينفجر بين يديه. مفارقة لن يتخلص منها الكاتب إلا بالعودة إلى الرواية، “والعودة إلى ما كان يحلم به منذ صغره، وهو كتابة حياة على نسق ألف ليلة وليلة”.
الصحافة أفادته في مختبر كتابة الرواية، وخاصة كتابة الربورطاج، وهو ما يتيح للإنسان التعرف على قعر المجتمع؛ هذا ما يقر به خوري.
أما عن دور الكتابة في تغيير الواقع والتأثير فيه، فيرى خوري أن “الرواية ليست بديلا عن أي شيء، وليست ثورة. أهمية الكتابة أنها تغير الكتابة ولا تغيّر الواقع”. وهذه هي الكتابة الحقيقية والعميقة، حسب الكاتب اللبناني، أي تلك “المعنية بتغيير المنظور، والذي له تأثير على تغيير تصورات ونظرات الناس إلى ذلك الواقع”، ليبقى هدف الكتابة بلغة التوحيدي هو “الإمتاع والمؤانسة”.
من الحكايات الطريفة التي رواها خوري حكاية عشقه لبطلات رواياته، رغم أنهن متخيلات، وذلك كما يقول “إلى درجة أنني أغرمت مرة ببطلة إحدى رواياتي، حتى صارت مشكلة في البيت”.
كما يحكي أن هناك تجربة أخرى مثيرة في كتابة الرواية، وهو يؤكد أنه كلما انتهى من كتابة رواية ظل يعيش حالة إحباط، لأنه يحب أن تظل شخصيات الرواية معه، ولذلك يتردد في إرسال الرواية إلى المطبعة، وحين يبعثها إلى المطبعة يحس بأنه قد خان تلك الشخصيات.
ويقر خوري بأننا بصفتنا بشرا نقضي حياتنا في رواية قصص لبعضنا البعض، فالقصة في اعتقاده هي سرير ومكان يفتحان الرغبات والمشاعر والخيال والرغبة لذلك نحن نروي، ولذلك هدف الكتابة هو الكتابة والمتعة. ولا توجد كتابة خارج زمنها وسياقها التاريخي، ويضيف “يعني أنني لما كتبت رواية (باب الشمس) كنت فعلاً المخطط لكتابة رواية حب. والله لم يكن المخطط كتابة رواية نكبة، رواية عن رجل يعيش في مخيم شاتيلا وامرأته وحبيبته تعيش في الجليل – فلسطين، التي صارت (إسرائيل) بعد 1948، وكان عليه أن يخاطر بحياته في كل مرة يريد أن يلتقي بهذه المرأة ويمارس معها الحب، فكان ثمن الحب هو الموت هذه الفكرة العامة للرواية”.