البرلمان المصري يفتح باب الحوار لتعديل قانون الإجراءات الجنائية

القاهرة - استخدم مجلس النواب المصري خطابا مغايرا في الحديث عن مشروع قانون الإجراءات الجنائية، حيث استبدل التصعيد والتهديد بالتهدئة وفتح مجال للحوار والذهاب إلى إمكانية تعديل بعض المواد وصولا إلى حالة التوافق قبل إقراره بشكل نهائي، عقب تصاعد الرفض المجتمعي والسياسي لتمريره بصيغته الراهنة.
وقال البرلمان المصري في بيان مساء الخميس إنه يحرص على استيعاب الآراء المطروحة بشأن قانون الإجراءات الجنائية، إدراكا منه بأن المسائل التشريعية قد تحمل وجوها متعددة، قد تتماشى مع أحكام الدستور، ويعمل على المفاضلة بين البدائل المتاحة لاختيار الأفضل من بينها، بما يحقق المصلحة العامة، وأنه مازال يفتح أبوابه لمناقشة تعديلات يراها البعض ضرورية على مشروع القانون الجديد.
ويخالف هذا التوجه سياسة البرلمان السابقة بالموافقة على مواد القانون عبر اللجنة التشريعية دون استماع لأصوات نادت بضرورة إجراء نقاش موسع حوله قبل الذهاب لإقراره بشكل نهائي أمام جلسته العامة قريبا.
ويبرهن ذلك على الرغبة في عدم تفاقم المشكلة التي أخذت أبعادا سياسية أكثر من كونها قانونية عقب بيان التصعيد الذي أصدره البرلمان ضد نقيب الصحافيين.
واتهم البرلمان نقيب الصحافيين خالد البلشي بأنه قدم “ادعاءات مغرضة تهدف إلى إرباك الرأي العام وزعزعة الثقة في مؤسسات الدولة، دون أساس موضوعي، وذلك ردا على مؤتمر صحافي نظمته النقابة أعلنت فيه رفض القانون تزامنا مع الموافقة عليه من اللجنة التشريعية بمجلس النواب”.
ويكشف التراجع التكتيكي للبرلمان أن دوائر حكومية مصرية تسعى للتأكيد على مرونتها في التعامل مع القضايا التي تثير جدلا في الشارع، خاصة أنها تتعلق بالحريات العامة التي تدور حولها غالبية النقاشات السياسية وتشكل اهتماما رئيسيا للنخب والمثقفين والشخصيات العامة.
وجاءت الاعتراضات هذه المرة من نقابات مهنية عملت الحكومة على استيعابها وتحييدها عن الأدوار السياسية التي كانت تلعبها في السابق، وكانت بمثابة بوابة مهمة لنفاذ تيارات معارضة في القلب منها تنظيم الإخوان.
ويشير استبدال سياسة الصدام بأخرى تفتح الباب للاستجابة للمزيد من المطالب إلى أن أجهزة الدولة تدرك خطورة التصعيد وتحاول أن تقدم تنازلات دون أن تظهر في موقف ضعف، ويمكن ملاحظة ذلك في قرارات الإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي، إذ إنها تستجيب للضغوط، لكن في الوقت الذي تراه مناسبا وبما يحقق لديها أكثر من مكسب دون أن توظف المعارضة الأمر لصالحها.
وتسعى لتطويق آثار أي نتائج مترتبة على المشكلات الاقتصادية والمجتمعية، ويظهر ذلك من خلال قرارات تخفيف منظومة البكالوريا والتعامل مع أزمة الكهرباء، وهما من الأزمات التي حظيت باعتراضات شعبية واسعة.
وتؤكد سياسة الحكومة أن لديها قابلية لإمكانية الضغط عليها في بعض الملفات ولا تجد غضاضة في الذهاب لحلول تضمن لها تمرير أهدافها بصورة لا تشكل استفزازا للرأي العام، لكن في الوقت ذاته لا تتراجع بشكل نهائي عن رؤيتها وتبحث عن التركيز على نقاط التقاء تثبت بها أنها منفتحة على الآراء المختلفة.
وجاء التأكيد على فتح باب النقاش حول قانون الإجراءات الجنائية الجديد بلا تحديد لشكل الحوار المستقبلي بشأنه، وما إذا كان يمكن أن تمنح البرلمان المزيد من الوقت للتواصل مع فئات عدة أم أنها سوف تكتفي بالنقاشات الدائرة داخل الجلسة العامة، وهي سياسة تنتهجها بهدف امتصاص الغضب والتعامل وفق الظروف المتاحة التي تصب في صالح تمرير مواد القانون بفعل أغلبية البرلمان الموالية للحكومة.
توجه البرلمان يبرهن لى الرغبة في عدم تفاقم المشكلة التي أخذت أبعادا سياسية أكثر من كونها قانونية عقب بيان التصعيد الذي أصدره البرلمان ضد نقيب الصحافيين
وقال رئيس الحزب الاشتراكي المصري أحمد بهاءالدين شعبان إن التراجع جاء بسبب ردود الأفعال العنيفة ضد البرلمان، وجاءت من النقابات المهنية المؤثرة، على رأسها نقابتا المحامين والصحافيين، فضلا عن اعتراضات القضاة وشخصيات عامة وأحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني وحقوقيين فندوا ما جاء في القانون من مواد معيبة، وهي اعتراضات تمس حياة المواطنين العاديين ما جعل هناك ضرورة للتدخل لتصويب الوضع الخاطئ.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المواطنين سوف يصبحون بلا ظهير حال شعروا أنهم أمام محاكمات ليست عادلة، ما يشكل خطرا على تماسك المجتمع، كما أن الاستمرار في خطابات الصدام يقود إلى معارك عنيفة بين قطاعات مجتمعية مختلفة والحكومة، وكان ذلك سيقود إلى المزيد من التشكيك في نوايا القانون مع التعامل معه باعتباره يحد من قدرة المواطنين على الدفاع عن حقوقهم لصالح أجهزة الدولة إلى الحد الذي جعل البعض يطالب ببقاء القانون الحالي وعدم إقرار المسودة الجديدة.
وأشار إلى أن البرلمان غاب عنه الحس السياسي المطلوب في تمرير القانون دون الوصول إلى حالة الرفض الواسعة الذي تطاله حاليا، خاصة أنه أسرع في إقرار المواد دون التأني في النقاش حولها، كما أن الصدام بالرأي العام أمر غير مطلوب في ظل مشكلات الغلاء وأزمات الاقتصاد وصعوبات الحياة المعيشية، ما دفع جهات حكومية إلى التدخل من أجل تغيير موقفه، لكن تبقى المخاوف من أن تكون الاستجابة شكلية دون إدخال تعديلات جذرية على فلسفة القانون الجديد.
ويصعب تمرير قانون بأهمية الإجراءات الجنائية بما فيه من مواد يتخوف البعض من أن يتم توظيفها لصالح التضييق على الحريات بلا اعتراضات قوية، وأن أي قرارات حكومية تمس هموم المواطنين من السهل تشكيل رأي عام حولها يضغط بقوة للتراجع عنها، وهو أمر تضعه الحكومة في ذهنها، فتوالي الاعتراضات يزعجها.
وحاول البرلمان المصري تصويب الصورة الإجرائية التي سارت حولها نقاشات وضع مواد القانون، مشيرا إلى أنه استجاب لما تم تقديمه من الحوار الوطني من مقترحات بشأن مواد الحبس الاحتياطي، وأن خطواته السابقة لم تكن رغبة فردية من جانبه وأن القوى السياسية التي شاركت في وضع تصورات لتعديلات قوانين الحبس كانت حاضرة في مشهد التعديلات، في محاولة للتخفيف من حدة الانتقادات.
وشدد شعبان على أن تراجع البرلمان بالمعنى الواسع الذي يقود لتقديم قانون جديد بدلا من الذي جرى إقرار مسودته أخيرا أمر غير قائم، لكن ما سيحدث أنه سوف يرتكن إلى تراجعات تكتيكية لإرضاء قطاعات بعينها مثل المحامين أو الصحافيين أو القضاة، وهو مسألة إيجابية، لكن غير كافية للتعامل مع التخوفات المجتمعية الواسعة.
ودافع مجلس النواب عن القانون، معتبرا أنه خطوة مهمة في تحديث النظام القانوني، ويشمل مجموعة من الضمانات التي تعزز من حقوق الإنسان، منها تقليص مدة الحبس الاحتياطي، وتقييد سلطات مأموري الضبط القضائي في القبض والتفتيش، ووضع ضوابط لتعويض المتهمين عن الحبس الاحتياطي الخاطئ.