انتعاش تحويلات المغتربين المصريين يدعم إصلاحات الحكومة

ضرورة الحفاظ على استقرار سعر الصرف لمنع عودة السوق السوداء.
الجمعة 2024/09/13
حصيلة وافرة من التدفقات

تشهد تحويلات المغتربين المصريين تغييرات كبيرة بعد مضي الحكومة في برنامج الإصلاح بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، ما يعزز الثقة بالاقتصاد وينقله إلى آفاق أوسع عبر زيادة السيولة الدولارية وجذب الاستثمار الأجنبي، بما يلبي تطلعات تنويع مصادر الدخل ودعم مشاركة القطاع الخاص، واتخاذ خطوات تساعد على حماية الاقتصاد من بعض الاهتزازات.

القاهرة – نجحت السلطات المصرية أخيرا في استعادة وتيرة تدفق العملات الصعبة عبر منفذ العاملين في الخارج، بعد غلق باب السوق السوداء بإحكام شديد خلال الفترة الماضية، بحزمة واسعة من الإصلاحات.

ونمت تحويلات المغتربين بمعدل 87 في المئة خلال شهر يوليو الماضي، على أساس سنوي، لتصل إلى 3 مليارات دولار، وهو أعلى مستوى مُسجل خلال ذلك الشهر على الإطلاق.

وفي الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري زادت تلك التحويلات بمعدل 32 في المئة، لتبلغ نحو 15.5 مليار دولار، بحسب بيانات البنك المركزي.

سعيد يونس: تحويلات المصريين بالخارج مرشحة للصعود أكثر
سعيد يونس: تحويلات المصريين بالخارج مرشحة للصعود أكثر

ويمكن اعتبار النمو الذي حدث في شهر يوليو عودة ناجحة لتحويلات المغتربين إلى معدلاتها الطبيعية، التي تدهورت خلال العام الماضي، وحتى أوائل العام الجاري نتيجة تغول السوق الموازية للعملة، وتحول كافة المعاملات إليها.

وتدور المعدلات الطبيعية لتحويلات المغتربين في نطاق بين نحو 30 و35 مليار دولار سنويا، وهو ما يمكن الحفاظ عليه حال سريان نفس التحويلات المسجلة خلال يوليو في الأشهر المقبلة.

ويكمن السبب وراء الانتعاش، وفق المحللين، في إجراءات الإصلاح التي سلكتها مصر خلال مارس الماضي بتحرير سعر صرف الجنيه وتحوله إلى آلية السعر المرن.

وأدى ذلك إلى عدم وجود جدوى من الانجرار نحو السوق السوداء لتوقف المضاربات لتوحيد سعر الصرف، ومن ثم ارتفعت التحويلات إلى الأرقام الحالية.

ويراهن المغتربون على قيمة سعر عملة بلد المهجر ومقارنتها بالجنيه، خاصة أن دخلهم في الخارج ثابت إلى حد كبير، بينما هو متغير تماما عند التحويل إلى العملة المصرية.

وهذا يتضح بالمقارنة مع سعر العملة في البنوك المصرية خلال شهر يناير الماضي، مثلا، وسعرها بعد قرارات شهر مارس أو الآن، وتمثل ارتفاعا بنحو 60 في المئة لمن كان يحتفظ بالدولار على سبيل المثال.

وتضفي زيادة التحويلات صفة الثقة على الاقتصاد المصري، وتعزز من توفير العملة الأجنبية، وهو مؤشر مهم للغاية يمنح السلطات الثقة في التشغيل والتصدير، فضلا عن القدرة على الترويج لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وتظهر الثقة من جانب المغتربين من خلال شرائهم العقارات أو الأراضي سواء الزراعية أو في المدن الجديدة، لكن القليل من يفكر في طرق أبواب الاستثمار المباشر بتأسيس مشاريع أو مصنع جديد.

15.5

مليار دولار التحويلات في أول 7 أشهر من 2024، ثلاثة مليارات كانت في يوليو لوحده

وتتجلى الثقة أيضا في الاطمئنان عند تحويل الأموال بالبنوك المصرية، لأن المواطنين يضمنون إمكانية الحصول عليها بالدولار أو بالجنيه بدلا من بعض المشكلات في السابق وقبل تحرير سعر الصرف.

وأكد خبير الاستثمار المصري سعيد يونس أن زيادة التحويلات المالية تدعم الاحتياطي النقدي في البنك المركزي، وتمنحه ثقة كبيرة ومتبادلة بين الاقتصاد والمغتربين.

وقال لـ”العرب” إن “تحول صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك بالموجب، يمنح أيضا دفعة قوية لسوق الصرف، وأن البلاد لديها وفرة دولارية، ما يبرهن على عدم تكرار الأزمات الماضية أو وقوع شح بالعملة الأجنبية، ومن ثم استمرار زيادة تدفق تحويلات المغتربين”.

ومن شأن ذلك غلق الأبواب في وجه المضاربين وتجار العملة، الذين يبحثون عن مصالحهم والتربح بأي شكل غير شرعي بلا اعتبار للأضرار التي تقع على الاقتصاد، الذي يحاول التعافي في خضم أزمات إقليمية وعالمية.

وتابع يونس في تصريحاته “تشير الارتفاعات الحالية إلى أنه من المتوقع أن تحافظ قيم التحويلات عليها والبقاء عند المستويات ذاتها، ويمكن أن تكون مرشحة للارتفاع”.

ومن المهم توخي الحذر من المخاطر التي يمكن أن تؤدي إلى تراجع التحويلات، ويأتي على رأسها تذبذب سعر الصرف خاصة بمعدلات كبيرة، لأن التذبذب العنيف يفتح نافذة جديدة تُطل منها السوق السوداء مجددا.

ويرى محللون أن المركزي يظل محافظا على سعر الدولار في البنوك عند 48 جنيها لمنع احتمالات أي ظهور للسوق الموازية وضمان بقاء الأموال الساخنة أيضا داخل الأسواق والتي قد تستقر لفترة أطول مع قرب الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

نادي عزام: الخطوة الحالية ناشئة عن ثقة المغتربين بالاقتصاد
نادي عزام: الخطوة الحالية ناشئة عن ثقة المغتربين بالاقتصاد

وينبغي أن تسعى السلطات لجذب الاستثمار المباشرة بشكل دائم، كي تتخلص من هاجس شُح الدولار في أي لحظة، وهي تدعم ذلك التحرك بالسير في برنامج الإصلاح مع صندوق النقد، رغم فاتورته القاسية.

ويعتقد الخبير نادي عزام أن زيادة التحويلات حاليا ناجمة عن الثقة الكبيرة في الاقتصاد، لأنهم قبل التعويم كانوا يحتفظون بالدولار في حساباتهم بالبنوك الخارجية، لكن الوضع يختلف حاليا بعد استقرار الأسواق.

ويكسب الاقتصاد المصري ثقة كبيرة رغم التوترات المحيطة به، حيث لم تتورط في حروب رغم التصريحات الاستفزازية المتكررة من جانب إسرائيل، وهي رسالة طمأنة للأوضاع المالية في البلاد.

وقال عزام لـ”العرب” إن “اتباع سياسة مرونة سعر الصرف تمنع ظهور السوق السوداء وتحفز العديد من المهاجرين على تحويل أموالهم بالقنوات الشرعية”.

وأشار إلى أن حل أزمة تكدس البضائع في الموانئ وتشغيل المصانع بما يسمح بزيادة الإنتاج والصادرات، فضلا عن مساعي جذب الاستثمارات الأجنبية، تقلل المخاطر المستقبلية بشأن تقلبات سعر العملة.

واتخذت البنوك الحكومية الكبرى خطوة جديدة تعزز من ثقة المغتربين، حيث قرر بنكا الأهلي ومصر منذ أيام زيادة حدود استخدام البطاقات الائتمانية بالعملة الأجنبية للإنفاق خارج مصر ليصل حد الشراء الشهري إلى نحو 6200 دولار.

وإلى جانب ذلك، سمحت البنوك المصرية بزيادة قيمة الأموال المتاح بيعها نقدا بالنسبة للمسافرين إلى الخارج لتصل إلى حوالي 5 آلاف دولار.

ومن شأن هذه القرارات أن تضاعف من ثقة المتعاملين في القطاع المصرفي، كما تسهم في زيادة عددهم الفترة المقبلة، وتؤكد كذلك تحسن الوضع المالي بالسوق المحلية وتدعم زيادة الإنفاق الاستهلاكي.

وتؤكد تلك الخطوة كذلك توافر النقد الأجنبي لدى البنوك بكميات كبيرة، نتيجة زيادة تدفقات العملة الصعبة الأشهر الماضية، ما يدعم من ثقة المستثمرين في الاقتصاد.

11