جزء هام من الميزانية المخصصة للدراسة في تونس تستحوذ عليه لمجة الأطفال

توفير لمجة صحية للأبناء هاجس كل أسرة مهما كانت وضعيتها المادية.
الخميس 2024/09/12
اللمجة الصحية تحتوي على المكسرات

يؤكد خبراء التغذية على ضرورة أن تكون لمجة الأطفال صحية، وهو ما تأخذه الأمهات بعين الاعتبار فينوعن من اللمجة ويحرصن على أن تكون صحية قدر المستطاع وعلى أن يشارك الأطفال في إعدادها حتى لا يرفضوها. وتبذل الأسر التونسية قصارى جهدها من أجل توفير اللمجة لأبنائها، وأمام غلاء أسعار اللمج الجاهزة تكتفي العديد من الأسر باللمج المنزلية والتي تكون في الغالب صحية.

تونس - لم تعد تفصل التونسيين عن العودة المدرسية سوى أيام معدودات. ومثلما تخصص الأسر ميزانيات محددة للكتب والكراسات والأدوات المدرسية فهي توفر أيضا قسطا من المال من أجل الأكلات الخفيفة التي يحملها الطلاب معهم إلى المدرسة أو الحضانة وهو ما يعرف باللمجة. وتحرص الأسر التونسية على أن تكون لمجة أطفالها صحية، وتأخذ اللمجة حيزا هاما من ميزانية الأسرة كما من وقت الأمهات اللاتي يفضلن أن تكون اللمجة “مجهزة في المنزل على أن تكون مكونة من مواد مصنعة وتحتوي على إضافات”.

وتقول درة بن محمود ثلاثينية وأم لطفلة تدرس بروضة الأطفال بجهة المروج الرابع “أحرص على تجهيز اللمجة في البيت كي أتأكد من خلوّها من الملونات والمواد الحافظة، وأحرص على ألا تتذوّق ابنتي أبدا العصائر المعلّبة واللّمج الجاهزة”.

وتضيف أنّ “فارينة القمح والشوفان والأرز والذرة مع السكّر البني، منتجات ذات كلفة عالية، خاصة إذا ما أضفنا إليها السمسم وحبوب الكتان واللوز والبندق للزينة، فضلا عن القوالب التي تجعل اللمجة تتخذ أشكالا جميلة، وإلا فلن يرضى بها الطفل”، مشددة في هذا الإطار على ضرورة أن يشارك الطفل في إعداد اللمجة المنزلية كي يحبها ويقبل على أكلها، بالإضافة إلى إمكانية اصطحابه لشراء زينتها.

وينصح المختصون في التغذية أولياء الأمور بتوفير أغذية صحية ومتوازنة ومحتوية على جميع العناصر الغذائية، لأطفالهم المتمدرسين، لغرض إمداد أجسامهم بما يحتاجون من طاقة للدراسة، وممارسة نشاطاتهم المختلفة.

ويرى الخبير في الجودة والنوعية فتح الله وليد أن الطلاب يقضون أكثر من ثلث يومهم في المدرسة أو الروضة، ولذلك يجب أن يحصلوا على الدعم الغذائي الصحي عن طريق توفير لمجة تساعد في ذلك، مشددا على ضرورة قيام الوالدين بدورهم في هذا الشأن من خلال توفير وإعداد لمجة صحية في المنزل، لتدعم الاحتياجات اليومية للمتمدرسين.

وبحسب وليد، فإن تناول اللمجة يكون في الفترة الصباحية بين وجبة الفطور والغداء، ناصحا الأمهات بأن تكون وجبة “بسيطة وسهلة التناول”، تضم واحدا أو أكثر من المكونات التالية: الفواكه الطازجة، بعض أنواع المكسرات، العصير الطبيعي والمخبوزات، منتجات الألبان مثل الزبادي والحليب والجبن، الخضراوات النيئة والمطبوخة، أرز، معكرونة، التين المجفف أو التمر، كما ينصح بإضافة بعض مصادر البروتين كالبيض.

◙ الأطفال في حاجة إلى غذاء يوفر لهم الطاقة
◙ الأطفال في حاجة إلى غذاء يوفر لهم الطاقة 

ونصح الخبير الأمهات بإضافة بعض العناصر المحببة لأطفالهم، كبديل للأطعمة والحلويات غير الصحية، كقطع الكيك المعدة في المنزل، وتحضير الساندويتشات المدرسية في المنزل باستعمال الخبز المصنع من الحبوب الكاملة، مع الجبن بأنواعه ونكهاته المختلفة، ومن الممكن أيضا استعمال بعض الخيارات الأخرى، كالمربى المعد في المنزل أو الزبدة. وقال وليد إن وجبة المدرسة ليس من الضروري أن تكون مجرد ساندويتش بارد، “فالأطعمة الساخنة تصلح في الأيام الباردة، ونصح الأمهات بتجهيز بعض الحساء أو الخضار المطهوة ووضعها في وعاء حافظ للحرارة ليتمكن الطالب من اصطحابه إلى المدرسة”.

كما نصح الخبير الأمهات بجعل أطفالهم يشاركون في اختيار وجبتهم، وذلك بعرض بعض الخيارات من الأطعمة الصحية عليهم، وعندما يختارون إحداها، سوف يشعرون بمشاركتهم في الاختيار، وبالتالي سوف يتحفزون لتناول وجبتهم. مع الحرص على اختيار علبة الطعام المناسبة، ذات حجم مناسب وسهلة الإغلاق، لا تسمح بتسرب السوائل بها، خفيفة الوزن وسهلة التنظيف.

بدورها أكدت ممرضة بقسم الأطفال بأحد المستشفيات الخاصة، أن مفهوم اللمجة الصحية يختلف من شخص إلى آخر، مشدّدة على أنّ "الكعك المنزلي المصنوع بالفارينة والسكر أو ‘الكريب’ بالفارينة والشكلاطة وحتى الياغورت (الزبادي) الذي يحتوي على مواد حافظة وسكر أكلات غير صحية بالنسبة إليها، عكس الكثير من الأمهات اللواتي يعتبرن أنّ كلّ ما يُصنع في المنزل صحيّ حتى مع احتوائه على السكّر والفارينة".

وشرحت أن "اللمجة الصحية الصحيحة المصنوعة منزليا هي التي تكون خالية من الفارينة البيضاء التي هي في الأصل سميد منزوع من نخالته ويُضاف إليه السكر الأبيض والمواد الحافظة المسرطنة لإكسابها اللون الأبيض، ينبغي تعويضها بفارينة القمح والشعير والشوفان وغيرها من أنواع الفارينات الصحية المرحية، كما يجب أن تكون هذه اللمجة الصحية المنزلية خالية من السكّر الأبيض وتعويضه بسكر التمر، أو التمر المرحي".

ودعت إلى تجنّب "الياغورت" (الزبادي)، أو تقديمه طبيعيا بلا سكّر، مع تخليطه بأيّ تحلية طبيعية ممكنة كالعسل، بالإضافة إلى تجنّب الخبز الأبيض والجبن المثلث الذي يحتوي على زيوت مهدرجة وزيت النخيل.

ويعد الحديث عن اللمجة موضوعا أساسيا مع انطلاق السنة الدراسية، ومع كلّ القضايا الحارقة التي تطرحها العودة المدرسية. ولئن تختلف التجارب بين من يخيّر صنعها منزليا، ومن يستسهل شراءها وفق رغبة الطفل، فإنّ سعي أولياء الأمور إلى توفير لمجة صحية لأبنائهم، يكاد يكون هاجسهم الأوّل بعد تحقيق نتائج مدرسية طيّبة، ومهما كانت ظروفهم المادية ووضعيتهم الاجتماعية.

وتقول نزيهة الغانمي، أم لطفلين، "إن غلاء الأسعار لم يمنعها من إعداد لمجة صحية لابنها الذي يدرس بالسنة الثانية من التعليم الابتدائي"، مشيرة إلى أنها تستمع دائما إلى نصائح الأطباء وخبراء التغذية وتأخذ بتلك النصائح من أجل أن يستفيد ابنها مما يأكله. وتشير الأم العاملة بالقطاع الفلاحي إلى أنها تضمّن لمجة ابنها القليل من العسل عوض السكر وبعضا من الفواكه عوض العصائر المعلبة وهي تسعى إلى أن لا ينقص ابنها شيء مثل زملائه من الطبقات المرفهة.

◙ اللمجة الصحية يجب أن تحتوي على عناصر معينة، وهي مواد الطاقة مثل الخبز أو الغلال أو بعض الفواكه الجافة

وتدخر الغانمي مما تجنيه من عملها البسيط على امتداد فصل الصيف بعض الدراهم لتوفير مستلزمات الدراسة من كتب وكراسات ولمج، وهو حال العديد من الأمهات ذوات الدخل المتواضع. ويخصص ديوان الخدمات المدرسيّة التابع لوزارة التربية اعتمادات لفائدة الأكلة المدرسية في العديد من المدارس الريفية، وقد تمت مضاعفة المبلغ المتاح للأكلة اليومية لكل تلميذ يوميا إلى 1600 ملم سنة 2019 مقابل 800 ملم في السنة المدرسية التي سبقتها.

وشددت الأخصائية في التغذية الدكتورة مريم التوكابري على أنّ اللمجة الصحية يجب أن تحتوي على عناصر معينة، وهي مواد الطاقة مثل الخبز أو الغلال أو بعض الفواكه الجافة، مع محاولة تطعيمها ببعض الأطعمة التي تحتوي على بروتينات مثل الجبن (الريقوتة على سبيل المثال، مع الابتعاد عن أنواع الجبن المالحة)، أو الحليب (يمكن خلطه مع أحد أنواع الغلال) بالإضافة إلى مصدر للألياف مثل الغلال، وخلُصت إلى أنّ اللمجة يجب أن تكون عبارة عن وجبة كاملة، وفقها.

وأشارت التوكابري إلى أنّ الطفل الذي يتناول فطور صباحه كاملا لا يحتاج إلى لمجة في الوقت الصباحي، وإنما يحتاجها فقط الأطفال الذين لا يقدرون على تناول فطور الصباح، مبيّنة أنّ المنظمة العالمية للصحة أقرّت أنّ اللمجة الصباحية غير ضرورية للطفل إذا كان قد تناول فطور صباحه كاملا، لكن اللمجة المسائية بين الرابعة والسادسة مساء ضرورية باعتبار أنّ أخصائيي التغذية ينصحون بأن يتناول الطفل 3 وجبات مع اللمجة لنبلغ في المحصلة، وجبة غذائية كل 4 ساعات تقريبا، وفق تأكيدها.

أما بالنسبة إلى اللمجات المنزلية فقد صرّحت الطبيبة بأنها قد تكون فعلا غير صحية، خاصة تلك التي تحتوي في تحضيرها على المستحضرات الغذائية، أو الكميات الكبيرة من الزبدة والمربى، أو المرطبات المنزلية التي تكون سريعة التحضير ويُضاف إليها بعض البيض فقط، فهذه المواد نجد فيها كميات كبيرة من المضافات الغذائية والمنكهات والمواد الحافظة والسكريات.

وحذّرت المختصة في التغذية من تناول الطفل لمثل هذه المواد، لأنه يكون عرضة لزيادة الوزن، وقد يزيد في غضون عام واحد 3 أو 4 كلغ من الدهون بعيدا عن نموّه الطبيعي، وقالت “نخشى أنّ الطفل حين يعتاد على مثل هذه الأصناف من الأطعمة، قد ينفر من الوجبات الصحية ولا يقبل عليها لاعتياده على تلك الكميات الكبيرة من السكّر، وبالتالي سيجد والداه صعوبة في إقناعه بتناول الخضار أو اللحوم". لكنّ الخطر الثالث على المستوى البعيد، يتمثّل في الأمراض الخبيثة، وفقها، مشدّدة على ضرورة الابتعاد عن المواد الحافظة قدر الإمكان بالنسبة للأطفال.

15