طفرة أرباح كبار تجار النفط تتلاشى مع تراجع التقلبات

تواجه أكبر الشركات العالمية لتجارة السلع ظروفا صعبة وسط بيئة تزداد صعوبة في أسواق النفط، بعدما فقدت الأحداث الكبيرة التي دعمت التداولات خلال السنوات القليلة الماضية تأثيرها، وهو ما انعكس بشكل خاص على نتائج أعمال عمالقة تجارة الخام.
نيويورك – يشعر العديد من تجار النفط بالتباطؤ، بدءا من شركتي غلينكور وغانوفر اللتين انخفضت أرباحهما إلى بيير أندوراند رئيس صندوق التحوط أندور آند كابيتال، الذي تخلى عن تداولات الخام لصالح الاستثمار في النحاس والكاكاو.
ورغم أن عمالقة هذه الصناعة لا يزالون يجنون أرباحا، إلا أنها لم تعد ضخمة الآن مثلما كان الحال منذ العام 2020، حينما انخفضت أسعار النفط لوقت وجيز إلى ما دون الصفر.
وأدت الأزمة الصحية العالمية إلى تدمير الطلب في وقت كانت فيه منظمة أوبك التي تقودها السعودية تحافظ على مستويات مرتفعة من الإمدادات.
وبعد أقل قليلا من عامين، اندلعت حرب بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما جلب مكاسب وفيرة، حيث قفزت العقود المستقبلية وانتعشت فروق أسعار الوقود، لكن حاليا تنخفض التقلبات السعرية التي تمثل شريان الحياة لتجارة الخام بعدما امتصت السوق أثر هذه الأحداث.
ويرى كيرت تشابمان، الرئيس السابق لتداولات النفط الخام في ميركوريا إنيرجي غروب، والذي يرأس حاليا قسم النفط في ليفميت يو.كي، أن الأسواق على مدى السنوات القليلة الماضية كانت تتحرك في اتجاه واحد.
ونسبت وكالة بلومبيرغ إلى تشابمان قوله “لقد كانت (الأسواق) أحادية الاتجاه، سواء كانت هبوطية بشكل كبير بسبب كوفيد، حيث كان يمكن لمتداولي الخام الفعلي تخزين البراميل، أو تتحرك في الاتجاه الآخر مع أزمة أوكرانيا”. لكنه أشار إلى أن هذا العام يشكل تحدياً لأنه لم تكن هناك فرص تداول فعلية واضحة.
وحتى الآن كانت التقلبات السعرية أكثر هدوءا بشكل ملحوظ مقارنة بالأعوام الماضية، رغم هبوط سعر الخام مؤخرا نحو 70 دولارا للبرميل.
وتتجه العقود المستقبلية لخام برنت حاليا نحو تسجيل أضيق نطاق سعري سنوي منذ 2004، في حين لامس مؤشر يقيس تقلبات السوق أدنى مستوياته منذ نحو عشر سنوات في وقت سابق هذا العام.
ويعزز هذا الوضع الرغبة في الابتعاد عن تكوين مراهنات كبيرة في سوق المشتقات، لكن في المقابل توظف شركات تجارة النفط المزيد من الأشخاص الذين يتخصصون في كسب أعمال جديدة. كما تبذل جهوداً جديدة للاستحواذ على أصول مثل المصافي والناقلات التي يمكن أن تمنح التجار تفوقاً.
ومع توافد تجار النفط إلى سنغافورة هذا الأسبوع لإبرام صفقات خلال أحد أهم الأسابيع في رزنامة الصناعة، تمثل بيئة التجارة الصعبة موضوعا مهما للنقاش، أما الموضوع الآخر فهو التغير في تدفقات النفط حول العالم نتيجة الصراعات العالمية.
وأدت العقوبات التي فرضتها مجموعة الدول الصناعية السبع على روسيا، كرد فعل على الحرب، إلى تقليص كميات البراميل التي كان التجار الكبار مستعدين لشرائها وبيعها في السابق.
ومع ذلك، فإن نفس هذه الكميات التي كانت في السابق تذهب إلى مصافي أوروبا، لا تزال تجد طريقها إلى الزبائن في آسيا، غالباً بأسعار منخفضة يتعين على التجار التنافس عليها.
وتضطر أيضاً شركات التجارة إلى التنافس مع منافسين متمرسين بشكل متزايد، فقد شهدت الصين زيادة في ما يعرف بـ”الإمدادات محددة الأجل” من السعودية وشركات مثل رونغشينغ للبتروكيماويات، التي استحوذت السعودية مؤخراً على حصة فيها.
كما استحوذت السعودية عبر شركتها النفطية أرامكو على حصص في أصول تكرير صينية، ما يمنحها موطئ قدم في مركز رئيسي للطلب.
وقال رولاند ريشتشاينر، الذي يرأس قسم تداول السلع الأساسية والمخاطر في شركة ماكينزي آند كومباني، إن “الكثير من الشركات التي تعتمد تاريخياً على تجار لتوريد أو تسويق نفطها توسع أعمالها تجاريا”.
وأوضح أنه رغم أن هذا يضيف سيولة والمزيد من الأطراف المقابلة، فإنه بكل تأكيد يجعل قدرة التجار على الوصول إلى تدفقات جديدة أكثر صعوبة.
وفعليا يمكن الاستدلال على بيئة السوق الصعبة من الأرباح المعلنة، فمثلا سجل قسم الطاقة في غلينكو أقل أرباح نصف سنوية منذ 2018 بسبب انخفاض هوامش تجارة النفط والفحم.
وبالتزامن مع ذلك كان قسم الشحن والنقل لشركة غانوفر، التي يرأسها توربيون تورنكويست، أكبر مساهم في الأرباح. وقال رئيسها خلال مقابلة مع بلومبيرغ في سنغافورة لمناقشة سوق النفط الأوسع “إنها بيئة صعبة بعض الشيء”.
وتنوع الشركة معاملاتها في محاولة للتكيف مع هذه البيئة الصعبة. كما تظهر أحدث النتائج المالية لغانوفر أنها زادت أحجام تجارتها من الخام والمنتجات البترولية إلى مستويات قياسية في النصف الأول من العام الجاري.
وقد شهدت وحدة سويسرية لتجارة النفط تابعة لفريبوينت كوموديتس “تراجعات كبيرة في وقت سابق هذا العام”، وفقاً لشخص على دراية بالأمر. ورفضت الشركة الإدلاء بتعليق.
أما ترافيغوار، وهي مجموعة تجارية رئيسية أخرى، فانخفضت أرباحها 73 في المئة خلال الأشهر الستة الممتدة حتى مارس الماضي، إلا أنها لم تقدم تفاصيل عن كيفية أداء نشاطها النفطي.
وقال بن لوكوك، رئيس قسم تداول النفط في الشركة، إن غياب اتجاه عام للسوق وتحرك الخام في نطاق ضيق يعنيان أنه لم يكن “من السهل بشكل خاص التداول”.
ولم تعلن فيتول غروب، أكبر شركة مستقلة عاملة في تجارة النفط، عن أرباح نصف سنوية، لكن رئيسها التنفيذي راسل هاردي قال على هامش مؤتمر سنغافورة إن “التقلبات السعرية تضاءلت مؤخرا”.
وأضاف “التقلبات السعرية اقتربت كثيراً من المستوى المتوسط. والفرص المتاحة داخل الشركات التجارية تحاول التأقلم إلى حد ما مع ذلك الوضع”.