المرض قد يعادل حكما بالإعدام في غزة

بيروت – ينتظر مرضى السرطان الموت، وعاد شلل الأطفال، ومات العديد من الأطباء والممرضات بينما تحولت المستشفيات التي كانوا يعملون فيها إلى أنقاض، ما يجعل المرض بمثابة حكم بالإعدام في غزة.
ويقول الأطباء والعاملون في مجال الصحة إنه حتى لو توقفت الحرب بين إسرائيل وحماس غدا، فإن إعادة بناء قطاع الرعاية الصحية سيستغرق سنوات. وستستمر الوفيات لأن المرضى لا يتلقون علاج الأمراض التي يمكن الوقاية منها في الوقت المناسب.
وقالت ريهام جعفري، منسقة المناصرة والاتصال في منظمة أكشن إيد فلسطين الحقوقية، إن “الناس يموتون يوميا لأنهم لا يستطيعون الحصول على العلاج الأساسي الذي يحتاجونه”. وأكدت لمؤسسة تومسون رويترز أن مرضى السرطان “ينتظرون دورهم للموت”.
490
عدد القتلى من العاملين في مجال الرعاية الصحية منذ نشوب الحرب في قطاع غزة
واتفقت إسرائيل وحماس خلال الأسبوع الماضي على فترات توقف محدودة في القتال للسماح بتطعيم الأطفال ضد شلل الأطفال، بعد اكتشاف إصابة طفل يبلغ من العمر عاما واحدا بالشلل الجزئي بسبب المرض. وكانت هذه أول حالة في القطاع منذ 25 سنة.
ولكن حتى مع تجمع الغزيين في مدينتي رفح وخان يونس الجنوبيتين للحصول على التطعيمات في 5 سبتمبر، استمرت القنابل في استهداف مناطق أخرى. وقال مسؤولو الصحة في غزة إن غارة إسرائيلية قتلت خمسة أشخاص في مستشفى الأقصى في دير البلح.
وقال محمد أغا الكردي، مسؤول برنامج جمعية العون الطبي للفلسطينيين، “سيستغرق الأمر وقتا طويلا والكثير من الجهد لاستعادة مستوى الرعاية التي اعتدنا عليها في غزة”.
وقال إنه يرى كل يوم حوالي 180 طفلا يعانون من أمراض جلدية لا يستطيعون علاجها. وأكد تدهور الرعاية الصحية “بسبب توقف حملة التطعيم ونقص الإمدادات ونقص مواد النظافة والوقاية من العدوى”.
ويموت الغزيون أيضا نتيجة الأمراض التي يمكن علاجها في الظروف العادية. ومع عودة ظهور شلل الأطفال، يقول خبراء الصحة إن الأطفال سيتحملون عبء هذه العواقب طويلة الأجل. وقال أغا الكردي “نحن نتحدث عن الإعاقات، والإعاقات الذهنية، والمشاكل النفسية… وهي ما سيعيش مع الطفل حتى يموت”.
وأكدت وزارة الصحة في غزة مقتل ما لا يقل عن 490 من العاملين في مجال الرعاية الصحية منذ نشوب الصراع. وخلص تحقيق أجرته رويترز إلى أن 55 طبيبا متخصصا من ذوي المؤهلات العالية كانوا من بين القتلى.
وكلما قُتل متخصص خسرت غزة مصدرا للمعرفة والروابط الإنسانية. وتعدّ هذه ضربة قاسية تضاف إلى الدمار الذي لحق بجل مستشفيات القطاع.
وقد أصبح الكثير من الناس نحفاء بسبب نقص الغذاء؛ إذ ارتفعت أسعار السلع الأساسية إلى أكثر من أربعة أضعافها منذ بدء الصراع. وقالت جعفري “عندما يمرضون يصبحون خائفين جدا من السفر إلى المستشفيات القليلة المتبقية”.
وذكر تقرير صادر عن الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية أن فرص 82 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و23 شهرا للحصول على الغذاء الجيد تبقى محدودة. ويعاني أكثر من 90 في المئة من الأطفال دون سن الخامسة من الأمراض المعدية.
وأشارت جعفري إلى تفشي الأمراض الجلدية بسبب نقص مواد التنظيف ومنتجات النظافة الشخصية، وأن قارورة الشامبو في الأسواق يمكن أن تكلف حوالي 50 دولارا.
وفرضت إسرائيل قيودا مشددة على تدفق الغذاء والمساعدات إلى غزة. ومن جهتها حذرت الوكالات الإنسانية من خطر حدوث مجاعة. وأكدت جعفري كذلك وجود “معاناة وحزن متأخرين وأمراض يتواصل تأجيلها. تتأجل رحلة كاملة من المعاناة حتى نهاية الحرب”.
90
في المئة من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من الأمراض المعدية في القطاع
وتعدّ منال راغب فخري المصري، البالغة من العمر 42 عاما، من أولئك الذين يواجهون هذه التبعات الصحية. وقد نزحت سبع مرات مع أطفالها التسعة، وهي تعاني من مرض في القلب وورم حميد في معدتها. وكان من المفترض أن تغادر غزة لتلقي العلاج في وقت سابق من هذا العام، لكن زوجها قُتل ولم تستطع تحمل فكرة فراق أطفالها.
وأصيبت أيضا بعدة جلطات، وأصبحت طريحة الفراش وغير قادرة على مغادرة خيمتها على البحر في المواصي التي أعلنتها إسرائيل منطقة آمنة قبل أن تقصفها الاثنين. ولم تحصل على أي دواء منذ خمسة أشهر ولم تتمكن حتى من الاستحمام لمدة أسبوعين.
وقالت المصري “اعتاد زوجي الاعتناء بي وجلب الدواء وإطعام أطفالنا. أنا لا أعرف الآن ماذا أفعل. نحن لا نمتلك أبسط الأشياء”.
ويحاول أطفالها المساعدة قدر الإمكان. ويجلبون لها مياه البحر أحيانا لتغتسل. لكن الماء المالح لا يوفر أي راحة. ويعاني جميع أطفالها أيضا من طفح جلدي أحمر. ولا يستطيعون الحصول على كريمات لتهدئة أطرافهم المحترقة.
وقال وسيم الزعانين، وهو طبيب عام في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، إن “نقص الأدوية والمعدات والمرافق الطبية يقتل مرضى السرطان”.
وأكد أن مركز السرطان الوحيد في غزة دُمّر خلال السنة الحالية، وأن الكثير من مرضى السرطان في المرحلة الأولى أصبحوا الآن في المرحلة الرابعة. وأضاف أن “المتطلبات الأساسية غير موجودة. لا يمكننا فعل أي شيء سوى إعطائهم مسكنات للألم وجعلهم مرتاحين خلال ما تبقى من حياتهم”. وتابع “إنه مثل حكم بالإعدام. دعونا لا نخدع أنفسنا؛ ليس لنا أي نظام صحّي”.