القاهرة تمنح دفعة لقانون العمل بحثا عن الاستقرار المجتمعي

الحكومة المصرية تعالج مشكلات الأمان الوظيفي خوفا من تداعياتها.
الاثنين 2024/09/09
التعامل مع مشكلات الأمان الوظيفي مبكرا ضمانة لعدم حدوث قلق اجتماعي

القاهرة – منحت الحكومة المصرية دفعة جديدة لقانون العمل الذي يجري التباحث بشأنه منذ سنوات دون أن يرى النور، بعد أن وضعت نقابات عمالية تصوراتها للقانون الذي من المزمع أن تتم مناقشته بالتزامن مع عودة البرلمان إلى الانعقاد الشهر المقبل، ومع تنظيم عدد من الإضرابات والتظاهرات في عدد من الشركات المحسوبة على قطاعي الأعمال الحكومي والخاص مؤخرا، بفعل أزمات الفصل التعسفي وضعف الأجور.

وقال وزير العمل المصري محمد جبران إن وزارته تضع على رأس أولوياتها إصدار أربعة قوانين لتنظيم بيئة العمل، في مقدمتها قانون العمل الجديد، لتحقيق المزيد من الأمان الوظيفي للعامل، والتشجيع على الاستثمار، وتحقيق المعادلة الصعبة بين طرفي الإنتاج (صاحب العمل والعامل).

وتضمنت مقترحات النقابات العمالية في مصر إلغاء “استمارة 6” الخاصة بإنهاء العمل واستبدالها بأخرى تربط الأجر بالإنتاج ووضع تعريف جديد للعامل يتعلق بالعمال والأشخاص الآخرين في عالم العمل، يشمل الأنماط الجديدة مثل: العمل عن بعد، والعمل من المنزل، وعمال المنازل، والعمل عبر وكالات أو على المنصات الرقمية، وعدم قدرة المؤسسة الخاصة أو الحكومية على منح العامل استمارة إنهاء العمل إلا في حضور الجهة الإدارية ممثلة في مديريات القوى العاملة بالمحافظات المختلفة.

الحكومة تريد إنصاف العمال دون أن يؤدي ذلك إلى صدام مع القطاع الخاص والمستثمرين الذين تحاول جذبهم إلى السوق

ويرى مراقبون أن التعديلات التي خرجت عن نقابات عمالية محسوبة على الحكومة تبرهن على وجود جهات رسمية تدرك خطورة تفاقم مشاكل العمال مع شركات القطاع الخاص، إذ أن تراجع قيمة الجنيه والأزمة الاقتصادية أديا إلى لجوء العديد من الشركات الخاسرة إلى الاستغناء عن موظفيها، في وقت يطالب فيه العمال بضمان حقوقهم وزيادة رواتبهم أسوة بالعاملين في الجهات الحكومية، وأن حالة فقدان الثقة بين الطرفين تقود إلى نتائج سلبية على المستويين الاقتصادي والمجتمعي.

ويضيف المراقبون أن تكرار وقائع الاحتجاجات في بعض الشركات أعاد التذكير بانتفاضات عمالية حدثت منذ عشرين عاما، وكانت ضمن الأسباب الممهدة لاندلاع ثورة يناير 2011، لذلك فإن التعامل مع مشكلات الأمان الوظيفي مبكرا ضمانة لعدم حدوث قلق اجتماعي قد يؤدي إلى أزمات سياسية، ما يجعل الحكومة حريصة على حل المشكلات، لكن دون أن يؤدي ذلك إلى صدام مع القطاع الخاص والمستثمرين الذين تحاول جذبهم إلى السوق لتوفير العملة الصعبة.

وقال نائب رئيس اتحاد عمال مصر (حكومي) مجدي البدوي إن “الحكومة ترغب في تمرير قانون العمل الجديد بعد أن جرى النقاش حوله بشكل مستفيض، وإن إرجاءه كان بسبب تطور الأنماط الوظيفية، والحكومة تملك الآن فلسفة تدفع نحو إقرار قانون جديد وليس مجرد إدخال تعديلات على الحالي المطبق منذ عام 2013”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الآمان الوظيفي لعمال القطاع الخاص يأتي على رأس أهداف القانون الجديد، ويتحقق ذلك من خلال عدم اتخاذ قرارات الفصل إلا عن طريق الجهة الإدارية أو اللجوء إلى المحكمة المختصة المزمع تأسيسها، إلى جانب إدخال تعديلات كبيرة على استمارة إنهاء الخدمة لضمان حقوق العمال ورجال الأعمال، وسيتم تدشين عقود جديدة للعمل توازن بين العامل ورجل الأعمال وتخوض في تفاصيل واجبات الطرفين”.

ححح

وشدد على أن “قوانين العمل يتم إقرارها في أوقات الاستقرار الاقتصادي وليس في ظروف استثنائية تمر بها البلاد، غير أن تزايد المشاكل بين العمال والقطاع الخاص يساعد على تمرير القانون في ظل الأوضاع الراهنة، ما يجعل هناك تدقيقا في مسألة أن يبقى القانون صالحا للتطبيق مدة طويلة مع اختلاف الظروف المجتمعية والاقتصادية الراهنة”، لافتا إلى أن الاتحاد سوف يستقبل كافة الرؤى التي تقوم النقابات العمالية بإعدادها للتوافق عليها وإرسالها إلى وزارة العمل.

ودخلت أحزاب وجهات معارضة مؤخرا على خط اعتصام نظمه عمال وعاملات شركة “وبريات سمنود” (تتبع قطاع الأعمال العام)، بسبب مطالبهم الخاصة برفع الحد الأدنى للأجور والاستجابة لقرارات الحكومة الخاصة، ما يشير إلى تحول المطالب الفئوية إلى سياسية مع تسليط الضوء على المضايقات التي تعرض لها العمال أثناء التعبير عن مطالبهم، ويفتح الباب أمام تكرار الأمر في شركات وهيئات أخرى.

التعديلات التي خرجت عن نقابات عمالية محسوبة على الحكومة تبرهن على وجود جهات رسمية تدرك خطورة تفاقم مشاكل العمال مع شركات القطاع الخاص

وأكد منسق عام دار الخدمات العمالية (تجمع يضم نقابات العمال المستقلة) كمال عباس أن الاحتجاجات في شركة سمنود سبقتها اعتصامات ومظاهرات في عدد من الشركات، أبرزها شركة الإسكندرية للإنشاءات وشركة “سيراميكا فينسيا”، ووصل الأمر إلى حد توقف الإنتاج بشكل كامل، ما يؤكد أن العمال لم تعد لديهم القدرة على تحمل الأوضاع التي يمرون بها وتسببت في تداعيات اجتماعية خطيرة عليهم.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “نقابات العمال المستقلة لا تنظر إلى تصريحات الحكومة وخطواتها الحالية بارتياح، لأنها موسمية وقد لا تُفضي إلى شيء. وطرْح القانون للنقاش في مجلس الشيوخ ثم مجلس النواب، ثم للحوار المجتمعي دون أسباب منطقية، يدفع هذه المرة إلى عدم الاقتناع بإمكانية تغيير الوضع القائم، كما أن التعديلات المطروحة رغم إيجابياتها تظل قديمة وبحاجة إلى رؤية أكثر شمولاً لتحسين أوضاع العمال”.

وشدد على أن تأسيس محكمة عمالية وربط استمارة إنهاء الخدمة بمكتب العمل وتحسين أوضاع العاملات من النساء، وتحويل العقود المؤقتة إلى ثابتة بقوة القانون خلال أربع سنوات، جميعها خطوات جيدة لكن تبقى مشكلات الأجور التي تتصدر الموقف بعيدة عن اهتمامات الحكومة لأنها قد لا تستطيع إقناع القطاع الخاص بها. كما أن قيام النقابات العمالية الحكومية بدور سلبي في الاحتجاجات التي تقع بين حين وآخر، وعدم دعمها أو انتقادها، يجعل العمال لا يثقون بها.

وتبلغ قوة العمل في مصر نحو 30 مليون عامل وموظف، يعمل حوالي 17 في المئة منهم لدى القطاع الحكومي والعام بنحو خمسة ملايين موظف وعامل، بينما يعمل الباقي وعدده 25 مليون عامل في القطاع الخاص بنسبة 83 في المئة، في حين يصل عدد أصحاب المعاشات في مصر إلى نحو 10 ملايين مواطن.

وقامت القاهرة بتحرك لرفع الحد الأدنى للأجور ثلاث مرات في العام المالي الماضي، وأقرت زيادة رابعة في شهر مارس من هذا العام ليصل إلى ستة آلاف جنيه (الدولار= 48 جنيها)، وبعدها بشهرين أقر المجلس القومي للأجور في مصر رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص بنفس القيمة، لكنها تواجه مشكلات جمة في التنفيذ مع عدم التزام غالبية المصانع والشركات الخاصة، وهو ما قاد إلى بعض المشاكل بين العمال وأصحاب العمل.

1