ماذا يواجه الغزيون في مصر من مصاعب

القاهرة- يعدّ الفلسطينيون الفارون من غزة إلى مصر أهدافا سهلة للمتلاعبين بالإيجارات والغاضبين من وجودهم. كما يجدون أنفسهم محرومين من الحقوق المحدودة في الخدمات الأساسية التي يُسمح للاجئين الآخرين بالتمتع بها.
وتمكن أكثر من 100 ألف فلسطيني من دخول مصر منذ بداية الحرب في فلسطين. وهم يواجهون، بعد أن دفعوا بالفعل الآلاف من الدولارات للعبور، مشاكل اجتماعية واقتصادية لا تعدّ ولا تحصى. وتفاقمت مشاكلهم بسبب الغياب التام للدعم الرسمي واستبعادهم، على عكس اللاجئين الآخرين، من ولاية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لأسباب تاريخية.
◄ العديد من المصريين يعتقدون أن الفلسطينيين أثرياء ولا يستحقون التعاطف أو المساعدة، وأنهم ناكرون للجميل
ولا تنشط في مصر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي تقدم خدمات للفلسطينيين في جميع أنحاء المنطقة.
وذكرت مجلة “كايرو ريفيو للشؤون الدولية” أن “سبب عدم سماح مصر للأونروا بالعمل في البلاد يرجع إلى رغبتها في حماية الهوية الفلسطينية والسماح بعودة الفلسطينيين في النهاية إلى بلادهم بعد تحريرها”، وقطع الطريق على فكرة التوطين.
ولكل هذا، لا يتمتع اللاجئون الفلسطينيون في مصر بأيّ مساعدة من الأونروا أو من الحكومة المصرية، ولا يمكنهم التسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أيضا.
وبما أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تسهل وصول هذه الفئة إلى الحماية والخدمات الأساسية في مصر نيابة عن الحكومة المصرية، فإن هذا يعني حرمان الفلسطينيين من الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم. ولا يتمتعون سوى بحق البقاء في البلاد بفضل تصاريح الإقامة التي يجب تجديدها كل 45 يوما.
ويعني غياب أوراق الإقامة طويلة الأجل عجز اللاجئين الفلسطينيين عن فتح حسابات مصرفية وشركات، أو نيل الخدمات الطبية، أو التقدم بطلب للحصول على تأشيرات دخول إلى بلدان أخرى، أو تسجيل أطفالهم في المدارس الحكومية المصرية. كما أنهم محرومون من الحق في امتلاك شريحة هاتف محمول، والحق في العمل والاستفادة من المساعدات أو الخدمات التي تقدمها المنظمات الأهلية والتنموية.
ودون التمتع بالحق في الرعاية الصحية العامة، يضطر الفلسطينيون إلى اللجوء إلى القطاع الخاص لتلقي العلاج الطبي، حيث تكون التكاليف مرتفعة ويتعرضون للتمييز. وتصر المستشفيات أحيانا على أن يدفعوا التكاليف مقدما أو ترفض تقديم الخدمات لهم تماما.
وأفادت إحدى وكالات اللاجئين المحلية أن بعض اللاجئين ماتوا بسبب نقص الرعاية الطبية.
ويجب تجديد تصريح الإقامة كل 45 يوما في متاهة البيروقراطية، مما يجعل الأمر شبه مستحيل. وسرعان ما يجد الفلسطينيون أنفسهم دون إذن قانوني للبقاء. ويمكن اعتقال أيّ أجنبي في مصر لا يتمتع بالإقامة القانونية في أيّ وقت. ويعني هذا أن على الفلسطينيين توخي الحذر في كيفية سفرهم وتنقلهم، وتجنب الرحلات الطويلة أو أجزاء معينة من القاهرة حيث ترتفع مخاطر التوقيف أو الاعتقال.
وكثيرا ما تشن السلطات المصرية حملة تستمر أياما تستهدف اللاجئين وطالبي اللجوء وتنفذ العشرات من الاعتقالات. ويمكن أن يحدث للاجئين أيّ شيء بمجرد احتجازهم.
ولم تُسجل رسميا أيّ حالات إعادة قسرية للفلسطينيين إلى غزة منذ اندلاع الحرب. ولكن هذا ليس مفاجئا نظرا للقيود واسعة النطاق على الحدود ولأن معبر رفح مغلق تماما منذ 7 مايو. لكن تخفيف القيود كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار قد يعرّض اللاجئين من غزة لخطر الإعادة القسرية.
وتفتقر مصر لمخيمات للاجئين. ويعيش النازحون لذلك بين المصريين العاديين، ويواجهون جميع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية القاسية نفسها التي يواجهها المواطنون، بينما يتعرضون أيضا للوصم والتمييز العام على نطاق واسع.
ويشير تقرير لموقع عرب دايجست إلى أن السودانيين واللاجئين القادمين من بلدان جنوب الصحراء يجدون عنصرية صريحة. لكن الفلسطينيين يواجهون نوعا آخر من التمييز الناتج عن تشويه سمعتهم المنهجي في وسائل الإعلام الحكومية التي دأبت على إظهارهم منذ أواخر سبعينات القرن العشرين على أنهم “ناكرون للجميل” واعتبرت أنهم يستحقون طردهم من أراضيهم لجشعهم واستعدادهم لبيع أراضيهم للصهاينة.
◄ دون التمتع بالحق في الرعاية الصحية العامة، يضطر الفلسطينيون إلى اللجوء إلى القطاع الخاص لتلقي العلاج الطبي، حيث تكون التكاليف مرتفعة
ويعتقد العديد من المصريين أن الفلسطينيين أثرياء ومؤثرون ولا يستحقون التعاطف أو المساعدة. ويقول الأشخاص الذين أمكن إجلاؤهم من غزة إنهم يخشون الكشف عن هويتهم ويواجهون تحيزا من أصحاب العقارات المصريين الذين ينظرون إليهم على أنهم حقيبة من المال.
ونشر موقع المونيتور في يونيو تقريرا عن التمييز ضد الفلسطينيين في السكن قال فيه إن العثور على مسكن يعدّ من أكبر الصعوبات التي يواجهها سكان غزة الذين يعيشون في القاهرة.
ونقل الموقع عن فلسطيني اسمه محمد تلباني، البالغ من العمر 30 عاما من مدينة غزة، “على الرغم من أن زوجتي تحمل جواز سفر مصريا، إلا أننا واجهنا صعوبات في العثور على سكن. شعرنا ببعض التحيز من المصريين، فهم يفضلون عدم تأجير الشقق لنا”.
وينتشر النازحون الغزيون في جميع أنحاء القاهرة. لكن أهم المناطق التي يجدون مأوى فيها هي الجيزة وفيصل وإمبابة وعين شمس، حيث تتطور المضاربة وتبقى إيجارات الفلسطينيين أعلى بكثير من أسعار السوق.
وجاء في تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية “يتنافس اللاجئون، في مناطق المدينة التي يستقرون فيها، مع السكان المحليين الفقراء على الموارد الشحيحة والخدمات المحدودة. وهم بهذا معرضون للعنف والاستغلال. وللسكان المصريين في هذه المناطق احتياجات مماثلة جدا لمبادرات المساعدة والدعم، مثلهم مثل اللاجئين”.