الجيش السوداني يواجه مأزق نشر قوات أممية لحفظ السلام

بعثة مجلس حقوق الإنسان تطالب بتحرك سريع لحظر الأسلحة وحماية المدنيين.
السبت 2024/09/07
عيون شاخصة إلى المجهول

شكلت التوصية الصادرة عن بعثة تقصي الحقائق الدولية بنشر قوات محايدة في السودان خلطا لأوراق الجيش الذي لا تزال تأمل قيادته في تحول الوضع لصالحها لاسيما على الصعيد الخارجي.

الخرطوم - ألقت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان بحجر ثقيل في الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع بعد أن أوصت بحظر الأسلحة وإرسال قوة لحفظ السلام لحماية المدنيين الذين يعانون ويلات القتل والتشريد والانتهاكات التي لا تتوقف منذ أن بدأت الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي، ما يعرقل خطط الجيش السوداني الذي يسعى لتوسيع دائرة داعميه من الخارج، حيث شرع في عقد صفقات أسلحة مع روسيا وإيران، والصين مؤخراً.

وقالت البعثة الأممية الجمعة إن طرفي الصراع ارتكبا انتهاكات على نطاق كبير قد تعد جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، مؤكدة في تقريرها الأول منذ تشكيلها في أكتوبر الماضي، أنها أجرت مقابلات مع 182 من الناجين وأسرهم وشهود أقروا بأن الجيش والدعم السريع مسؤولان عن “هجمات على مدنيين ونفذا عمليات تعذيب واعتقال قسري”.

وشكل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعثة مكونة من ثلاثة أعضاء، بهدف توثيق انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في البلاد منذ اندلاع الحرب.

وتأتي التوصيات الأخيرة في وقت يسوّق فيه رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان سياسيا للقاءات عقدها اليومين الماضيين على هامش قمة “منتدى التعاون الصيني – الأفريقي”، واختتمت أعمالها الجمعة، وبدا خلالها أكثر ثقة من أن خطة استمرار الحرب وتنوع مصادر الأسلحة والحصول على تأييد دولي لموقفه قد يصب في صالح العمليات العسكرية لقواته على الأرض، دون أن يضع في اعتباره ما يجري على الضفة الأخرى من تطورات دولية حثيثة.

وتشي الخطوة الأممية التي جاءت بعد أيام من فشل محادثات جرت في جنيف للوصول إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار، بأن الولايات المتحدة التي كانت ترعى هذه الاجتماعات مستمرة في معاقبة الجيش، باعتباره كان مساهما في عرقلتها بعدم إرسال وفده التفاوضي إلى جنيف، مع انسداد أفق تنفيذ بنود إعلان جدة، وعد ذلك مشجعا على التدخل لحماية المدنيين وتقليم أظافر الطرفين مع عدم قدرة المجتمع الدولي الضغط عليهما لوقف القتال.

كمال إسماعيل: أصبح من الواجب أن يتدخل المجتمع الدولي لحماية المدنيين
كمال إسماعيل: أصبح من الواجب أن يتدخل المجتمع الدولي لحماية المدنيين

ويبدو أن الجانب الإنساني مدخل مناسب للمجتمع الدولي نحو حرمان الأطراف المتصارعة من مصادر تمويلها، وأن التقرير جاء بعد أن جرت عرقلة وصول المساعدات الإنسانية من جانب الطرفين عقب التوافق بشأنها في مفاوضات جرى عقدها في جنيف، وأضحى الجميع مهيئا لتدخل دولي يوقف تدهور الأوضاع التي وصلت إلى حد المجاعة، خاصة أن سلاح العقوبات الذي جرى إشهاره في وجه كليهما لم يأت بمردود إيجابي.

وأسفرت الحرب بين الجيش والدعم السريع عن الآلاف من القتلى، وأدت إلى نزوح نحو عشرة ملايين داخل السودان أو لجوئهم إلى دول مجاورة، وتسببت المعارك بدمار واسع في البنية التحتية، وخرج أكثر من ثلاثة أرباع المرافق الصحية عن الخدمة.

وقال عضو تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) اللواء كمال إسماعيل إن الشعب السوداني هو المتضرر الأول من الحرب، وهناك قناعة بعدم وجود منتصر فيها، ومع تردي الأوضاع الإنسانية أصبح من الواجب أن يتدخل المجتمع الدولي لحماية المدنيين وهو أمر مرحب به من الجميع، باستثناء من يسعون لإطالة أمد الصراع.

وأوضح إسماعيل في تصريح لـ"العرب" أن تقرير البعثة الأممية يضرب مخططات أتباع نظام الرئيس السابق عمر البشير وهم يقبعون على رأس السلطة ويديرون المشهد الراهن، وأن الجيش يتحمل مسؤولية عدم ذهابه إلى جنيف وإفشال محاولات وقف القتال.

ولفت إلى أن السودان دخل دوامة التدويل، ويظل التعويل على وعي المواطنين والقوى السياسية والمجتمعية التي لها خبرات تاريخية في مواجهة التدخلات الخارجية بأشكالها المختلفة، وأن وجود كتلة مدنية متماسكة يجعل السودان قابلا للتحول المدني.

وأشار إسماعيل إلى أن ما يتم تسويقه عبر وسائل إعلام قريبة من الجيش بشأن توقيع اتفاقيات تعاون عسكري مع الصين ليس له مردود على أرض الواقع، وأن بكين لن تُضحّي بمصالحها في القرن الأفريقي من أجل دعم سلطة في دولة تعاني من حرب داخلية طاحنة، وهو ما يجعل ما يتردد حول الدعم الصيني أو الروسي يندرج في إطار المناكفات بين القوى الدولية.

وقالت تقارير للأمم المتحدة أن الطرفين المتحاربين استهدفا المدنيين عبر ارتكاب "عمليات اغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي، وتوقيفات وعمليات احتجاز تعسفية، فضلا عن التعذيب وسوء المعاملة.. وارتكبا ما يكفي من جرائم الحرب".

وأكد المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم أن الأمم المتحدة لديها آليات تمكنها من تنفيذ توصيات البعثة الحقوقية، شريطة أن تحظى بموافقة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن، ويمكن أن تذهب باتجاه فرض عقوبات على أيّ طرف يدعم استمرار الحرب دون أن يشارك فيها مباشرة.

عبدالواحد إبراهيم: ربما تستخدم روسيا الفيتو لضمان موقف قوي للجيش
عبدالواحد إبراهيم: ربما تستخدم روسيا الفيتو لضمان موقف قوي للجيش

وذكر إبراهيم في تصريح لـ"العرب" أن الاستقطاب من جانب الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية من جانب، وروسيا والصين وإيران من جانب آخر سيجعل هناك احتمالا كبيرة لاستخدام حق النقض (الفيتو) من جانب روسيا أو الصين داخل مجلس الأمن.

وأضاف أن روسيا لن تستطيع تمرير رغبتها في التواجد بقاعدة عسكرية على البحر الأحمر، حال لم يكن الجيش السوداني على رأس السلطة، وهناك توافق بين الجميع في السودان على رفض وجود موسكو، كذلك الأمر بالنسبة إلى بعض الدول الإقليمية الفاعلة، ولضمان استمرار بقاء الجيش على رأس السلطة ربما تتجه روسيا نحو استخدام الفيتو، إذا وصل القرار إلى مجلس الأمن.

ولدى الصين مشروعات واستثمارات دشنتها في السودان، وليس من مصلحتها إبعاد الجيش الذي يضم عناصر عديدة من النظام السابق، لكن ما يدعم عدم مساندة البرهان أن الجيش لا يجيد التعامل مع المجتمع الدولي مثلما كان يجيد عمر البشير الذي استعان بسياسيين لعبوا على التناقضات الدولية لتحقيق بعض المكاسب.

وشدد إبراهيم في حديثه لـ”العرب” على أن السودان دخل نفق التدويل منذ عقود بفعل سياسات النظام السابق الذي ورط البلاد في معارك لا تخدم الدولة، بدءاً من رعاية الإرهاب والتورط في جرائم عابرة للحدود، ما وضع السودان في عزلة طويلة.

وتقرير البعثة الأممية هو تقرير أولي تحدث عن شبهات في جرائم حرب ومن المتوقع أن يعقبه آخر تفصيلي حول هذه الجرائم، وهو ما سوف يترك آثارا سلبية على الطرفين المتصارعين بعد أن تورطا في جرائم حرب لا تسقط بالتقادم.

2