علل فولكسفاغن الحرجة اختبار لنموذج ألمانيا الاقتصادي

عملاق السيارات في مفترق طرق للحفاظ على مرونة أعماله وتنميتها ضمن علاقات صناعية توافقية.
السبت 2024/09/07
حان وقت ضبط مكانة العلامة

يشكل تهديد فولكسفاغن بإغلاق مصانعها في ألمانيا للمرة الأولى على الإطلاق، والذي يكسر المحظورات، اختبارا مباشرا لمدى قدرة هذا النموذج التوافقي على البقاء في أكبر اقتصاد أوروبي، وتحقيق النجاح في بيئة عالمية يرى خبراء أنها تشكل تحديا وجوديا.

برلين - تواجه فولكسفاغن نقطة حرجة بشأن العنصر الثالث في صيغتها القديمة للنجاح وهي العلاقات الصناعية التوافقية، بعد أن فقدت الشركات الألمانية الكبرى الطاقة الرخيصة من روسيا، وسط حالة من عدم اليقين بشأن علاقاتها المربحة ذات يوم مع الصين.

وسعى قادة الصناعة والنقابات العمالية والسياسيون في ألمانيا على مدى عقود من الزمن للتوصل إلى اتفاق بشأن قرارات الإنتاج والعمالة، وهو ما وفر بدوره الأساس للتنمية الاقتصادية في البلاد بعد الحرب.

وقالت رئيسة مجلس عمل فولكسفاغن دانييلا كافالو هذا الأسبوع إن “إزالة الصناعة تحدث في ألمانيا”، مطالبة بحلول تضمن “استمرار وجود وظائف صناعية في ألمانيا في المستقبل”.

ولا يزال التصنيع يمثل 27 في المئة من إجمالي العمالة في ألمانيا، انخفاضا من 32 في المئة قبل 20 عاما، وفقًا لأرقام منظمة العمل الدولية، ولكن لا يزال يمثل حصة أكبر بكثير من معظم الاقتصادات المتقدمة.

ويوجد حوالي 120 ألف شخص من قوة العمل القوية لعلامة فولكسفاغن التجارية، والتي يبلغ عددها 200 ألف في أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.

دانييلا كافالو: إزالة الصناعة تحدث الآن وعلينا الحفاظ على الوظائف
دانييلا كافالو: إزالة الصناعة تحدث الآن وعلينا الحفاظ على الوظائف

وفي عام 2016 كانت فولكسفاغن أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم من حيث المبيعات وتجاوزت تويوتا، وحافظت على هذا اللقب في 2017 و2018 و2019، حيث باعت 10.9 مليون سيارة.

كما حافظت على أكبر حصة في أوروبا لأكثر من عقدين، واحتلت الشركة المرتبة الثامنة في قائمة فورتشن غلوبال 500 لعام 2022 لأكبر الشركات في العالم.

وستُطبق نفس الهياكل التوافقية للعلاقات العمالية التي اشترت على مر السنين السلام الصناعي، ووفرت الأمن الوظيفي الآن في المفاوضات بين الإدارة والنقابات المقرر أن تبدأ الأسبوع المقبل.

وتجري هذه المحادثات في الوقت الذي تكافح فيه فولكسفاغن وشركات صناعة السيارات الأوروبية الأخرى، بما في ذلك ستيلانتيس ورينو، مع ارتفاع تكاليف التوظيف والطاقة.

كما أنها تأتي مع اشتداد المنافسة المتزايدة من المنافسين الآسيويين الأقل تكلفة الذين يشحنون المزيد من السيارات إلى المنطقة.

وحقيقة أن ممثلي العمال لديهم نصف الأصوات في مجلس الإشراف على فولكسفاغن تجعل من الصعب على المجموعة فرض الإغلاقات. ويريد زعماء النقابات حلا تفاوضيا، لكن الإدارة تقول إن حجم التحديات يعني أنه يجب التضحية بشيء ما.

وقال المدير المالي أرنو أنتليتز للعمال في مقر شركة صناعة السيارات في مدينة فولفسبورغ “إذا واصلنا على هذا النحو، فلن ننجح في التحول”. وأضاف إنها “مسؤوليتنا المشتركة لتحسين كفاءة التكلفة في المواقع الألمانية”.

وأكدت شركة آي.جي ميتال أنها قد تفكر في الانتقال إلى أسبوع عمل من أربعة أيام كبديل للإغلاق، وهي الخطوة التي تم تنفيذها في التسعينات لأكثر من عقد من الزمان كجزء من حملة سابقة لخفض التكاليف تضمنت تخفيضات أصغر في الأجور.

أرنو أنتليتز: إذا واصلنا على هذا النحو، فلا يمكن النجاح في التحول
أرنو أنتليتز: إذا واصلنا على هذا النحو، فلا يمكن النجاح في التحول

وظلت فولكسفاغن صامتة بشأن ما إذا كان هذا يمكن أن ينجح في بيئة اليوم، خاصة وأن هناك جانبا منفصلا يتعلق بالدور، الذي يجب أن تلعبه الدولة.

وقال أولاف ليز، وزير الاقتصاد في ولاية ساكسونيا السفلى، حيث يوجد مقر فولكسفاغن ومعظم المصانع المتضررة من نهاية برنامج الأمن الوظيفي، إن “هناك نقصًا في الاستثمار العام للمساعدة في تطوير الأسواق”.

كما تعد الدولة الألمانية ثاني أكبر مساهم في فولكسفاغن، وتشغل مقعدين من أصل 20 مقعدا في مجلسها الإشرافي.

وقال ليز لرويترز “هذا يضع العديد من الشركات، وبالتالي ألمانيا كمكان لممارسة الأعمال التجارية، في موقف صعب للغاية”.

ولم يفلت هذا من انتباه ائتلاف المستشار أولاف شولتس في برلين. وقال مصدر داخل الائتلاف لرويترز “أي شيء يتعلق بالإنتاج الصناعي يختفي لن يعود”.

ويعترف وزير الاقتصاد روبرت هابيك ووزير المالية كريستيان ليندنر بأن ألمانيا تواجه مشاكل هيكلية كموقع للأعمال، لكنهما يختلفان بشأن ما يجب فعله حتى في ما يتعلق بالدور الذي تلعبه المركبات الكهربائية في مستقبل ألمانيا.

وبينما قال هابيك إن “الساسة يجب أن يقدموا ضمانات حكومية لدعم الانتقال إلى المركبات الكهربائية، وصف ليندنر الديمقراطي الحر المؤيد للسوق هذا الأسبوع “الهوس” بالمركبات الكهربائية بأنه خطأ ورفض التدابير الحكومية لمساعدة القطاع.

ويواجه ائتلاف شولتس غير الشعبي، الذي تعرضت أحزابه المكونة له لضربة قوية من اليمين المتطرف في الانتخابات الإقليمية في شرق ألمانيا، انتخابات عامة العام المقبل.

أولاف ليز: نقص الاستثمار يجعل ألمانيا في موقف صعب للغاية
أولاف ليز: نقص الاستثمار يجعل ألمانيا في موقف صعب للغاية

ويرى بعض المحللين أن خطوة فولكسفاغن المفاجئة بإعادة ترتيب أعمالها، وإغلاق مصانعها المنتشرة في البلاد تزيد الضغوط على الائتلاف لوضع سياسة واضحة في النهاية.

وقال كارستن برزيسكي، رئيس الاقتصاد الكلي العالمي في شركة آي.أن.جي “إذا كان لزاماً على مثل هذه الشركة الصناعية العملاقة حقاً أن تشدد برنامجها التقشفي وتغلق مصانعها، فربما يكون هذا بمثابة جرس إنذار متأخر بأن التدابير الاقتصادية المتخذة حتى الآن تحتاج إلى زيادة كبيرة”.

ولكن فولكسفاغن ليست وحدها في هذه الورطة، فقد غيرت شركة تيسينكروب، التي تجنبت لعقود من الزمن إعادة هيكلة كبرى في قسم الصلب بسبب معارضة العمال الشديدة، مسارها أيضا.

ولقد ابتعد الرئيس التنفيذي الجديد للشركة ميغيل لوبيز عن إستراتيجية أسلافه التي أبقت العلاقات مع آي.جي ميتال مستقرة للمطالبة بإعادة هيكلة شاملة يقول إنها تأخرت كثيرا.

وعلى نحو مماثل، قال الرئيس التنفيذي لشركة باسف العملاقة للكيماويات ماركوس كاميث إن سلسلة من المصانع تعاني من صعوبات تنافسية، “لذلك يتعين علينا أن نفكر أيضا في إغلاق المزيد من المصانع”.

ولكن حتى أولئك الذين يزعمون أن الشركات الألمانية تأخرت كثيرا في رصد الاتجاهات في الاقتصاد العالمي والرد بسرعة يصرون على أنه من السابق لأوانه أن نعلن نهاية شركة دويتشلاند إيه جي وشركاتها الصناعية الثقيلة.

وقالت كريستيان بينر رئيسة آي.جي ميتال على مستوى البلاد “نحن في حاجة إلى أفكار تقدمية. لقد نجت فولكسفاغن من مواقف صعبة من قبل”.

10