هل يذيب لقاء وزيري خارجية المغرب وتونس بالصين جليد الأزمة الدبلوماسية

الرباط - التقى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، مع نظيره التونسي محمد علي النفطي، الثلاثاء على هامش منتدى التعاون الصيني الأفريقي في العاصمة بكين، بحسب منشور لوزارة الخارجية التونسية على صفحتها على فيسبوك، في خطوة تشير إلى محاولة لإذابة جليد أزمة دبلوماسية اندلعت منذ عامين بين البلدين إثر استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد زعيم جبهة بوليساريو.
ونشرت وزارة الخارجية التونسية صورة تجمع الوزيرين خلال المنتدى الذي انطلق في بكين ويستمر حتى 6 سبتمبر الجاري.
وقالت الخارجية التونسية "في إطار مشاركته ببكين في المؤتمر الوزاري لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي، التقى محمد علي النفطي مع عدد من نظرائه من الدول المغاربية والأفريقية، تناول معهم علاقات الأخوة والتعاون القائمة بين تونس وهذه الدول وسبل تعزيزها".
وهذا اللقاء يأتي بعد أيام من تلقي النفطي مكالمة من نظيره المغربي، ناصر بوريطة، بمناسبة تعيينه وزيرا للشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج" وفق ما أفادت الوزارة في موقعها الإلكتروني.
وقالت الوزارة إن الجانبين أكدا خلال الاتصال "على عمق الروابط الأخوية، والحرص المشترك على دعم أواصر التعاون بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات".
كما جاء بعد ثلاثة أسابيع تقريبا من لقاء رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، في 15 أغسطس الماضي، بوزير الخارجية السابق نبيل عمّار، وذلك خلال مشاركته في الاحتفال الدولي بالذكرى 80 لعملية الإنزال البحري بمنطقة بروفانس، الذي أقيم بمدينة سان رفاييل تحت إشراف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ووفق ما كشفته وزارة الخارجية التونسية في وقت سابق.
ويعتبر هذا اللقاء الأول بين الوزرين بعد أزمة بين البلدين في 26 أغسطس 2022، على خلفية استقبال الرئيس التونسي سعيد، زعيم جبهة بوليساريو" إبراهيم غالي، الذي شارك بالنسخة الثامنة لقمة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا "تيكاد 8".
واحتجاجا على هذا الاستقبال الأول من نوعه، استدعى المغرب في اليوم نفسه سفيره لدى تونس حسن طارق، للتشاور، معتبرا أن ما حدث "عمل خطير وغير مسبوق".
وهو ما ردت عليه تونس بالمثل في اليوم التالي، إذ استدعت سفيرها لدى المغرب محمد بن عياد للتشاور.
ومنذ ذلك الحين سادت قطيعة دبلوماسية بين البلدين رافقها تلاسن إعلامي بدا واضحاً، لكن الفترة الأخيرة شهدت مؤشرات إلى بداية عودة الدفء إلى العلاقات بين المغرب وتونس.
ويرى مراقبون أن تعيين محمد علي النفطي وزيرا للخارجية فهم على أنه إشارة إلى حلفاء تونس التقليديين في المقام الأول (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)، وذلك في محاولة لإظهار تجاوز مرحلة اعتبرت فيها تونس أقرب إلى الفاعل الروسي والصيني والإيراني.
ويعتقدون أن هذا اللقاء له دلالته في القاموس السياسي والدبلوماسي، لكنه مع ذلك يبقى بحاجة إلى مثابرة ومزيد من الوضوح من الجانب التونسي، خصوصا أن العلاقة بين البلدين دخلت طورا من الجمود في الأقل على المستوى الرسمي.
ويشير هؤلاء المراقبين إلى أن تونس ظلت طيلة عقود في وضع الوساطة وتقريب وجهات النظر داخل الفضاء المغاربي، ونأت بنفسها عن سياسة المحاور، خصوصا في قضية الصحراء، لكنها خلال الفترة السابقة كانت إلى حد كبير في مزاج دبلوماسي وسياسي قريب من الجزائر، وبعيدا من المغرب.
وفي السنوات الماضية وطدت تونس علاقاتها مع الجزائر وليبيا، ومثلت مبادرة عقد لقاء ثلاثي بين البلدان المذكورة على المستوى الرئاسي تجسيداً لهذا التقارب الذي بدا وكأنه موجه ضد المغرب.
وجرى بصورة كبيرة تجاهل اتحاد المغرب العربي الذي اعتبر على مر العقود الماضية تكتلا إقليميا يرنو إلى تحقيق التكامل الاقتصادي والثقافي والسياسي بين دول تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا وليبيا، مما أثار مخاوف على مستقبل هذا التكتل الإقليمي، وخصوصا العلاقات بين الرباط وتونس.
وتاريخيا التزمت تونس الحياد إزاء النزاع بشأن الصحراء المغربية، وهو نزاع مرير بين المغرب وجبهة بوليساريو الانفصالية والمدعومة من الجزائر، لكن استقبالها لغالي والحفاوة التي حظي بها الرجل أعطت إشارات بأن الدبلوماسية التونسية بصدد الاستدارة نحو بوليساريو والجزائر.
ويأتي هذا اللقاء في ظل استعداد تونس لانتخابات رئاسية في 6 أكتوبر المقبل، يسعى من خلالها الرئيس سعيد إلى ولاية ثانية، يتنافس فيها مع المرشحين زهير المغزاوي، الأمين العام لحركة الشعب والنائب البرلماني السابق، والعياشي زمال الذي أصدر القضاء التونسي الأربعاء مذكرة توقيف بحقه للاشتباه بتورطه في "تزوير تواقيع تزكيات".
وأكد رشيد لزرق أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ورئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، في تصريح لصحيفة "آشكاين" المغربية أن "اللقاء يأتي قبل الانتخابات الرئاسية التونسية، وهي المؤشرات الأولى لتحول السياسات الخارجية التونسية نحو الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، عوض الاتجاه الذي ذهب إليه قيس سعيد، حينما سقط في تبعية للجزائر وإيران، بفعل الأزمة الاقتصادية التونسية".
وقال إن "هذا التحول يمهد لمرحلة قادمة، لأن تونس كانت تمر من أزمة اقتصادية، وعدم خبرة قيس سعيد أسقطها في وضع التبعية، والحال أن تونس كان لها دائما دور محوري، وكانت هي 'دينامو' الدول المغاربية، حيث كان موقعها وحيادها الإيجابي يمكنها بلعب عدة أدوار".
وتابع "لا يمكننا القول إن هذا بمثابة 'طلب ود المغرب'، بقدر ما هي تحولات جيوسياسية في المنطقة تحتم التكتل."
ولفت إلى أن "هذه التحولات تفرض على تونس إعادة سياستها الخارجية ولعب أدوارها الطبيعية التي كانت تلعبها، حيث كانت تلعب دورا فعالا، وبالتالي فهذه العودة، وتغيير وزير الخارجية، هو إيذان بتحول السياسات الخارجية التونسية، خاصة أنه يأتي قبيل الانتخابات الرئاسية، وكأن قيس سعيد يمهد لما بعد الانتخابات".
وأضاف أن "المغرب دائما كان يرى في تونس دولة صديقة، وتلك الدولة التي تلعب دورا رياديا، حتى أن الملك الحسن الثاني رحمه الله كان قد هدد بالتدخل العسكري إذا تمت زعزعة استقرار تونس".
وأوضح "بالتالي فإن المغرب يرى تونس الخضراء، دولة انتقال ديموقراطي، يمكن أن تلعب أدوار كبرى خاصة في المشاريع الكبرى التي دشنها المغرب، ما يعني أن تونس مدعوة إلى تغيير سياستها الخارجية وتصحيح الخطأ الذي وقعت فيه، والذي جاء نتيجة عدم خبرة الرئيس قيس سعيد".