ملاحقة أصحاب "المحتوى الهابط" ذريعة للرقابة على مواقع التواصل في العراق

المحتوى الهابط الذي ورد في كتاب مجلس القضاء الأعلى العراقي غامض وغير مفهوم وسط دعوات لتعريفه وتوضيحه.
الخميس 2024/09/05
تحت المراقبة

بغداد - يشهد العراق حملة على أصحاب “المحتوى الهابط” على مواقع التواصل الاجتماعي إذ لا يمر يوم دون الإعلان عن اتخاذ إجراءات قانونية ضد أصحاب هذا النوع من المحتوى بعد أن أقرّ مجلس النواب تعديلات على قانون يحمل اسم “قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي”، وذلك مع تسجيل العراق زيادة متواصلة في عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، في ما يبدو أن السلطات تلجأ إلى اعتماد سياسة الردع بينما ترى منظمات حقوقية عالمية أنه “تهديد لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يحميها الدستور”.

وسجلت الإحصاءات السنوية تزايدًا متواصلًا في عدد رواد الشبكات الاجتماعية في العراق وأعلن مركز الإعلام الرقمي خلال العام الجاري، أن العدد بلغ 31.95 مليون شخص، وهو ما يعادل 69.4 في المئة من إجمالي عدد سكان البلد.

وأصدرت السلطات العديد من مذكرات القبض بحق مشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي بالعاصمة بغداد وعدد من المحافظات بتُهمة المحتوى الهابط وغير اللائق، الذي لا ينسجم مع الآداب العامة. وكان آخرها قرار لجنة المحتوى الهابط اتخاذ الإجراءات القانونية بحق صانعة المحتوى “الماكيرا سارة”.

وقال مصدر مطلع إن “لجنة المحتوى الهابط في وزارة الداخلية اتخذت إجراءات قانونية بحق المدعوة سارة حيدر هاشم المعروفة باسم (الماكيرا سارة) أمام محكمة الكرخ المختصة بقضايا النشر والإعلام”. وأثارت حملة “بلغ” الأخيرة والتي تستهدف أصحاب المحتوى الهابط على مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً واسعاً لدى المراقبين للمشهد العراقي بين مؤيد للحملة ورافض لها.

اعتقال عشرات النساء، ومعظمهن من الفاشينستات في ما لم يتم اعتقال إلا عدد نادر من الرجال، 3 إلى 5 أشخاص كحد أقصى

ولاقت الحملة تفاعلاً إيجابياً وتأييداً شعبياً واسعاً إذ يرى مواطنون أن الحملة تهدف لحماية الأسرة العراقية من الكلمات البذيئة والأفعال الخادشة للحياء التي يعمل المشاهير على نشرها على منصات التواصل الاجتماعي.

في حين يرى العديد من الناشطين أن المحتوى الهابط غير محدد من قبل السلطات العراقية متحدثين عن أن المحتوى الهابط المقصود بكتاب مجلس القضاء الأعلى غامض وغير مفهوم وسط دعوات لتعريفه وتوضيحه.

وكشف مدونون عن قلقهم البالغ إزاء الحملة الأخيرة التي قامت بها السلطات العراقية إذ يرى القسم الكبير منهم أن الحملة بداية لما سمّوه “سياسة تكميم الأفواه” حيث تداولوا كتاب مجلس القضاء الأعلى المتضمن نصه أن يمنع الإساءة إلى المؤسسات واعتبروا أن أيّ نقد لعمل المؤسسات قد يعرض صاحب النقد للاعتقال والملاحقة القانونية.

وأعرب نشطاء ومدافعون عن حقوق الإنسان عن مخاوفهم من احتمالية أن تكون هذه الإجراءات بداية لحملات موسعة تستهدف كل الذين يختلفون في الرأي مع السلطات أو موظفي الخدمة العامة أو يعبرون عن آرائهم بطرق سلمية وفقاً لما كفله الدستور العراقي في المادة 38.

وبحسب خبراء في القانون فإن حملة مكافحة المحتوى الهابط غير قانونية بالمطلق؛ لأنها تتنافى مع الدستور العراقي أولا، ومع مادة مبادئ الديمقراطية التي كفلها الدستور ثانيا، ومع مادة حرية الرأي والتعبير ثالثا، ولا وجود لأيّ مادة قانونية صريحة يمكن الاستناد عليها لتنفيذ الحملة.

ويرى آخرون أن الطبقة السياسية الحاكمة، كرّست لغة الكراهية تحت يافطة الدين ضد الفلوغرات بشتى الطرق، بداية من الجيوش الإلكترونية وصولا إلى تلقين بعض رجال الدين بالحديث عن الفلوغرات والفاشينستات والتحريض ضدهن في المجالس والمنابر والخطب الدينية، وجعلت منهن شياطين يهدّمن قيم المجتمع وأخلاقه ويتسبّبن بانحلاله، حتى وصل الأمر إلى شن حملة “مكافحة المحتوى الهابط”.

ومنذ تدشين الحملة، جرى اعتقال عشرات النساء، ومعظمهن من الفاشينستات في ما لم يتم اعتقال إلا عدد نادر من الرجال، 3 إلى 5 أشخاص كحد أقصى، وهم “كيمو، فارس صاكرهم، حسحس”.

وتقول الناشطة الحقوقية زهراء علي، إن هذا الأمر يعود إلى أننا نعيش في منظومة أبوية ذكورية قائمة على الوصاية على النساء، والمرأة هنا يتم اعتبارها بأنها هي من تمثّل أخلاقيات المجتمع، فوجَب تقييدها، ولهذا يتم التركيز على النساء لتغييبهن.

التركيز على النساء غايته تخويفهن تدريجيا بتقنين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وعدم تصوير مقاطع وصور بأريحية وعفوية وتقييد حريتهن الشخصية

وتوضح علي أن التركيز على النساء غايته تخويفهن تدريجيا بتقنين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وعدم تصوير مقاطع وصور بأريحية وعفوية وتقييد حريتهن الشخصية، وبالتالي فإن الغرض، هو السيطرة على النساء وخاصة الفاشينستات، وإبعادهن عن الحيز العام، معبرة عن أسفها ممّا وصفته “قهر النساء” وتضييق حياتهن، تحت ذريعة الدين والأخلاق.

وبعد تعبير جماعات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني عن قلقها من الحملة، ظهر رئيس خلية الإعلام الأمني في وزارة الداخلية سعد معن على شاشات التلفاز والصحف مطمئناً أن “المسألة ليست لها علاقة أبداً بحرية التعبير وأن هؤلاء النفر لا يمثلون العراق ولا المرأة العراقية ولا المجتمع العراقي”، وفق تعبيره. ودعا أصحاب “المحتوى الهابط” إلى “إبداء حسن النية ومسح كل محتواهما السيء”.

وانتقد الصحافي والمحلل السياسي علي الحبيب حملة “المحتوى الهابط” من ناحية “قياس المعايير الأدبية والأخلاقية بمقاييس وضعت من قبل وزارة الداخلية في ظل عدم وجود نص قانوني واضح”. وقال الحبيب في تصريحات صحفية إن الموضوع “تحول أحيانا إلى قضية تتعلق باستهداف وتصفيات أو إقصاء لشخصيات معينة ضمن الحملة”.

ويرى أن “المحتوى الهابط” لا يتعلق فقط بمقاطع السخرية وغيرها “فلدينا محتوى هابط لشخصيات وجهات سياسية لم تطلها الحملة، وكان من المفترض أن يتم التوجه لها، منها التحريض الطائفي أو القتل”.

وتابع “علينا ألا ننكر أن الكثير من هذه الشخصيات على مواقع التواصل تسيء للآداب العامة التي يذكرها القانون الذي تم الاستناد عليه. ولكن، لا يوجد تحديد لمفهوم الآداب العامة وأصبح من الأمور التي يتم الترصد بها للآخرين وهو أمر لم يوضح لا في القانون ولا في الدستور”.

وعن نتائج الحملة التي قادتها وزارة الداخلية، اعتبر أن “هناك إيجابيات كثيرة، إلا أن السلبيات أكبر بكثير؛ فالحملة شملت فئة دون أخرى، وهناك فئات تنتقص من فئات اجتماعية عراقية أخرى وتثير الطائفية وتتحدث بألفاظ غير محترمة وغير مقبولة لم تطلها الحملة التي تم تطبيقها”. وأضاف “كما كان الأجدر بالحملة أن تبدأ بأسلوب إصلاحي أولاً عوضاً عن الأسلوب العقابي الذي اتخذته، من خلال الاعتماد على خطوات عديدة قبل حكم السجن بحق المتهمين، كتوجيه إنذار عن المحتوى وتقديم دعم لتحسين نوعية ما يتم تقديمه، ثم إذا استمر الشخص يتم تغريمه وأن يكون السجن آخر الحلول”.

5