نذر تصعيد بين النقابات ووزارة التعليم في تونس مع اقتراب العام الدراسي

النقابات تتحرك ضد ما تعتبره تغييبا للطرف الاجتماعي.
الخميس 2024/09/05
مؤشرات عن سنة دراسية ساخنة

توحي جميع المؤشرات بأن تونس مقبلة على سنة دراسية ساخنة، في ظل توجه النقابات للتصعيد ضد وزارة التربية، عبر إقرار إضرابات تتخللها وقفات احتجاجية، وتأتي هذه التحركات كرد على ما تعتبره الهياكل النقابية تجاهلا لها من قبل الوزارة.

تونس - عاد التوتر بين وزارة التربية ونقابات التعليم الأساسي والثانوي في تونس، مع اقتراب العودة المدرسية التي لم يعد يفصل عنها سوى أحد عشر يوما. ويرى متابعون أن المؤشرات توحي بعام ساخن بين الطرفين، في ظل اتهامات النقابيين للوزارة بتجاهلهم وعدم الإيفاء بالتزامات سابقة.

وكانت الهيئة الإدارية للجامعة العامة للتعليم الثانوي، التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية في تونس)، أقرت خلال اجتماع لها في الثاني عشر من أغسطس الماضي، إضرابا عن العودة المدرسية. وبينما لم يتحدد بعد تاريخ الإضراب، لم تنتظر النقابات العودة المدرسية للبدء بالاحتجاج، بل شرعت بوقفات احتجاجية أمام مندوبيات التعليم (رسمية) بمختلف محافظات البلاد.

ويأتي التصعيد النقابي في وقت تشهد فيه البلاد سجالات بشأن الانتخابات الرئاسية، وعملية إقصاء مرشحين للاستحقاق، والتي دخل على خطها الاتحاد العام التونسي للشغل. وقال توفيق الشابي، عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي إن "أهم سبب للتوتر الحالي هو ضرب الحق النقابي وانعدام التفاوض بين وزارة التربية والأطراف الاجتماعية (النقابات)".

وأضاف الشابي "هناك تنكر والتفاف على الاتفاقات ومحاضر الجلسات بين الوزارة والأطراف الاجتماعية وعدم تطبيقها وتفعيلها وضرب جملة من المكتسبات". ومن بين أسباب التوتر بين الطرفين هو تعيين مديري المدارس، والذي يتم وفق اتفاقات سابقة بين النقابات ووزارة التربية، وتبدي فيه النقابات رأيها.

وتابع الشابي "تغييب الطرف الاجتماعي في إنجاز حركة النقل الإنسانية وتقريب الأزواج (المدرسين في مواقع العمل) وتغييب الطرف الاجتماعي في تحديد قانون نتج عنه اكتظاظ في الفصول". وأوضح أن "هناك مدارس يوجد فيها 40 تلميذا في الفصل الواحد، (وهذا) لا يمكن التلميذ من عدد ساعات مطالب بها في التمدرس، وهذا فيه ضرب للعدالة الاجتماعية".

توفيق الشابي: أهم سبب للتوتر الحالي هو انعدام التفاوض
توفيق الشابي: أهم سبب للتوتر الحالي هو انعدام التفاوض

وحول التفاعل مع الوزير الجديد للتربية نورالدين النوري، قال الشابي "لا تعنينا الأسماء، وإنما تفاعل أي وزير مع مطالب القطاع واستعداده للتفاوض". وأجرى الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 أغسطس الماضي تعديلا موسعا على الحكومة شمل 19 وزيرا و3 كتّاب دولة (نائب وزير)، وحل النوري محل وزيرة التربية سلوى العسكري.

وتابع الشابي "وجهنا مراسلة إلى الوزير الجديد لتحديد جلسة لحلحلة الواقع وتجنب كل من شأنه توتير العلاقة وجعل العودة المدرسية متوترة". وأضاف أن "هناك حقيقة لا ننكرها، وهو الوضع المادي المتردي للمربي (المدرس) ونطالب بتحسينه، والجميع يقر بتدهور المقدرة الشرائية وضعف الأجور (..) وهذا لا يتم إلا بالجلوس على طاولة المفاوضات".

وأردف "نراعي الواقع الاقتصادي، لكن هناك قطاعات أخرى تم إبرام اتفاقات معها حول المسائل المالية، بينما التعليم الأساسي حُرم من ذلك، وعندما نتفاوض يمكن أن نجد مخارج نقر بها زيادة (مالية) ثم نتفق على توقيت تفعيلها". وغلب التوتر على العلاقة بين نقابات التعليم والحكومات المتعاقبة على تونس منذ الإطاحة بحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في العام 2011، ويعاب على الحكومات أنها لم تنفذ ما يتم التوصل إليه من التزامات.

ويقول متابعون إن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد لعبت دورا كبيرا في الحيلولة دون تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، فضلا عن أن كل حكومة جديدة أو وزير جديد للقطاع يتعاطى بشكل غير الزامي مع الاتفاقات التي تم إبرامها. ويشير المتابعون إلى مشكلة أخرى برزت في السنوات الأخيرة، وهي حالة شبه القطيعة بين الحكومة والنقابات.

وقال كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الثانوي محمد الصافي إن “وزارة التربية ترفض الحوار وتلتف على محاضر الجلسات التي أُبرمت بيننا". وزاد الصافي بأن "تحركات قطاع التعليم الثانوي تأتي بالشراكة مع التعليم الأساسي ضمن وقفات احتجاجية، على خلفية تعنت سلطة وزارة التربية".

وتابع "الوقفات الاحتجاجية هي قرارات صادرة عن الهيئتين الإداريتين الأولى للتعليم الثانوي في 12 أغسطس والثانية للتعليم الأساسي يوم 17 أغسطس”. و”هذه الوقفات هي ردة فعل على ضرب الحق النقابي، وكنا قد عبرنا في بياناتنا وتصريحاتنا أن سلطة الإشراف (الوزارة) تلتف على كل الاتفاقات وتعمل على أن تكون القرارات أحادية الجانب".

وشدد على أن "غلق باب الحوار واقع نعيشه، فلم نعد نجلس لوزارة التربية، حتى وإن جلسنا تكون الجلسة شكلية، وهذا مرفوض". وبالنسبة للصعوبات الاقتصادية في تونس وضرورة مراعاتها، قال الصافي "لا نرفع أي مطلب مادي بشكل محدد في لوائحنا، وتحديدا اللائحة المهنية الصادرة عن مؤتمرنا الأخير (أكتوبر الماضي)".

واستطرد "التوتر مع وزارة التربية ليس سببه مطالب مادية، بل مسائل تتعلق بما هو تقييم (للعمل التربوي) واتفاقات، وآخرها محضر جلسة أُبرم بيننا يوم 25 أبريل 2024". وأوضح “كنا ننتظر أن يقع تفعيل هذه النقاط، ومنها ما يتعلق بالأساتذة النواب (متعاقدين تمت الاستعانة بهم لسد عجز) والنظار والمديرين وتفعيل اتفاق 2019 و2020، وأخرها تشكيل لجنة يُعهد لها معالجة ما ورد في اللائحة المهنية لمؤتمرنا الأخير".

◙ المؤشرات توحي بعام ساخن بين النقابة ووزارة التربية في ظل اتهامات النقابيين للأخيرة بتجاهلهم وعدم الإيفاء بالتزامات سابقة

ولفت الصافي "نحن نعي أن هناك وضعية صعبة اقتصادية واجتماعية ومناخية، ولكننا لم نجلس بعد لطاولة المفاوضات". وتساءل "هل يمكن أن نحكم أن قطاع التعليم الثانوي يسعى إلى تعطيل المرفق العمومي كما ادعت الوزيرة السابقة بأننا لا نريد عودة مدرسية هادئة. هذا فيه إجحاف وتشويه للحقائق".

وقال إن "المطلبية سواء كانت مالية أو غيرها مكفولة بالدساتير والمعاهدات الدولية ولا يحق لأحد أن يقف ضدها”. وأضاف أن "الحديث عن التهديد بالإضراب كأننا نستعمل مصطلحا مشحونا بعدائية وصدام، لا نهدد ومَن يفهم دواليب (مؤسسات) إدارة الدولة، وفق ما نص عليه الدستور، يفهم أن الإضراب حق تشرعه الدساتير".

وتابع "قلنا ضمن ما صدر عن هيئتنا الإدارية ليوم 12 أغسطس أن مبدأ الإضراب يبقى قائما ونعتبره من أرقى أشكال الاحتجاج، وهذا موكول للهيئة الإدارية التي بقيت في حالة انعقاد". وأردف الصافي “برمجنا مع قطاع التعليم الأساسي لوقفة غضب يوم 11 سبتمبر أمام وزارة التربية، إذا بقيت طرق الحوار مسدودة وظلت الوزارة على تعنتها”.

ورأى أنه “تعنت لا نجد له مصوّغ، خاصة بعد تحوير (تعديل) وزاري شمل وزارة التربية، وكنا نعتقد أننا سنمر إلى مرحلة جديدة، وهي مرحلة الحوار والتفاوض حول مسائل لا نراها معقدة بالمرة”. وشدد الصافي على أن “تحركاتنا لا علاقة لها بأي أجندات (سياسية)، بل بإيماننا بالمدرسة العمومية وتهيئة الظروف الملائمة لأبنائنا التلاميذ”.

وخلال تسلمه مهامه، تحدث الوزير نورالدين النوري عن “ضرورة مواصلة الإصلاح وتلبية حاجيات الأسرة التربوية". وشدّد على “أهمية إحكام التنسيق بين الإدارات المركزية والمندوبيات الجهوية للتربية، لتحقيق التكامل والانسجام والنجاعة في العمل”. وقال النوري إن “العمل المستقبلي سيعتمد على مقاربة تشاركية، بحيث تشرك جميع كفاءات الوزارة لتحقيق أقصى ما يمكن من الأهداف المرسومة”.

ووفق أرقام رسمية للعام الدراسي 2023 – 2024، بلغ عدد التلاميذ مليونين و356 ألفا و630 في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية. فيما بلغ عدد المدرسين القارين (رسميين) والمتعاقدين 156 ألفا و234 مدرسا للمراحل كافة، يتوزعون على 6 آلاف و139 مؤسسة تربوية.

 

اقرأ أيضا:

4