تحديات الديون المتزايدة تعيق طموح مصر لتصبح مركزا للغاز

تشكل تحديات الديون المتزايدة لمصر حجر عثرة أمام ترجمة طموحاتها للتحول إلى مركز إقليمي رئيسي في صناعة الغاز، مما يلقي الضوء على المحنة التي تواجه الحكومة رغم المحاولات المضنية لزيادة الإنتاج عبر عقد شراكات جديدة.
القاهرة - تصطدم طموحات الحكومة المصرية لتكون منتجا مهما للغاز الطبيعي المسال بتحديات تنامي ديونها، والتي يقول محللون إنها تعرقل تحقيق الهدف، الذي كان في فترة ما أحد المحاور التي تركز عليها لتقليص الإنفاق على استيراد الطاقة.
وقبل خمس سنوات، كانت مصر واحدة من مراكز الغاز الإقليمية الجديدة الواعدة وربما العالمية المحتملة مع دخول أكبر حقولها في سواحل المنطقة مرحلة الإنتاج بالتعاون مع إيني الإيطالية.
وبعد اكتشاف حقل ظهر الضخم قبل حوالي عقد من الزمن، كان الوعد مبررا. والآن، اضطرت السلطات إلى زيادة الاقتراض سواء من صندوق النقد الدولي أو من خلال الشراكات الثنائية لإبقاء الأضواء مضاءة.
وبدأ حقل ظهر، الذي اكتشفته إيني في 2015، الإنتاج بعد ثلاث سنوات، وزاد بسرعة كبيرة إلى ملياري قدم مكعبة يوميا، من 350 مليون قدم مكعبة يوميا.
وارتفع الإنتاج إلى 3.2 مليار قدم مكعبة في العام 2019. وبعد ذلك، بدأ في الانخفاض، حيث انخفض إلى 1.9 مليار قدم مكعبة في النصف الأول من هذا العام.
وبحسب إيرينا سلاف، الكاتبة في مجال الطاقة بمنصة “أوبل برايس” الأميركية، فإن هذا الإنتاج لم يكن كافيا لتغطية الطلب المحلي على الطاقة، ولذلك، اضطرت مصر إلى استيراد الغاز.
وقالت سلاف إن “الطموحات الكبيرة لمصر كقوة إقليمية في مجال الغاز مبررة تماما، ولكن ما يبدو أنه تم إغفاله هو الطلب المحلي المتزايد على الطاقة مع تضخم عدد السكان، وتقدم التحضر، وكذلك التصنيع”.
وأضافت أنها “عملية حدثت في جميع البلدان المتقدمة وتجري حاليا في البلدان النامية، وتشكل أزمة الطاقة هذا العام تذكيرا آخر بالأهمية الحيوية لأمن إمدادات الطاقة قبل أي شيء آخر”.
وكانت البلاد بالفعل مستوردا كبيرا للغاز الطبيعي من إسرائيل، ومع ذلك، كان على مصر الصيف الماضي أن تتواصل مع جيرانها في الخليج العربي للحصول على الدعم الكافي لمواجهة تداعيات الحرب في شرق أوروبا. ودفعت السعودية وليبيا ثمن شحنات الغاز الطبيعي المسال التي سيتم تسليمها إلى مصر، وفقا لتقرير نشرته رويترز مؤخرا.
واشترت مؤسسة النفط الليبية شحنة واحدة من الغاز الطبيعي المسال مقابل 50 مليون دولار في يوليو الماضي، بينما دفعت السعودية كلفة ثلاث شحنات بإجمالي 150 مليون دولار، حسبما ذكرت مصادر لرويترز، لم تسمها. ومنذ بداية العام الحالي، اشترت مصر 32 شحنة من الغاز الطبيعي المسال، عبر منشأتي التغويز بميناء العقبة ورصيف العين السخنة.
ويبلغ إنتاج مصر من الغاز حاليا قرابة 4.6 مليار قدم مكعبة يوميا، وهو الأدنى منذ 6 سنوات، فيما يبلغ الاستهلاك المحلي 6.2 مليار قدم مكعبة يوميا، أي أن لدى البلد الأكبر عربيا من حيث عدد السكان، عجزا بحوالي 1.6 مليار قدم مكعبة يوميا.
وفي العام الماضي، بلغ الإنتاج 59.29 مليار متر مكعب، وهو أقل مستوى منذ 2017، بانخفاض نسبته 11.5 في المئة على أساس سنوي، حسبما تظهر أرقام مبادرة بيانات المنظمات المشتركة (جودي).
واستيراد الغاز الطبيعي ليس بالأمر غير المعتاد بالنسبة لمصر، التي تصدر بعض الغاز الذي تنتجه خارج أشهر الصيف لتعزيز ملاءتها المالية الضعيفة أصلا بفعل الالتزامات المالية الكبيرة مقابل قلة الإيرادات.
ولكن الصيف هو موسم ذروة استهلاك الكهرباء بسبب الحرارة المرتفعة خلال السنوات الأخيرة بفعل تغير المناخ، ويبدو أن الطلب ارتفع بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية في حين لم يرتفع إنتاج الغاز.
واضطرت القاهرة إلى اللجوء إلى خفض الأحمال العام الماضي للحفاظ على عمل شبكتها وسط نقص إمدادات الغاز وارتفاع الطلب، وتؤدي أزمة الطاقة المتفاقمة إلى إجهاد ميزانية القاهرة وهي تكافح مع فاتورة دعم ثقيلة.
وعززت الحكومة دعم الوقود والغذاء هذا الصيف، لكن هذه الزيادات لا تعوض عن انخفاض قيمة الجنيه بنسبة 60 في المئة منذ مارس 2024، مما يترك السكان يكافحون مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
وبالإضافة إلى الطلب المتزايد على الكهرباء خلال الصيف، انخفض إجمالي إنتاج الغاز في مصر إلى أدنى مستوى له في ست سنوات في وقت سابق من عام 2024.
وكان جزء من سبب هذا الانخفاض هو انخفاض إنتاج حقل ظهر، إلى جانب خفض الاستثمارات من قبل شركات الطاقة الكبرى العاملة في البلاد. والسبب في ذلك الديون غير المسددة.
وذكرت رويترز هذا الأسبوع أن مصر تراكمت عليها ديون تبلغ 6 مليارات دولار مقابل إمدادات الغاز والوقود الأخرى. ومن هذا الإجمالي، كان 1.27 مليار دولار ديون لشركة إيني، ومعظمها مستحق لإمدادات الغاز.
وقال متحدث باسم الشركة إن “بعض ذلك تم سداده”، لكنه أشار أيضا إلى أن إيني راجعت خططها الاستثمارية لمصر هذا العام على أساس “الكفاءة والأداء الميداني".
وبلغ الدين الخارجي لمصر 154 مليار دولار بنهاية مايو الماضي، وفق إحصائيات البنك المركزي، وهو ما يقترب من أعلى مستوى على الإطلاق في نهاية عام 2023 عند نحو 168 مليار دولار.
وقالت منى سكرية، مستشارة المخاطر السياسية والمؤسسة المشاركة لشركة المنظور الإستراتيجي للشرق الأوسط، "يأتي هذا العبء المالي (فاتورة الغاز) في وقت حرج بالنسبة لمصر حيث تواجه مشاكل في كبح فاتورة الدعم، ما قد يؤثر على الاستقرار العام".
وتعد شركة بتروناس، المشغل الحكومي للنفط والغاز في ماليزيا، دائنا آخر للقاهرة، التي تكافح مع انخفاض العملة المحلية، حيث خفضت استثماراتها في التنقيب عن الغاز في غرب دلتا النيل حتى تسدد مصر بعض الأموال المستحقة عليها للشركة.
ومن ناحية أخرى، أعلنت مجموعة كارلايل الاستثمارية العملاقة في يونيو الماضي، استحواذها على أصول الطاقة في مصر من إنرجيان ولديها خطط كبيرة للاستثمار فيها. وشملت هذه الخطط زيادة إنتاج النفط والغاز في مصر، وتحويلها إلى مركز توزيع لأصولها الأخرى في البحر المتوسط.