بنوك الدول الناشئة والنامية أمام حتمية مواكبة موجة تمويل المناخ

واشنطن - تتزايد التحذيرات من كون تقاعس القطاع المصرفي في الاقتصادات الناشئة والنامية عن تمويل خطط مكافحة التغير المناخي سيعرقل إستراتيجية الحكومات نحو تحقيق أهدافها للحياد الكربوني.
وأكد البنك الدولي في تقرير حديث أن الإقراض المخصص لأغراض الاستثمارات المرتبطة بالمناخ في نحو 60 في المئة من البنوك في هذه الاقتصادات يمثل أقل من 5 في المئة من إجمالي محافظها الاستثمارية.
وبحسب تقرير البنك المنشور على منصته الإلكترونية بعنوان “التمويل والرخاء 2024” فإن أكثر من ربع هذه البنوك لا يقدم أيّ تمويل للأنشطة المناخية على الإطلاق. ويُعد هذا الأمر في غاية الأهمية نظراً إلى أن البنوك في الاقتصادات النامية تهيمن على القطاع المالي، على عكس الاقتصادات المتقدمة، حيث يكون القطاع المالي أكثر تنوعاً.
وثمة قناعة راسخة بأن يكون لتغير المناخ تأثير كبير على الفرص الاقتصادية ونواتج التنمية في هذه الدول، ما يتطلب استثمارات أكبر بكثير مما تحصل عليه حاليا. وفي ضوء ذلك، فإنه يمكن للبنوك في هذه الاقتصادات أن تضطلع بدور أكبر في سد فجوة تمويل الأنشطة المناخية.
وقال أكسيل فان تروتسنبرغ المدير المنتدب الأول لشؤون سياسات التنمية والشراكات بالبنك إن هذه الاقتصادات "تواجه فجوات تمويلية كبيرة في الاستثمارات المخصصة للحد من الانبعاثات الكربونية وبناء القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ".
وأضاف "هناك ضرورة لتكثيف العمل المناخي وجذب الاستثمارات الخاصة، وهذا الأمر يتطلب عملاً جماعياً، ولا غنى عن القطاع المصرفي في هذه العملية الانتقالية”. وأكد تروتسنبرغ أن القطاع الخاص يمكن أن يؤدي دوراً محورياً في تمويل مسار التنمية الخضراء والمستدامة ومنخفضة الكربون.
وتقوم السلطات المصرفية في مناطق أخرى من العالم باختبار أساليب جديدة لدعم تمويل الأنشطة المناخية، دون المساس بالأهداف المهمة التي تتمثل في تحقيق استقرار القطاع المالي والشمول المالي للفئات المحرومة من الناس.
وعلى سبيل المثال، يمثل اعتماد التصنيفات الخضراء والمستدامة، وهو نظام التصنيف الذي يحدد الأنشطة والاستثمارات اللازمة لسعي البلدان نحو تحقيق أهداف بيئية محددة وغيرها من الأهداف، أمراً ضرورياً لزيادة أنشطة الإقراض المرتبط بالمناخ. ولا تغطي هذه التصنيفات حاليا سوى 10 في المئة من الاقتصادات الناشئة والنامية مقابل 76 في المئة من الاقتصادات المتقدمة.
وقال بابلو سافيدرا، نائب رئيس البنك لشؤون الرخاء “هناك نقص واضح في تمويل أنشطة التكيف، إذ لا يوجه لهذه الأنشطة سوى 16 في المئة من حجم التمويل المحلي والدولي للأنشطة المناخية في الاقتصادات الناشئة والنامية باستثناء الصين”. وأوضح أنه من بين هذه النسبة الصغيرة، فإن 98 في المئة إما موارد عامة أو تمويل من جهات رسمية.
وبالإضافة إلى ضرورة زيادة قروض البنوك الموجهة لهذه الأنشطة، فإن تقليص الفجوة يتطلب التوسع في أسواق رأس المال والتأمين في الاقتصادات النامية لتوفير التمويل الضروري طويل الأجل للبنية التحتية الحيوية القادرة على الصمود في وجه تغير المناخ.
ومن المهم أيضا، وفق سافيدرا، تيسير سبل الحصول على الخدمات المالية أمام الناس، لاسيما من ينتمون إلى الفئات الأكثر احتياجا.
ويُعد تقرير البنك الدولي العدد الافتتاحي من سلسلة تقارير تصدر سنوياً وتتناول بالبحث التطورات التي يشهدها القطاع المالي ومواطن الضعف التي يعانيها في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
ويتضمن التقرير اثنين من الموضوعات الخاصة، وهما “العلاقات المتداخلة بين الكيانات السيادية والبنوك” و”المناخ والقطاع المصرفي”. واستنادا إلى بيانات جديدة، يسلط التقرير الضوءَ على التفاوت في صلابة القطاعات المالية واستقرارها.
وخلص تحليل شمل 50 بلدا تمثل 93 في المئة من إجمالي الأصول المصرفية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية إلى أن 30 في المئة من هذه البلدان تواجه مخاطر مرتفعة تتعلق بالقطاع المالي خلال الاثني عشر شهراً القادمة.
وتفتقر غالبية هذه البلدان إلى إطار ملائم للسياسات العامة والقدرات المؤسسية اللازمة لمواجهة التحديات التي تواجه الاستقرار المالي.
ويركز التقرير كذلك على حيازة البنوك المحلية لأرصدة كبيرة من الديون الحكومية، والتي تمثل نقطة ضعف لبعض الاقتصادات وخاصة التي تواجه تحديات تتعلق باستمرارية قدرتها على تحمل الدين العام.
وبين عامي 2012 و2023، ارتفع حجم قروض البنوك التي تقدمها كديون حكومية بنسبة تتجاوز 35 في المئة. ويقدم التقرير توصياته للبلدان بضرورة التبكير بتنفيذ الإجراءات الخاصة بتقوية هوامش الأمان المصرفية، وتفعيل شبكات الأمان المالي، وإجراء اختبارات تحمّل الضغوط، وتطبيق مجموعة متنوعة من الأدوات الأساسية.
وهذه الأدوات تشمل آليات إدارة الأزمات المشتركة بين البنوك والهيئات المصرفية، والتفعيل الكامل لمساعدات السيولة الطارئة، والأطر القوية لتسوية الأوضاع المصرفية، وأنظمة التمويل الكافي للتأمين على الودائع للحد من احتمال حدوث ضغوط مالية.
وبالإضافة إلى ذلك، طالب البنك الدولي البلدان النامية بدراسة تطبيق متطلبات الإفصاح عن حجم القروض التي تقدمها البنوك للحكومة من أجل تشجيعها على اتخاذ المزيد من إجراءات التحوط في تحمل مخاطر الإقراض وتعزيز انضباط الأسواق المالية.