خلاف قانوني بين هيئة الانتخابات والمحكمة الإدارية يربك انتخابات تونس

تونس- رفضت هيئة الانتخابات قرار المحكمة الإدارية قبل أيام الذي يقضي بإرجاع ثلاثة مرشحين إلى سباق الانتخابات الرئاسية، في خطوة قد توسع الخلافات التي تحيط بالانتخابات وتمس من صورتها في الداخل والخارج.
وبدا أن الأمر يتعلق بصراع إرادات بين المؤسسات الدستورية المتدخلة في الانتخابات أكثر منه تأثيرا سياسيا لجهة ما، سواء في السلطة أو في المعارضة.
ويقول قضاة المحكمة الإدارية الذين انخرطوا في الجدل بشكل علني، على غير عادة ما تقتضيه حساسية منصبهم، إن المحكمة هي أعلى هيئة قضائية تفصل في النزاعات الانتخابية. لكن رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر يذهب إلى عكس ذلك ويقول إن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي “الجهة الوحيدة المخولة دستوريا بضمان نزاهة الانتخابات”.
ولم تقر هيئة الانتخابات سوى ترشيح قيس سعيد ومرشحين اثنين آخرين هما رئيس حركة الشعب زهير المغزاوي والعياشي زمال لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر، وألغت ترشيح عبداللطيف المكي، الأمين العام لحزب العمل والإنجاز (المحسوب على حركة النهضة)، والمنذر الزنايدي، وهو وزير سابق في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي (المحسوب على حزب التجمع الدستوري الديمقراطي ومنظومة ما قبل 2011)، وعماد الدايمي، مدير ديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي (المقرب من النهضة والتيار الديمقراطي).
وشدد بوعسكر على “اعتبار قائمة المرشحين المقبولين المصادق عليها في مجلسها المنعقد يوم 10 أغسطس قائمة نهائية وغير قابلة للطعن”، في رسالة واضحة يفيد مضمونها بأن لا سلطة أعلى من سلطة هيئة الانتخابات وقرارها الذي يقضي برفض المرشحين الذين أعادتهم المحكمة الإدارية إلى السباق الرئاسي.
وقال أساتذة تونسيون مختصون في القانون الدستوري إن الهيئة الانتخابية يجب أن تنفذ قرار المحكمة الإدارية كما هو دون أي اجتهاد وإلا ستفقد الانتخابات مصداقيتها.
وما يشير إلى أن الصراع هو صراع صلاحيات قضائية أن بوعسكر قال إنه لم يتسن له ولهيئة الانتخابات “الاطلاع على نسخ الأحكام الصادرة مؤخرا عن الجلسة العامة للمحكمة الإدارية لعدم إعلام الهيئة بها طبقا للقانون في أجل 48 ساعة من تاريخ التصريح بها من طرف المحكمة الإدارية”، وهو ما يعني أن الخلاف يتعلق بالشكليات وليس خلافا حول تأويل القانون.
لكن المتحدث الرسمي باسم المحكمة الإدارية فيصل بوقرة قال إن “المحكمة الإدارية أرسلت نسخا من شهادة منطوق الحكم إلى الهيئة في الآجال القانونية قبل أن نصرّح بالأحكام في الإعلام والهيئة ملزمة بالتطبيق وفق الفصل 25 من القانون”.
وقالت رئيسة اتحاد القضاة الإداريين رفقة المباركي في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية “إن هيئة الانتخابات قامت بـانتهاك جسيم للقانون والقرارات والمبادئ الدستورية لعدم تطبيقها لأحكام باتة صادرة عن المحكمة الإدارية” .
وحول تصريح بوعسكر بتعذر الإطلاع على نسخ الأحكام، أكدت المباركي أن في ذلك “مغالطة للرأي العام”، مبينة أنه استند إلى الفقرة الأخيرة من الفصل 47 من القانون الانتخابي التي تنص على الإعلام في أجل 48 ساعة من تاريخ التصريح من طرف كتابة المحكمة الإدارية وتغافل عما ورد في الفقرة التي وردت قبلها والتي تنص على أن “قراراتها باتة وغير قابلة لأي وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب”.
واعتبر مراقبون أن الأمر سيخرج عن صراع الصلاحيات والتنافس بين المؤسسات إلى الهز من صورة الانتخابات وصورة تونس، وهو بذلك يخرج عما هو قانوني إلى ما هو سياسي.
واعتبرت نجاة الزموري، نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن “هذه أزمة قانونية بالأساس وسياسية أيضا، وهيئة الانتخابات تجاوزت الفصل 47 من المجلة الجزائية، كما أن القانون الانتخابي يعطي حقّ رفض قرارات الهيئة والطعن فيها”.
وقالت الزموري في تصريح لـ”العرب”: “اتضح أن الهيئة غير مستقلة وتخدم مرشحا واحدا، والقرار الذي اتخذته سياسي”، لافتة إلى أنه “كان لدينا بصيص من الأمل في أن الهيئة سترضخ لقرار المحكمة الإدارية وستعيد المرشحين إلى السباق الرئاسي”.
والاثنين استنكرت حملة عبداللطيف المكي “ما أعلنته هيئة الانتخابات من إصرار على نفس أسلوب الإقصاء وتجاوز القانون بشكل صارخ في مناخ يعمّه الضغط والترهيب ضد المرشحين الجادّين”.
وقال الفريق القانوني لمنذر الزنايدي في بيان إن “هيئة الانتخابات أصبحت منزوعة الاستقلالية وأصدرت قرارا سياسيا متعسفا بعد أن كانت قد انخرطت في المنازعة القانونية وقبلت بها ويفترض منها القبول بحكمها”.
وأضاف البيان أن ما قامت به الهيئة “يحيل قرارها إلى المعدوم لمخالفة كل القوانين والإجراءات علاوة على أنه سوف تكون له استتباعات وآثار على نتائج الانتخابات ويشكل سابقة خطيرة تقوض دولة القانون والمؤسسات وتهدِّد السلم الأهلية”.
وعقّد اعتقال الشرطة صباح الاثنين المرشح الرئاسي العياشي زمال بتهمة تزوير التوقيعات المشهد أكثر، وقال أحد أعضاء حملته الانتخابية إن الاعتقال يهدف إلى استبعاد زمال من السباق وتشتيته عن القيام بحملته الانتخابية.
والاثنين تجمع العشرات من الناشطين بالقرب من مقر الهيئة ورفعوا شعارات ضدها وطالبوها بالاستقالة.
وقال هشام العجبوني القيادي في حزب التيار الديمقراطي “هذا انقلاب كامل على إرادة الناخبين. هذه سابقة في تاريخ الانتخابات أن الهيئة لا تحترم قرار المحكمة الإدارية”، مضيفا “انتقلنا إلى قانون القوة ودولة لا قانون. إنها مهزلة”.