شبهة هدر للمال العام في مشروع إقامة مطبعة للمصحف في الكويت

الكويت - يتعرّض مشروع إقامة مجمّع لطبع المصحف في الكويت لاعتراضات متزايدة من قبل جهات سياسية وقادة رأي رأوا في المشروع، الذي راجت مؤخرا أنباء بشأن شروع لجنة المناقصات التابعة للحكومة الكويتية في اختيار الجهة التي ستفوز بإنجازه، امتدادا للترف الذي ميّز سياسات الحكومات السابقة ولم يعد يتلاءم مع التوجّه الجديد نحو الإصلاح والحدّ من الهدر المالي وحسن توظيف موارد الدولة في مشاريع ذات جدوى وتمليها حاجات حقيقية للبلد وسكّانه.
وأثار المعترضون قضية جدوى المشروع الذي تقدّر كلفته المادية الأولية بأكثر من 52 مليون دولار وسيقام في منطقة جنوب السرة الراقية والمعروفة بارتفاع سعر أراضيها على مساحة تقدر بـ16 ألف متر مربع.
وقال هؤلاء إنّ الشحنة العقائدية والعاطفية التي يحتوي عليها المشروع والتي استخدمتها الأطراف التي وقفت وراء إطلاقه، لا تخفي حقيقة عدم وجود حاجة لطبع أعداد كبيرة من المصحف لكتلة بشرية لا يتجاوز عددها 4.5 من السكّان بينهم أعداد كبيرة من الوافدين الذين لا يدينون بالإسلام.
كما ردّوا على المجادلين بأنّ طبع المصحف في الكويت جزء من عمل دعوي موجّه للعالم غير الإسلامي، بأنّ بلدانا إسلامية أخرى تفوق الكويت حجما ومقدرات مارست مثل ذلك العمل الدعوي لسنوات طويلة وتبين لها عدم جدواه ولذلك تخلت عن ممارسته بأساليب من قبيل طبع المصاحف وتوزيعها في مجتمعات قلّ أن تلتفت إليها وتكلّف نفسها عناء قراءة ولو صفحات قليلة منها.
وذهب المعترضون حدّ إثارة شبهات هدر للمال العام وتنفيع على أساس حزبي في المشروع مؤكّدين وقوف قوى الإسلام السياسي وراءه بحثا عن طريقة للوصول إلى المال العام بعد أن باتت السبل تضيق أمامها منذ تمّ حلّ مجلس الأمّة الذي كان يمثّل أحد أبرز منصاتها للمشاركة في الحكم بشكل مباشر وممارسة ضغوط من خلاله على الحكومات وتوجيه سياساتها بما يخدم مصلحة تلك القوى من سلفيين وإخوان مسلمين.
واستند هؤلاء في ما ذهبوا إليه إلى كون الجهة الواقفة بشكل رئيسي خلف المشروع ليست سوى “الهيئة العامة للعناية بطباعة ونشر القرآن الكريم والسنة النبوية” التي يسيطر عليه سلفيون حركيون والتي تلبّست بها تهم موثقة في هدر المال العام من خلال فشلها التام في إنجاز المهمة التي أنشئت لأجلها حيث لم تقم قطّ بطباعة نسخة واحدة من المصحف وانصرفت نحو استيراده من الخارج ليتبين أكثر من مرّة أنّها قامت باستيراد طبعات ضعيفة مليئة بالأخطاء.
وعلى هذا الأساس أصبحت الهيئة موضع مطالبة رئيسية بحلّها في إطار التوجّه الحكومي لإصلاح الأجهزة الحكومية بما في ذلك حلّ الفائض عن الحاجة منها ودمج ما يمكن دمجه مع هيئات أخرى تعمل في نفس الحقل وتقوم بنفس الدور والمهام.
واكتست دعوة حلّ هيئة طباعة ونشر القرآن قدرا عاليا من الصدقية عندما صدرت عن أحد ممن كانوا دعوا أصلا لإنشائها بناء على نوايا حسنة آنذاك.
وكتب الإعلامي الكويتي والناشط في مجال التعليم والبيداغوجيا بدر خالد البحر مطالبا بحل الهيئة التي ذكّر بأنّه كان جزءا من “نواة تأسيسها لأنها فشلت ولم تطبع مصحفا واحدا”.
الشحنة العقائدية والعاطفية التي يحتوي عليها المشروع لا تخفي حقيقة عدم وجود حاجة لطبع أعداد كبيرة من المصحف لكتلة بشرية لا يتجاوز عددها 4.5 من السكّان
وعلى الطرف المقابل يقول القائمون على الهيئة إنّ الأخيرة تمارس دورها في حفظ الدين ونشره عبر العمل الدعوي. وكان أحدث ما أعلنت عنه من أنشطة قيامها صيف العام الماضي “بطباعة” 100 ألف نسخة من المصحف الشريف مترجمة إلى اللغة السويدية، بهدف توزيعها في مملكة السويد بالتنسيق مع وزارة الخارجية الكويتية.
ويعني الطبع والترجمة هنا حرفيا عملية استيراد من الخارج للنسخ المطبوعة والمترجمة وهو ما يطرح مشاكل في تدقيق تلك النسخ التي كثيرا ما اكتشف المختصّون احتواءها على أخطاء فادحة مخلة بقدسية النص المطبوع.
وكتب البحر في موضع آخر متحدّثا عن استيلاء ما سمّاه “حزب السلف” على الهيئة حين أصبح لها مشروع مطبعة بالمليارات من الدنانير. وقال إنّ الحزب أنشأ “لوبيّا” من أصحاب الشهادات العلمية المزورة ما لبث أن سيطر على مجلس الهيئة بتعيينات حزبية وقَبَلية “لتنطفئ الشعلة التي أوقدت المشروع ويدخل تحت عباءة المصالح بشكل مقزز أهدر الفكرة والمال العام فلم يتم حتى الآن إنشاء المجمع والمطبعة، أي لم تطبع نسخة واحدة من المصحف، أما الطبعات من خارج الكويت فعليها ما يكفي من ملاحظات، إحداها مضحك، وهو وضعهم لأسمائهم كمجلس إدارة في آخر المصحف في بدعة محدثة شاذة”.
وقال الكاتب أحمد الصراف في مقال له بشأن نفس الموضوع منشور على أعمدة صحيفة “القبس” المحلية إنّ مشروع مطبعة المصحف “سينتهي حتما إلى أيدٍ أغلبها من غلاة متطرفي الأحزاب الدينية، وسيتحوّل إلى ساحة صراع بينها، كما هو الحال مع كل مؤسسات الدولة الدينية خصوصا أن الكيكة كبيرة هذه المرة”.
وتوجّه بالخطاب إلى رئيس الوزراء الشيخ أحمد عبدالله الصباح قائلا “نتمنى عليك يا سمو الرئيس أن تقوم بوقف هذه المناقصة، فلا الظروف المالية ولا السياسية ولا الإصلاحية مواتية لصرف عشرات الملايين على طباعة كتاب مقدّس موجود ومحفوظ في الصدور، إضافة إلى وجوده بالصوت والصورة والشرح والتوضيح في كل هاتف نقال وبصورة أفضل بكثير من وجوده كورق مطبوع ستتم قراءة كلماته من السواد الأعظم بطريقة خاطئة بدلا من سماعه بطريقة صحيحة وبصوت جميل”.