المزاجية التركية لا تخدم جهود التطبيع مع سوريا

المواقف التركية المتغيرة هي عامل غير مساعد، وتجعل دمشق حذرة في أي حديث عن انفتاح.
الاثنين 2024/09/02
عنوان للمواقف المتغيرة

دمشق- تواجه الدبلوماسية الروسية تحديات كبيرة في جهودها لتفكيك العقد التي تحول دون تطبيع للعلاقات بين سوريا وتركيا، من بينها المزاجية التركية، والتي سبق وتحدث عنها الرئيس السوري بشار الأسد.

وكشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن اجتماع قريب سيعقد بين ممثلين عن أنقرة ودمشق، مشيرا “العام الماضي، وبجهود كبيرة من وزارتي الخارجية والدفاع، تمكنا من عقد اجتماعات بمشاركة كل من وزارتي الدفاع والخارجية والاستخبارات من أجل محاولة التفاوض على شروط يمكن أن تؤدي إلى تطبيع العلاقات بين الجمهوريتين السورية والتركية”.

وأردف لافروف أن “ممثلين عن سوريا وتركيا وروسيا وإيران شاركوا في هذه الاجتماعات، والآن نقوم بالتحضير لاجتماع آخر. أنا متأكد من أنه سيحدث في المستقبل المنظور”.

وكثر الحديث منذ العام الماضي عن تطبيع وشيك للعلاقات التركية – السورية، لكن التصريحات المتضاربة للمسؤولين الأتراك، كانت في كل مرة تعيد الأمور إلى مربعها الأول.

◄ تحقيق أي نجاح على مستوى استعادة العلاقات السورية – التركية يحتاج بادئ الأمر إلى عنصر الثقة وهو ما ليس متوفرا حاليا

وقال وزير الدفاع التركي يشار غولر السبت إنه لا توجد مشكلة غير قابلة للحل، يأتي ذلك بعد أيام فقط من إعلان تمسك بلاده بالوجود الميداني في سوريا، وقبلها تصريحات لمصادر في الخارجية التركية عددت فيها شروطا لإعادة العلاقات مع سوريا ومن بينها تطبيق القرار رقم 2254، وهو شرط تعجيزي مرفوض من قبل دمشق، ويندرج في سياق ما تعتبره الأخيرة تدخلا في شؤونها الداخلية.

وجاء عرض تلك الشروط التركية في رد مبطن على خارطة الطريق التي رسمها الرئيس السوري خلال افتتاح الدورة التشريعية الجديدة لمجلس الشعب السوري، حيث أكد انفتاح بلاده على التطبيع مع تركيا، لكن يجب في البداية الاتفاق على جملة من المبادئ الأساسية، ومنها الانسحاب التركي من الأرضي السورية، الذي وصفه بالاحتلال.

وأشار الأسد إلى أن هناك حاجة لإعلان مشترك مكتوب للاتفاقات التي يجري التوصل إليها، لتجنب أي تراجع، وحتى لا تكون الأمور خاضعة لمزاجية أي من الطرفين، وبدا أنه يقصد في ذلك المواقف المتضاربة والتي تصل حد التناقض أحيانا للمسؤولين الأتراك.

وخلال حديث مع قناة “روسيا اليوم” لفت وزير الخارجية الروسي، إلى أن الجانب التركي مستعد لمناقشة انسحاب القوات من سوريا، منوهاً إلى أنه لم يتم بعد الاتفاق على المعايير المحددة لهذه العملية.

وقال لافروف “الأتراك مستعدون لذلك، لكن حتى الآن لا يمكن الاتفاق على معايير محددة”، مضيفاً “نحن نتحدث عن عودة اللاجئين، وعن التدابير اللازمة لقمع التهديد الإرهابي، الأمر الذي سيجعل بقاء الوحدات التركية غير ضروري”، مشدداً على أن “كل هذا قيد الإعداد”.

وأوضح المسؤول الروسي أنه “في رأي الحكومة السورية، من الضروري اتخاذ قرار واضح بشأن إجراءات الانسحاب النهائي للوحدات التركية من الجمهورية العربية السورية” من أجل تطبيع العلاقات مع إسطنبول.

سيرغي لافروف: تركيا مستعدة لمناقشة انسحاب قواتها من سوريا
سيرغي لافروف: تركيا مستعدة لمناقشة انسحاب قواتها من سوريا

يذكر أن تركيا كانت حليفا اقتصاديا وسياسيا لسوريا قبل اندلاع النزاع في البلد الجار في العام 2011، وجمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علاقة صداقة بالأسد، لكن الأمور بينهما انقلبت رأساً على عقب مع بدء الاحتجاجات ضد الحكومة السورية، حيث قرر أردوغان حينها الاصطفاف إلى جانب مناهضي الأسد، ولم يقف فقط عند الدعم السياسي بل سارع إلى دعم تشكيلات إسلامية مسلحة، حينما تحول الحراك المدني إلى نزاع أهلي مسلح.

وفي السنوات الأخيرة أظهرت تركيا مؤشرات عن رغبة في مراجعة سياساتها تجاه البلد الجار، مدفوعة بذلك بجملة من العوامل الداخلية والخارجية، من بينها الرفض الشعبي المتنامي في تركيا تجاه اللاجئين السوريين، وأيضا نجاح دمشق في كسر عزلتها الإقليمية، واستعادة علاقتها ببلدان عربية وازنة في المنطقة.

وأكد الرئيس السوري في خطابه الأخير في الخامس والعشرين من الشهر الماضي أن مبادرات تطبيع العلاقات مع تركيا بدأت منذ أكثر من خمس سنوات، وأنه حصلت عدة لقاءات بين مسؤولي البلدين على مستويات مختلفة، لكن لم تحقق نتيجة.

وأوضح الأسد أن المشكلة ليس من دمشق حيث أن “سياساتنا ثابتة لم تتغير قبل الأزمة وبعدها”، وهو يقصد بالواضح تركيا التي طبعت تحركاتها تجاه دمشق المزاجية.

وكان الرئيس التركي صرح في يوليو الماضي، بأنه قد يدعو نظيره السوري إلى تركيا “في أي وقت”، وأنه ليست هناك أي موانع تحول دون ذلك. لكن وزير الدفاع التركي يشار غولر صرح بعدها بأن أنقرة لا يمكن أن تناقش التنسيق بشأن الانسحاب من سوريا إلا بعد الاتفاق على دستور جديد وإجراء انتخابات وتأمين الحدود، في تراجع تركي جديد.

ويرى متابعون أن تحقيق أي نجاح على مستوى استعادة العلاقات السورية – التركية يحتاج بادئ الأمر إلى عنصر الثقة وهو ما ليس متوفرا حاليا.

ويشير المتابعون إلى أن المواقف التركية المتغيرة هي عامل غير مساعد، وتجعل دمشق حذرة في أي حديث عن انفتاح، وهو ما بدا واضحا في تصريحات الرئيس السوري مؤخرا حينما أصر على ضرورة أن تكون أي اتفاقات مع الجانب التركي مكتوبة، على خلاف الأمر حينما استعادت دمشق علاقتها بدول عربية في المنطقة.

ويقول المتابعون إنه نظريا ليس من المستحيل حصول توافقات بين تركيا وسوريا وأن العقدة الأساسية تكمن في الشروط التركية المتعلقة بالأكراد في شمال شرق سوريا، حيث أن أنقرة تريد التزاما من دمشق بالتحرك لإنهاء ما تعتبره تهديدا هناك، قبل أي حديث عن انسحاب لقواتها، وهو أمر ترفضه بشدة دمشق.

واعتبر الأسد في تصريحاته الأخيرة أن الرغبة الصادقة في استعادة العلاقات الطبيعية تتطلب أولًا إزالة أسباب تدمير هذه العلاقة، والتراجع عن السياسات التي أدت إلى الوضع الراهن، مشيرًا إلى أنها متطلبات لنجاح العملية لا شروط، مع التأكيد على عدم التنازل عن أي حق من الحقوق في أي ظرف من الظروف.

2