المعارضة المصرية تركز على القضايا الاجتماعية لتدارك انحسارها شعبيا

القاهرة - اتجهت عدد من أحزاب المعارضة المصرية إلى التركيز أكثر على الملفات الاجتماعية بدلا من القضايا السياسية، ويعود ذلك إلى تراجع الحديث عن الحريات العامة والإصلاحات، وإلى فشل المعارضة في تحقيق اختراق ملموس في أي من الملفات الرئيسية التي طرحتها، وهو ما عرضها لانتقادات.
ونظمت الحركة المدنية الديمقراطية، وتضم في عضويتها أحزابا وشخصيات عامة معارضة، مؤتمرا، ناقشت فيه التعديلات التي أقرتها الحكومة على نظام التقويم والدراسة في شهادة الثانوية العامة (البكالوريا).
وطالبت الحركة حكومة مصطفى مدبولي بالتراجع عن تلك التعديلات، وأعلنت عن تدشين حملة بعنوان “الدفاع عن الحق في التعليم والتضامن”، من المقرر أن تجوب المحافظات لتعريف المواطنين بما يكفله الدستور بشأن التعليم المجاني.
ودخلت الحركة المدنية على خط مشكلات المعلمين التي غابت عن اهتمام القوى السياسية في السابق، ودعت إلى ضرورة تحسين الأوضاع المادية لهذه الفئة، والالتزام بقرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بتعيين دفعات سنوية لسد العجز في المدارس، وبدت مطالبة الحركة بإيجاد آلية تواصل مع لجنتي التعليم بمجلسي النواب والشيوخ والحكومة لنقل رؤية المعارضة تجاه تطوير التعليم لافتة.
وانبثقت عن الحركة المدنية مؤخرا حركة جديدة، سميت “الجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية – حق الناس”، ما يشي بأن المعارضة أدركت خطأها السابق، في تبني توجهات وخطابات لا تحظى باهتمام عموم المصريين.
وشاركت أحزاب محسوبة على تيار اليسار في تدشين الحركة الجديدة وتضم في عضويتها أحزاب: الاشتراكي المصري، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والشيوعي، والكرامة، والوفاق القومي الاجتماعي.
ويتفق سياسيون على أن الخطاب السياسي الذي وجهته المعارضة للمواطنين لم يكن يتماشى مع البيئة الثقافية، ومازال يعلق في أذهانهم أن الحراك الشعبي بين عامي 2011، و2013، جلب فوضى أثرت على الوضع الاقتصادي وحياة فئة كبيرة من المواطنين العاديين، ما أوجد توجسا لازالت تداعياته مستمرة حتى الآن تجاه التعامل مع قوى سياسية لا تملك رؤية واضحة تجاه التعاطي مع قضايا عديدة ولا يتوافر لديها الحد الأدنى من القبول الشعبي الذي يسهل مهمة إقناعهم بقدرتها لتكون بديلا للحكومة.
ووجدت المعارضة نفسها خالية الوفاض، فهي لم تحقق المردود السياسي المنتظر الذي يسمح لها بالتمركز في وضعية قوية يمكن من خلالها مناكفة الحكومة ودفعها إلى تقديم تنازلات تخدم أهدافها، ولم تحقق التأثير المنتظر الذي يساعدها على أن تشكل ورقة ضغط على الحكومة، وقد يكون حرف البوصلة نحو القضايا الاجتماعية حلاً آنيا بالنسبة إليها.
وقال القيادي في الحركة المدنية الديمقراطية، وزير العمل السابق، كمال أبوعيطة، إن المعارضة انشغلت في السنوات الماضية بقضايا الحريات العامة ولم تركز بالشكل المطلوب على القضايا الاجتماعية التي تهم المواطنين، وهي تسعى حاليا لإعادة ترتيب البيت من الداخل عبر إدخال تعديلات على الرؤية العامة لمخاطبة الرأي العام، وأن التركيز على مشاكل الحياة اليومية ربما يكون مدخلا مناسبا، مضيفا “وأخيراً اقتنع السواد الأعظم من القوى المعارضة أن الأحزاب التي تتخلى عن أوجاع الناس سوف تتحول إلى كيان معلق في الفضاء، بلا أرجل تسير على الأرض”.
المعارضة وجدت نفسها خالية الوفاض، فهي لم تحقق المردود السياسي المنتظر الذي يسمح لها بالتمركز في وضعية قوية يمكن من خلالها مناكفة الحكومة
ومضى أبوعيطة قائلا في تصريح لـ”العرب” إن الأوضاع الاقتصادية تضع صعوبات أمام أي تطور سياسي كبير، ويصعب للناخب الفقير أن يختار مرشحيه بحرية في الانتخابات إذا كان من السهل شراؤه بالمال، وهناك قضايا بحاجة لتتداخل معها المعارضة على نحو أكبر، في مقدمتها مشكلات ارتفاع الأسعار غير المبرر لغالبية السلع والخدمات ومحاولة وقف توحشها، ويبقى التعويل على مدى قدرة الأحزاب في تحقيق اختراق وتشكيل عامل ضغط على الحكومة كي تنجح في جذب المواطنين للاصطفاف حولها.
وشدد القيادي في الحركة المدنية على أن المواطنين هم أصحاب المصلحة الحقيقية الذين يجب التوجه إليهم، وهو ما يخدم قضايا الحريات العامة التي اهتمت بها المعارضة بفعل الظرف السياسي الذي يتطلب البحث عن فتح مسارات للعمل العام، وثمة حاجة لتفعيل أدوار الأحزاب، وسيكون ذلك عبر تسليط الضوء على أزمات التعليم والصحة والسكن.
وتجد شعارات مثل “الالتزام بالإنفاق الحكومي على التعليم والصحة” و”إعادة هيكلة أجور المواطنين” والتفاعل مع الإجراءات الحكومية المترتبة على برنامج صندوق النقد الدولي للإصلاح الاقتصادي، رواجا في المجتمع نتيجة لتأثيرها المباشر على الناس، وهو ما تحاول المعارضة توظيفه، ودخولها على خط مشكلات التعليم جاء في وقت أحدثت فيه قرارات الحكومة الأخيرة جدلاَ واسعَا في المجتمع.
ولا يحقق الدخول على خط هذه الأزمات الهدف المرجو منه على مستوى تطوير أداء المعارضة، لأنها لم تستطع تفريخ كوادر تملك قدرة على التأثير في توجهات المواطنين، وتتمثل مشكلتها الراهنة في انزواء الكثير من القيادات التي لديها شعبية.
كما أن الجزء الأكبر من قيادات المعارضة غير معروفة مجتمعيا، لأسباب تعود إلى إمكانياتها الضعيفة أو تضييق مساحات العمل أمامها، عكس القيادات التي حركت المياه في الحراك الشعبي في الشارع المصري سابقا.
وشدد كمال أبوعيطة في حديثه لـ”العرب” على أن الوضعية الاجتماعية في البلاد قد تكون ضمانة لتحقيق قدر من استعادة ثقة المواطنين في الأحزاب، وأن تقديرات الحكومة لتوسيع قاعدة المستفيدين من مبادراتها الاجتماعية، تبرهن على أن قطاعات جديدة وصلت إلى حد الفقر وبحاجة إلى من يدافع عن مصالحها، لتحسين أوضاعها.
وأكد أن إهمال شعارات سبق وأن تم رفعها ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك من قبيل “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”، أضر بالأحزاب التي كانت في بؤرة الحراك الشعبي قبل أن تتراجع عن الدفاع عنها، وأدى فقدان البوصلة لعزوف المواطنين عنها، وبدت هناك قناعة بأنهم لا يحتمون بقوى مساندة تدافع عن قضاياهم.