مصر أمام تحدي تطوير الأراضي والمباني الحكومية

تواجه مساعي مصر لتطوير الأراضي والمباني الحكومية في العاصمة التي خلّفها انتقال الحكومة إلى العاصمة الإدارية، والتوسع بالمدن الساحلية، عراقيل جديدة بعد انسحاب تحالف سعودي - إماراتي من تطوير أرض الحزب الوطني المُنحل بوسط القاهرة أخيرا.
القاهرة - اتخذت الحكومة المصرية خطوات لتعظيم الاستفادة من مباني الوزارات في القاهرة، العاصمة التاريخية، لكن مساعيها لتحقيق ذلك اصطدمت بتغير ظروف بيئة الأعمال التي دفعت الكثير من المستثمرين الخليجيين نحو المدن الجديدة، خاصة المطلة على المتوسط.
وانسحب تحالف مكون من مجموعة الشعفار الإماراتية والشركة السعودية المصرية للتعمير من تنفيذ مشروع إعادة تطوير مقر الحزب الوطني المنحل في وسط القاهرة، وتبلغ تكلفته الاستثمارية نحو 5 مليارات دولار.
ويرجع سبب انسحاب التحالف إلى ارتفاع تكاليف التنفيذ عقب انخفاض قيمة الجنيه في وقت سابق من العام الجاري، وتحديدا منذ قرارات السادس من مارس الماضي.
وكان من المقرر أن تتم الشراكة بين التحالف وصندوق مصر السيادي، مع ارتباط النسب المحددة للشراكة بتقييم سعر الأرض مقابل المباني، وهذه النسب تغيرت بعد انخفاض قيمة الجنيه وترتب على ذلك ارتفاع أسعار الخامات والطاقة.
وكشفت مصادر اقتصادية لـ"العرب" أنه أصبح لدى مستثمري الخليجي، الأفراد والصناديق السيادية والشركات، أولويات تتمثل في تحويل مشروعاتهم من المدن القديمة (مثل القاهرة) بمصر إلى المدن الساحلية مثل العلمين الجديدة ورأس الحكمة.
وبحسب تصريحات وزيرة التخطيط والرئيسة السابقة لمجلس إدارة صندوق الثروة هالة السعيد، فإن مصر ستطرح 7 أو 8 مقرات وزارية على المستثمرين خلال النصف الثاني من 2024، لكن لم تُطرح أي منها حتى الآن.
ويأتي ذلك بعدما نقلت الحكومة أعمالها إلى مقرات جديدة، دُشنت حديثا في العاصمة الإدارية الجديدة التي تقع على بُعد 45 كيلومترا شرق القاهرة.
وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي في وقت قرارا بإزالة صفة النفع العام عن 13 مقرا حكوميا، ونقل ملكيتها للصندوق السيادي.
وتتضمن خطط إعادة تطوير مقر الحزب الوطني المنحل، إنشاء فندق 7 نجوم بارتفاع 220 مترا، ومباني سكنية، ومستودعا متعدد الطوابق يتسع لنحو 6 آلاف سيارة.
وأشارت التوقعات إلى البدء في الأعمال الإنشائية للمشروع قبل نهاية هذا العام، باعتباره ضمن خطة أوسع تهدف إلى تطوير المباني القديمة في وسط القاهرة وجعل المنطقة أكثر جاذبية للاستثمارات، لكن خطوة الانسحاب ربما ترجئ عمليات التطوير.
وجرى الإعلان عن تولي التحالف الخليجي – المصري مهمة تطوير أرض مقر الحزب الوطني في سبتمبر 2023، وتسببت أزمة الجنيه التي شهدتها البلاد في عدم إنجاز المشروع.
ويرى محللون أن استقالة المدير التنفيذي السابق أيمن سليمان في يونيو الماضي من أسباب بطء تطوير الأراضي والمباني الحكومية، فضلا عن استقالة عبدالله الإبياري رئيس قطاع الاستثمار بالصندوق من منصبه في يوليو من العام الماضي، دون إبداء أسباب حقيقية.
وكشفت الاستقالتان عن عدم وجود خطط واضحة للترويج، علاوة على الاستعداد غير الجيد للتعامل مع تلك الأصول. وقرر مجلس إدارة الصندوق السيادي الثلاثاء الماضي، تكليف نهى رشدي خليل رئيس قطاع الإستراتيجية وتطوير الأعمال، قائما بأعمال المدير التنفيذي بعد استقالة سليمان.
◙ 12 مقرا للوزارات في العاصمة التاريخية على رادار خطط الحكومة لتحويلها إلى فنادق
وقال المحلل الاقتصادي ياسر عمارة إن “السلطات تركز حاليا بشكل أكبر على جذب الاستثمارات للمدن الساحلية، ما أثر على تسويق المشاريع داخل العاصمة التاريخية”.
وأضاف لـ”العرب” أن “الحكومة ينبغي أن تمنح الأراضي ومباني الوزارات اهتماما كبيرا كي تُسرع الاستفادة منها، لأنها تقع في مناطق حيوية ومواقع حيوية بالقاهرة”.
ولا يعني انسحاب تحالف الشركات المذكور تراجعا أو بطئا في الاستثمارات الخليجية في مصر، فهي متواجدة في القطاع العقاري أو السياحي وعلى صورة شراكات استثمارية متنوعة وودائع وقروض، فضلا عن الاستثمارات الجديدة التي تُنفذ حاليا والمرتقبة.
وأكد خبير الاستثمار المصري فؤاد ثابت أن الصندوق السيادي يعمل على تعظيم الاستفادة من الأصول التي آلت إليه، أو تم ضمها تحت ولايته، متوقعا نجاح الحكومة في تبني خطة تسويق جديدة لاستثمار الأراضي بالقاهرة ومباني الوزارات.
ورهن ذلك في تصريح لـ”العرب” بضرورة تنشيط السياحة بشكل أكبر في العاصمة القاهرة، كدافع مهم لإقبال المستثمرين على ذلك النوع من الاستثمار، إذ تتسم المشاريع بالطابع السياحي عبر تأسيس الفنادق.
وطالب ثابت بأهمية أن تتحول خطة التسويق السياحي بشكل أكبر نحو السياحة الثقافية لأنها النمط الأكثر شيوعا في القاهرة، عكس السياحة الشاطئية المنتعشة في المدن الساحلية.
وأوضح وزير السياحة شريف فتحي أن السياحة تشهد تقدما من شهر إلى آخر وانتعاشا ملحوظا في الآونة الأخيرة، رغم الأزمات والتوترات المنتشرة بالمنطقة، كما أن الحركة الوافدة للبلاد تشهد نموا بنحو 5 في المئة كل شهر.
وتلعب إمكانيات التنوع السياحي بالبلاد، بحكم موقعها الجغرافي حيث تتمتع بالسياحة الثقافية والعلاجية والبيئية والغوص والآثار الإسلامية والقبطية وغيرها من الأنماط السياحية، دورا حاسما في بناء الفنادق وجذب الاستثمارات الخليجية.
وحسب تصريحات سابقة لرئيس الحكومة مصطفى مدبولي، تستهدف خطته الاقتصادية جذب 30 مليون سائح مع حلول عام 2028.
وطال تباطؤ تطوير المباني الحكومية مجمع التحرير بوسط القاهرة، بعد إزالة لافتات تحالف المستثمرين التي جرى تعليقها منذ عامين واستبدالها بلافتة “بداية جديدة”.
وتستهدف القاهرة من خلال صندوقها السيادي تحويل مقرات وزارات الخارجية، والعدل، والمالية، والصحة والسكان، والتربية والتعليم، والنقل، والسياحة والآثار، والتنمية المحلية، والتموين، والإنتاج الحربي، والتضامن الاجتماعي، والصناعة، إلى غرف فندقية.
وسيتم ذلك عبر شراكة مع القطاع الخاص، وهذا يستوجب رواجا كبيرا وغير مسبوق بالقطاع السياحي أو تنشيط سياحة المؤتمرات.
ومن التحركات العملية التي خطتها الحكومة في سبيل تطوير المباني المملوكة للدولة، ما وقعه الصندوق السيادي في مارس 2023، من عقد تطوير مقر وزارة الداخلية السابق مع شركة أي ديفلوبمنت لتطوير المشاريع العقارية.
وتم الاتفاق عبر ذراع الصندوق للاستثمار العقاري والمعروف باسم صندوق مصر الفرعي للسياحة والاستثمار العقاري وتطوير الآثار.
ويهدف الصندوق من وراء ذلك إلى تحويل مقر وزارة الداخلية بوسط القاهرة إلى منطقة معنية بالابتكار وريادة الأعمال، كما تضم مكاتب إدارية وتجارية وفرعا لإحدى الجامعات الفرنسية، ومركزا عالميا لخدمات التعهيد وفندقا.