البطالة كابوس يطارد الشباب في شمال غرب سوريا

إدلب (سوريا) - يواجه الشباب في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية شمال غربي البلاد، تحديات كثيرة أبرزها البطالة وضيق الأفق وما يخلفه ذلك من آثار سلبية من بينها اتساع دائرة الفقر، وازدياد معدلات الجريمة. وتخضع مناطق شمال غرب سوريا لسيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، وأيضا لفصائل مسلحة موالية لتركيا، وتدير تلك المناطق حكومتان موازيتان: الأولى تتبع للهيئة وهي حكومة “الإنقاذ” والثانية تتبع للائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة ويطلق عليها الحكومة الانتقالية.
وعلى مدار السنوات الماضية ألقت القوى المسيطرة على المنطقة بمسؤولية مساعدة المدنيين على المنظمات الدولية، ولم تسع على خلاف الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، لتأسيس بنية إدارية واقتصادية تؤهلها للتعامل مع التحديات التي تواجه السكان. وبحسب تقرير سابق لفريق “منسقو استجابة سوريا”، فقد وصلت معدلات البطالة بين السكان في شمال غربي سوريا إلى 88.82 في المئة بشكل وسطي (مع اعتبار أن عمال المياومة ضمن الفئات المذكورة).
ومن أسباب ارتفاع معدلات البطالة التي تطرق إليها الفريق في تقريره، هي “عدم توفر فرص العمل، وعدم وجود الخبرة الكافية وضعف التدريب والكفاءات الوطنية، وعدم توافر الخبرات العملية لمعظم الخريجين، وعدم وجود متابعة ودعم من مكان تخرجهم، إلى جانب توظيف بعض الشباب في أعمال وأشغال مؤقتة لا تحتاج إلى خبرات، وبأجور متدنية جدا لا تكفي لتحقيق أي هدف من أهدافهم ولا تزيد من خبراتهم، فتظل مشكلة البطالة قائمة”.
ولفت الفريق إلى استغلال أزمة الشباب وتشغيلهم كعمالة مؤقتة من دون عقود ولمدة قصيرة ومتقطعة، مما لا يسمح للشباب بتحقيق أي تقدم في حياتهم المادية والعملية. وإلى جانب السكان فقد شكلت منطقة شمال غرب سوريا ملجأ لمئات الآلاف من النازحين من مناطق سوريا المختلفة الفراين من النزاع الأهلي، وكانت المنظمات الدولية من تتولى على مدار السنوات الماضية عملية الإغاثة، لكن تراجع الدعم الدولي أثر بشكل كبير على تلك المجتمعات.
◙ الحكومتان اللتان تسيطران على شمال غرب سوريا لا تملكان خططا لإقامة بنية اقتصادية يمكن أن تستوعب أعداد العاطلين
وتزايد مع الوقت عدد الباحثين عن العمل في ظل تناقص فرص التوظيف، وتضاعف المنافسة على الوظائف المتاحة، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير بين السكان النازحين والمقيمين على حد سواء.
ولا تملك الحكومتان اللتان تسيطران على شمال غرب سوريا خططا واضحة لإقامة بنية اقتصادية يمكن أن تستوعب أعداد العاطلين، فضلا عن كون المستثمرين يرفضون الاستثمار في المنطقة باعتبارها بيئة غير آمنة ليس فقط لناحية الهجمات التي تتعرض لها من قبل القوات الحكومية وأحيانا الروسية، بل وأيضا بسبب الخشية من سطوة المجموعات المسلحة، وغياب الرقابة القانونية.
ويرى متابعون أن أزمة البطالة لا تنحصر فقط على مناطق شمال غرب سوريا، رغم أن الوضع قد يكون أسوأ هناك، لكنها أيضا تمتد إلى كل المجال السوري، وهذا بفعل الحرب وتأثيراتها المستمرة.
وتعاني سوريا منذ العام 2011 نزاعا داميا تسبب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص، وألحق دمارا واسعا بالبنى التحتية واستنزف الاقتصاد ومقدراته، كما شرّد وهجّر أكثر من نصف عدد السكان داخل البلاد وخارجها. وبحسب الأمم المتحدة، لم تحصل خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في سوريا لعام 2024 إلا على ستة في المئة فقط من الاعتمادات المطلوبة، المقدرة بأكثر من 4 مليارات دولار.
ووفق بيانات البنك الدولي، أصبح عدد كبير من السوريين يعتمدون على التحويلات المالية من الخارج، التي “تمثل شريان حياة بالغ الأهمية”، مقدرا قيمتها الإجمالية عام 2022 بنحو 1.05 مليار دولار، في وقت تُقدّر قيمة الناتج الإجمالي المحلي لسوريا لعام 2023، بـ6.2 مليار دولار.
ويرى فريق منسقي استجابة سوريا أن للتخفيف من أزمة البطالة في شمال غرب سوريا، فإن هناك “حاجة إلى ربط التعليم والتدريب باحتياجات السوق، وتوفير البدائل والعمل على إقامة المشروعات التي تتسع لأكبر قدر من الأيدي العاملة، وتوفير فرص عمل جديدة للشباب والدعم المادي للمشروعات الصغيرة، وضرورة الاهتمام بالصناعات الصغيرة والحرف اليدوية التي من شأنها استقطاب عدد كبير من اليد العاملة إذا ما توفر الدعم اللازم لها”.