المنفي يطرح مبادرة لاحتواء أزمة المصرف المركزي الليبي

طرابلس – دفع غلق الحقول والموانئ النفطية في شرق ليبيا وجنوبها ووسطها وتوقف خدمات المصرف المركزي برئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى طرح مبادرة لاحتواء أزمة المصرف التي باتت تهدد بانهيار البلاد ماليا واقتصاديا، وذلك بعد تحذيرات أممية من تبعات القرارات أحادية الجانب.
ودعا المنفي اليوم الثلاثاء، في بيان نشره مكتبه الإعلامي على صفحته بموقع فيسبوك مجلس النواب إلى "سرعة اختيار محافظ للمصرف المركزي في جلسة قانونية علنية وشفافة وبالتشاور مع المجلس الأعلى للدولة".
ويدور صراع منذ سنوات على الثروة زادت وتيرته مؤخرا مع محاولات لإقالة محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير بعد أن ضيق النفقات على السلطات في طرابلس (المجلس الرئاسي وحكومة عبدالحميد الدبيبة).
وعبر المنفي عن تفهمه لقلق البعثة الأممية في ليبيا "بسبب التباس التوصيف لقراراتنا وتداخل الاختصاصات"، مؤكدا أن "المجلس الرئاسي مجتمعا اتخذ قرارا عزز سيادة القانون وحقق قرار اختيار ممثلي الشعب لمحافظ يتمتع بالنزاهة والكفاءة، مرفقًا بقرار آخر بتشكيل مجلس إدارة للمرة الأولى منذ سنوات طويلة".
وأضاف "مارسنا اختصاصنا بالاتفاق السياسي بتعيين كبار الموظفين محققين التمثيل السياسي الواسع للقوى والأطراف كافة بما انعكس عنه تحقيق الاستقرار دون التخلي عن الخبرة والكفاءة لعناصره".
وشدد على أن "الأولوية الآن هي الحفاظ على استقلالية المصرف المركزي وخفض التضخم الذي أثقل كاهل المواطن وتوفير السيولة"، قائلا "نراهن على المسؤولية الوطنية لقيادة المؤسسة العسكرية لمنع مغامرات إغلاق ما تبقى من النفط الليبي الذي أغلق نصفه قبل أسابيع".
وقال إنه لم "اتخاذ تدابير أمنية واقتصادية ضرورية حافظت على استقرار العاصمة من صراع مسلح وشيك" مشددا على الالتزام بـ"إجراء انتخابات نزيهة لتمكين الشعب الليبي من تقرير مصيره وتجديد الشرعية لمؤسساته في مدة أقصاها 17 فبراير 2025".
وأكد أن "المسؤولية الوطنية تحتم علينا حل خلافاتنا مهما بلغت داخليا بالحوار غير المشروط القائم على السيادة ورفض الإملاءات الخارجية".
وأطلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مبادرة لعقد اجتماع طارئ تحضره الأطراف المعنية بأزمة مصرف ليبيا المركزي للتوصل إلى توافق، أيدتها المتحدة واعتبرت أنها "تمهد الطريق إلى الأمام لحل الأزمة المحيطة بمصرف ليبيا المركزي".
وأكدت البعثة في بيان ليل الإثنين الثلاثاء عزمها عقد "اجتماع طارئ" بحضور الأطراف المعنية بالأزمة "للتوصل إلى توافق يستند إلى الاتفاقات السياسية والقوانين السارية، وعلى مبدأ استقلالية المصرف المركزي وضمان استمرارية الخدمة العامة".
وجاء قرار البعثة بعد أسبوعين من التصعيد الحاد بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب على خلفية إقدام الأول على إصدار قرار لتغيير إدارة المصرف المركزي ومحافظه، ورفض الثاني للقرار، وسط تنازع كليهما عل شرعية إصدار القرارات الخاصة بالمؤسسات السيادية.
وأعربت البعثة الأممية في بيانها عن "عميق أسفها لما آلت إليه الأوضاع في ليبيا جراء القرارات أحادية الجانب"، محذّرة من أن التمسك بها "سيعرّض ليبيا لخطر الانهيار المالي والاقتصادي".
ودعت الأطراف السياسية إلى "تعليق العمل بكل القرارات الأحادية" المتعلقة بالمصرف، و"الرفع الفوري للقوة القاهرة عن حقول النفط"، وضمان "سلامة موظفي المصرف المركزي، وحمايتهم من التهديد والاعتقال التعسفي".
وأيدت الولايات المتحدة المبادرة الأممية، وحثت السفارة الأميركية لدى طرابلس في بيان كل الأطراف على "اغتنام هذه الفرصة" بعدما أدت التوترات لـ"تقويض الثقة في الاستقرار الاقتصادي والمالي في ليبيا".
كما اعتبرت أن "ترهيب موظفي البنك المركزي" مثير للقلق، داعية الى محاسبة المسؤولين "بشكل صارم".
ويشرف البنك المركزي الليبي على إدارة إيرادات النفط وميزانية الدولة ليتم بعد ذلك إعادة توزيعها بين المناطق المختلفة بما فيها الشرق. وبفضل فترة الهدوء مؤخرا، ارتفع الانتاج إلى حوالي 1.2 مليون برميل يوميا.
ويتولى الصديق الكبير منصب محافظ المصرف المركزي منذ 2012، ويواجه انتقادات متكررة بشأن إدارته إيرادات النفط الليبي وموازنة الدولة، من شخصيات بعضها مقرب من الدبيبة.
ويحظى محافظ البنك المركزي بثقة مجلس النواب الذي جددها قبل أيام، معتبرا أن المجلس الرئاسي في طرابلس لا يملك صلاحية تعيين المحافظ أو إقالته.
وكانت سلطات شرق ليبيا أعلنت الإثنين وقف إنتاج النفط وتصديره حتى إشعار آخر، احتجاجا على اقتحام لجنة التسلم والتسليم التي كلفها المجلس الرئاسي المصرف المركزي بالقوة.
واتسعت دائرة الأزمة بالإعلان عن قيام عناصر مسلحة مجهولة بخطف مدير مكتب محافظ المصرف المركزي راسم النجار وثلاثة موظفين بالمصرف، وبظهور حالة احتقان بين الجماعات المسلحة في طرابلس ومصراتة والزاوية، واستمرار إغلاق معبر رأس جدير الحدودي مع تونس من قبل ميليشيات محلية.
وتزامن ذلك مع إعلان الكبير فرض القوة القاهرة على جميع خدمات المصرف المركزي داخل ليبيا وخارجها، ومع اعتذار المصرف عن تقديم خدماته مؤقتا بسبب الظروف الاستثنائية القاهرة التي تحول حاليا دون مواصلته لنشاطه المعتاد.
والنزاع المحتدم لبسط النفوذ على المصرف المركزي الليبي ظهرت تداعياته بسرعة على المستوى الاقتصادي، إذ أعلنت غالبية المصارف الليبية توقف كل خدماتها، وتلقى المصرف الخارجي الليبي، الذي تصب فيه عائدات النفط قبل انتقالها إلى البنك المركزي، تحذيرات من المؤسسات المالية الدولية بوقف التعامل المالي مع ليبيا حتى تحل هذه الأزمة.
إلى ذلك، بدأت حقول النفط الليبي تتوقف جزئيًا عن العمل وبعضها بالكامل، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في الإنتاج.
وقال مهندسون بحقول نفطية لرويترز اليوم الثلاثاء إن حقل الفيل في جنوب غرب ليبيا توقف عن الإنتاج وسط توسع في إغلاق الحقول في إطار خلاف حول قيادة البنك المركزي وإدارة عائدات النفط في البلاد.
هذه التطورات تأتي في وقت حساس للاقتصاد الليبي، حيث يشكل النفط المصدر الرئيسي للإيرادات، ما يجعل أي توقف أو تراجع في الإنتاج له تداعيات كبيرة على الوضع الاقتصادي في البلاد.
وقال مهندسون في حقلي آمال والنافورة النفطيين في جنوب شرق البلاد اليوم الثلاثاء إن الإنتاج توقف، بينما قال مهندسون في حقل أبوالطفل الواقع في الشرق أيضا إن إنتاج النفط تقلص.
وتمثل الحقول الواقعة في الشرق معظم إنتاج البلاد. وبلغت الطاقة الإنتاجية في حقل الفيل النفطي 70 ألف برميل يوميا في مايو أيار.
وذكرت شركة الواحة للنفط التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط أمس الاثنين أنها تعتزم خفض الإنتاج تدريجيا وحذرت من توقف الإنتاج تماما، وأرجعت هذا إلى "احتجاجات وضغوط" لم توضحها.
وقالت شركة سرت للنفط، التابعة أيضا للمؤسسة الوطنية للنفط، إنها ستخفض الإنتاج.
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في وقت سابق من أغسطس حالة القوة القاهرة في حقل الشرارة، أحد أكبر حقول النفط في ليبيا ويقع في جنوبها الغربي، بسبب احتجاجات. وتبلغ طاقة الحقل الإنتاجية 300 ألف برميل يوميا.
وأوردت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) نقلا عن مصادر أن إجمالي إنتاج ليبيا من النفط بلغ نحو 1.18 مليون برميل يوميا في يوليو.
والثلاثاء الماضي انتقدت خوري خلال إحاطة قدمتها إلى أعضاء مجلس الأمن ما وصفته بـ"الإجراءات الأحادية" التي اتخذتها الأطراف الليبية، محذرة من "تدهور الأوضاع السريع في البلاد".
ولأجل احتواء الأوضاع والحد من تفاقمها، اقترحت خوري إطلاق مسار تفاوضي شامل بين جميع الأطراف لاستئناف العملية السياسية، مشيرة إلى أن هذا المسار يجب أن يبنى على محادثات لوضع مجموعة من تدابير بناء الثقة بين جميع الأطراف لخلق بيئة أكثر ملاءمة.
وترعى بعثة الأمم المتحدة مفاوضات متعثرة منذ سنوات، لإيصال البلاد إلى انتخابات تحل أزمة نشأت قبل ثلاثة أعوام وتمثلت في صراع بين حكومتين على السلطة.
تلك الحكومتين هي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، ومقرها العاصمة طرابلس التي تدير منها كامل غرب البلاد، والثانية حكومة أسامة حماد كلفها مجلس النواب ومقرها بنغازي وتدير كامل شرق البلاد ومدن بالجنوب.