ترشيح المشهداني لرئاسة البرلمان العراقي يكرس دور القوى الشيعية في التحكم بالمنصب

بالمندلاوي أو من دونه.. زمام المجلس بصدد الإفلات من أيدي السنة.
الثلاثاء 2024/08/27
قوة حظوظه من ضعف ممانعته

وصول السياسي العراقي المخضرم محمود المشهداني إلى رئاسة مجلس النواب العراقي لن يعني بالضرورة استعادة سنّة العراق لحصتهم من المناصب القيادية للدولة العراقية، فالرجل المتقدم في السن والموالي لكبار القادة السياسيين الشيعة سيكون مدينا لهؤلاء القادة بالوصول إلى المنصب، ومقيدا في عمله بمطالبهم وإملاءاتهم.

بغداد - عاد اسم السياسي العراقي المخضرم محمود المشهداني ليُطرح بقوّة كمرشح لرئاسة المجلس النواب بعد أن تحوّل التوافق على خليفة للرئيس السابق محمّد الحلبوسي المستبعد من المنصب بقرار قضائي إلى عقدة استعصى حلّها بسبب التنافس الشديد من قبل القوى السنيّة على الفوز به باعتباره المنصب الأهم في الدولة العراقية الواقع ضمن حصّة المكوّن السنّي بمقتضى نظام المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية القائم في العراق منذ أكثر من عقدين.

وأعلن المشهداني البالغ من العمر ستة وسبعين عاما عبر منصة إكس دعم غالبية القوى الممثلة تحت قبة البرلمان لترشيحه لرئاسة المجلس، الأمر الذي يمثّل في حال صحّته تقدما كبيرا نحو حلحلة الأزمة المتواصلة منذ استبعاد الحلبوسي في نوفمبر الماضي.

ويعني وصول المشهداني إلى رئاسة البرلمان تمكّن سنّة العراق صوريا من استعادة المنصب الذي ذهب بالوكالة إلى السياسي الشيعي وعضو الإطار التنسيقي الحاكم محسن المندلاوي، وباتت قوى شيعية وأخرى سنية راغبة في حرمان منافسيها من الفوز به تجاهر بمطالبتها ببقاء المندلاوي على رأس المجلس حتى نهاية فترته القانونية سنة 2025.

غير أنّ ذلك لا يعني بحسب مطلّعين على الشأن العراقي سيطرة سنيّة حقيقية فاعلة ومؤثرة على قيادة السلطة التشريعية، حيث يرى هؤلاء أنّ سيطرة القوى الشيعية الأوسع نفوذا في مختلف مؤسسات الدولة والأكثر امتلاكا للوسائل المادية والسياسية على البرلمان بما في ذلك رئاسته أصبحت بفعل الأزمة الحالية وانسياق القوى السنية في صراع بلا هوادة على رئاسة البرلمان بمثابة تحصيل حاصل.

محمد الدليمي: قوى سنية تفضل المندلاوي نكاية بالحلبوسي
محمد الدليمي: قوى سنية تفضل المندلاوي نكاية بالحلبوسي

ولفت هؤلاء إلى أنّ ترشيح المشهداني الرجل المطواع والمتقدّم في السنّ والمعروف بولائه لكبار رموز البيت السياسي الشيعي، يظهر أنّ الكتل الشيعية أصبحت صاحبة القول الفصل في اختيار من يتولى رئاسة البرلمان.

وأكّدوا أنّ ضعف الممثلين السياسيين للمكوّن السنّي وانسياقهم في صراعات سطحية لم يترك لهم هامشا واسعا للاختيار سوى المفاضلة بين بقاء المندلاوي في المنصب إلى نهاية عهدة البرلمان أو القبول بالمشهداني الذي يعتبر مرشح نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق وزعيم ائتلاف دولة القانون.

ورأوا أنّ هامش الاستقلالية في إدارة شؤون المجلس والتأثير في أجندته التشريعية سيكون محدودا إلى حد كبير أمام المشهداني في حال وصل بالفعل إلى منصب الرئيس لأنّه سيعمل في ضوء توجيهات من أوصلوه إلى الرئاسة وسيكون باستمرار مضطرا لتلبية مطالبهم ورغباتهم.

وكتب المشهداني على منصة إكس “يسعدني ويشرفني موافقة أغلبية الطيف الوطني من أعضاء مجلس النواب، على ترشيحي لرئاسة مجلس النواب وحسم الخلاف حول ذلك”.

وتعهّد لأعضاء المجلس بأن يحفظ “هذه الأمانة” وأن يكون “معهم ولهم جميعا وفق ما تقتضي المصلحة العامة ونظام المجلس الداخلي مع مراعاة المسار القانوني والدستوري في إدارة المجلس”. وختم بالقول “الوطن قبل المكون، والمكون قبل الكيان السياسي”.

وأخفق مجلس النواب العراقي عدّة مرات في انتخاب رئيس جديد وذلك بسبب عدم توافق القوى السنية على مرشّح واحد للمنصب، وأيضا بسبب تدخلات القوى الشيعية من وراء الستار حينا وبشكل علني حينا آخر وهو ما حدث على سبيل المثال عندما استُبعد شعلان الكريم مرشّح حزب تقدّم بزعامة الحلبوسي على خلفية اتهام أطراف شيعية له بأنّه من فلول حزب البعث الحاكم سابقا.

وعكس ذلك ارتياح الكتل الشيعية للوضع الذي يعني استمرارها في شغل منصب رئيس البرلمان وكالة عن طريق محسن المندلاوي، كما يعني بالنتيجة تمكنها من تمرير أجندتها التشريعية الخاصة بها والتي تتضمن تشريعات من قبيل إقرارها في وقت سابق ذكرى الغدير عطلة رسمية رغم أن المناسبة شيعية خالصة، وكذلك سعيها إلى إقرار قانون متعلّق بتقاعد أفراد الحشد الشعبي وتعديل قانون الأحوال الشخصية بتضمين بنود تشكّل تراجعا عن الحقوق الأساسية للمرأة ومن ذلك السماح بزواج القاصرات، وكل ذلك في مقابل تعطيل تشريعات تطالب بها قوى سنية ولا ترغب فيها القوى الشيعية مثل إقرار قانون العفو العام الذي تقول أحزاب وشخصيات شيعية إنّه يتضمن عفوا عن إرهابيين.

وفي مايو الماضي عقد البرلمان العراقي جلسة شهدت ثلاث جولات تصويت لاختيار أحد أربعة مرشحين من قبل الكتل السنية المتناحرة على منصب رئيس البرلمان، وإذ انحسر التنافس في الجولتين الأخيرتين بين النائبين سالم العيساوي مرشح تحالف السيادة الذي يتزعمه خميس الخنجر، ومحمود المشهداني مرشح الضرورة من قبل حزب تقدم، فإن الجلسة لم تكتمل بسبب التوتّر الذي سادها ووصل حدّ الاشتباك بالأيدي بين النواب ووقوع إصابات في صفوفهم، وذلك في انعكاس للمستوى المتدني الذي انحدر إليه التنافس على المناصب السياسية وما خلفها من مكاسب مادية في العراق.

ورغم ما أعلنه المشهداني بشأن التوافق على ترشيحه لرئاسة البرلمان إلاّ أنّ الأزمة ما تزال تبدو بعيدة عن الحسم في ظل التصريحات المتضاربة بشأنها.

وقال القيادي في تحالف حسم ضاري الدليمي إحدى الكتل السنية المعنية بالصراع على رئاسة البرلمان إن الغموض بشأن بيان تحالفي السيادة وعزم لازال سيد الموقف إزاء دعمهما للمرشح محمود المشهداني.

ولفت في تصريحات لوسائل إعلام محلية إلى أنّ حزب تقدم لم يبد موقفا سواء كان إيجابيا أو سلبيا رغم أن المشهداني كان يحظى بدعم الحلبوسي.

ضعف الممثلين السياسيين للمكوّن السنّي وانسياقهم في صراعات سطحية لم يترك لهم هامشا واسعا للاختيار سوى المفاضلة بين بقاء المندلاوي في المنصب إلى نهاية عهدة البرلمان أو القبول بالمشهداني

وأضاف أنّ الإطار التنسيقي بدوره لم يحسم رسميا موقفه إزاء إعلان تحالفي السيادة وعزم بشأن دعم المشهداني للمنصب.

كما نفى السياسي السني محمد الخالدي وجود أيّ اتفاق سني – سني على خيار محدد لإنهاء عقدة رئاسة مجلس النواب مؤكّدا أنّ “كل المباحثات التي جرت في الاثنين والسبعين ساعة الأخيرة شهدت إعادة لتوافقات مبدئية سابقة لكن من دون قرار حاسم يحدد الآلية”.

وقال الخالدي الذي يرأس كتلة بيارق الخير في تصريحات صحفية إنّ “النائب سالم العيساوي ما يزال رقما صعبا في أيّ جولة قادمة للتصويت على اختيار رئيس لمجلس النواب”، مؤكدا أنّه “بعد انتهاء مراسم زيارة الأربعين ستنخرط قوى أخرى ومنها الإطار التنسيقي بقوة من أجل الدفع بخيارات محددة تضمن إنهاء هذه العقدة بالتنسيق مع القوى السنية”.

وأشار إلى أن “الأيام المقبلة مرشحة لعدة سيناريوهات في ظل وجود حراك على خلق توافقات معينة”، موضحا في الآن نفسه أنّ “عقدة رئاسة مجلس النواب تقترب من النهاية ولا يمكن تركها من دون حلول”.

ومن جهة أخرى ما تزال قوى سنية أبعد ما تكون عن التسليم بذهاب منصب رئاسة البرلمان إلى المشهداني وتفضل بقاءه بيد الشيعة وممثلهم المندلاوي وذلك على قاعدة “عليّ وعلى أعدائي”.

وكشف القيادي في تحالف الأنبار المتّحد محمد الدليمي عن انضمام تحالفات سنية جديدة إلى جبهة المطالبين ببقاء محسن المندلاوي في رئاسة مجلس النواب بالوكالة إلى حين انتهاء الدورة البرلمانية الحالية.

وقال الاثنين في تصريح لموقع المعلومة الإخباري إنّ “قوى سياسية من عزم والسيادة والحزم والمبادرة انضموا إلى جبهة المطالبين ببقاء المندلاوي رئيسا لمجلس النواب بالوكالة لتفويت الفرصة على الرئيس المقال محمد الحلبوسي بتمرير مرشحه خلال الجلسة المقبلة ردا على رفضه مرشح القوى المنافسة سالم العيساوي”.

وأضاف أنّ “الاتفاقيات السنية بشأن اختيار شخصية توافقية مازالت تتعرض لعمليات ابتزاز ومزايدات لتغير توجهات القادة”، معتبرا أنّ “زيف ادّعاء الدفاع عن المكون انكشف”.

وبيّن أن” توجهات القوى السنية بإبقاء المندلاوي في المنصب سيعقّد المشهد السياسي ويعطل البرلمان ويجعله أشبه بحكومة تصريف أعمال”، موضّحا أن هدف تلك القوى هو “إحراج الحلبوسي والحيلولة دون تمكنه من تمرير مرشحه والإبقاء على المندلاوي كحل وسط لمنع تحقيق أيّ انتصار يحسب لحزب تقدم”.

 

اقرأ أيضا:

3