تكامل واقعي بين الرياضيات والتشكيل في تجربة هواري حمو

هواري حمو المعروف في الجزائر باسم حميد، فنان تشكيلي عصامي، سخر سنوات عمره لممارسة الفن معيدا تشكيل الحياة بلوحات واقعية معاصرة تستمد فرادتها من تكوينه الأكاديمي، حيث يصر على المزاوجة بين الرياضيات والرسم، فهو بفضل تخصصه تمكن من إجادة الرسم وفق مقاييس وضوابط دقيقة.
الجزائر - من السهل أن يلاحظ متتبع أعمال الفنان الجزائري الدكتور هواري حمُّو تأثره بالطبيعة الجزائرية وسعيه الدؤوب لإعادة تصويرها بأسلوبه الواقعي وبمزيج ألوانه المتجانسة، وفق قياسات وخطوط وأشكال دقيقة التناسب.
الفنان التشكيلي الجزائري الذي تجاوزت لوحاته الأربعمئة لوحة، بقياسات مختلفة، يمتاز بكونه جمع بين مجالين يبدو، لأوّل وهلة، أنّهما لا يلتقيان، وهما: الرياضيات، والفن التشكيلي. لكنّهما في واقع الأمر، يصبّان في بوتقة واحدة، أساسها خدمة اللّوحة الفنّية وتزويدها بالإتقان والحرفيّة المطلوبين في مثل هذه الأعمال الفنيّة.
وتنتمي أعمال هذا الفنان العصامي، المعروف لدى جمهوره باسم “حميد”، إلى المدرسة الواقعيّة، فلوحاته لا تخرج عن أحد هذين الموضوعين: إمّا تصوير منظر طبيعي وإما تصوير طبيعة صامتة.
وفي حديثه عن تجربته الفنية المميزة، يؤكّد الفنان التشكيلي الجزائري د. هواري حمُّو أنّ موهبته تعود بجذورها إلى سنوات الطفولة الأولى، وإلى تأثّره بأخ له كان يحترف الرسم، وهي الموهبة التي نمت وترعرعت أيضا بفعل حبّه للطبيعة والتأمّل، وتحت طائلة قليل من التأثُّر بالفنان التشكيلي الأميركي بوب روس (1942 – 1995)، الذي عرف برسمه المناظر الطبيعية وتعده الأوساط الفنية في الولايات المتحدة اسما مألوفا في عالم تعليم الفن للهواة بطرق ووسائل مبسطة، وله مئات اللوحات الخالدة التي تعرضها المتاحف في معارض استعادية لسيرته.
ويشير الفنان إلى بداياته الأولى بالقول “أذكرُ أنّني توجّهت إلى هذا الأسلوب، وأقصد المدرسة الواقعيّة، لمّا كنت، في يوم من الأيام، في بيت صديق لي، وإذا بي أرى لوحة منظر طبيعي معلّقة على جدار، فأُعجبتُ بها وقلت في نفسي لماذا لا أرسم مثلها؟ وسرعان ما طلبتُ من صديقي أن يعيرني تلك اللّوحة مؤقّتا لأعيد رسمها، وهو ما تمّ فعلا، غير أنّ تقليدي لتلك اللّوحة لم يكن بمستوى عال، لكنّ الأهمّ بالنسبة لي في تلك اللّحظة أنّني أعدتُ رسم اللّوحة، ومنذ تلك اللحظة، تشكّلت لديّ رغبة في تطوير أدواتي الفنيّة بشكل مستمر ودائم”.
ويقوم العمل الفنّي لدى هذا الفنان الجزائري على خطوات ثلاث تبدأُ بتجهيز اللّوحة، ثمّ تتبعُها مرحلة تخطيط اللّوحة وضبط الأبعاد، وهي خطوة أساسيّة يستفيد فيها الفنان من تكوينه في مجال الرياضيات، ثمّ تأتي مرحلة الحشو واستعمال الصّباغة، وهو عادة ما يُفضّل الرسم بألوان الأكريليك لأنّها سهلة الاستخدام بحكم سرعة جفاف اللّوحة، وليست مثل العمل بالألوان الزيتيّة التي تتطلّب أن ينتظر الفنان، يوما أو يومين، حتى تجفّ اللّوحة.
ويؤكد الدكتور هواري حمُّو أن “الرياضيات تقوم بدور كبير في إتقان الرّسم بدءا بضبط الأبعاد، فهي تسهّل عليّ هذه المهمّة، وأنا لا أقول إنّ الفنانين الذين لم يتلقّوا تكوينا في الرياضيات لا يُمكنهم إتقان مسألة الأبعاد في اللّوحة الفنيّة، لكنّني أرى أنّهم يعرفون ذلك بالممارسة ودقّة الملاحظة”.
ويعتمد هذا الفنان التشكيلي المولع بالطبيعة على إعادة إنتاج المناظر الطبيعيّة التي يُصادفُها في يومياته، كما أنّه ينزل أحيانا عند رغبات زبائنه الذين يطلبون أحيانًا تصوير مناظر بعينها، مثل رسم طواحين الهواء المنتشرة عادة في البيئة الأوروبية، أو رسم باقات من الزهور المختلفة، وهي لوحات كثيرا ما تُطلب منه لتزيين المحال التجارية أو البيوت أو مكاتب الإدارة.
لوحات الزينة تشكل جانبا مهما من يوميات الفنان غير أنّها لا تقتصر عليها إذ بحوزته أعمال فنية تختلف موضوعاتها
وتشكّل لوحات الزينة جانبا مهما من يوميات هذا الفنان التشكيلي، غير أنّها لا تقتصر عليه، إذ بحوزته أعمال فنية تختلف موضوعاتها بين الطبيعة الصامتة، ورسم العمارة والأحياء القديمة كحيّ القصبة بالجزائر العاصمة مثلا، وبعض أحياء وحارات ولاية مستغانم (غرب الجزائر)، التي تُشكّل مسقط رأس هذا الفنان، إضافة إلى أعمال أخرى تجمع بين سحر الطبيعة وجمال العمارة القديمة. وليس مستغربا والحال هذه أن تكون الألوان الأثيرة إلى قلبه الأخضر والأزرق لأنّهما لونا أوراق الشجر وزرقة الماء والسّماء.
ولا يرى الفنان هواري حمُّو تركيزه على رسم الطبيعة خيارا نهائيا، إذ يقول “لا أمانع في إنجاز أعمال تجريديّة، وقد قمتُ ببعض الأعمال التي تنتمي إلى المدرسة التجريديّة، لكن يبدو أنّ الطبيعة تأسرُني أكثر بجمالها لأنّها تذكّرني ببديع صنع الخالق، ولهذا فأنا أحاول إعادة تشكيلها في أعمالي الفنيّة لتبقى ماثلة أمام العين تتحدّث بلغة الألوان وفرشاة الرسم ما بقيت اللّوحة معلّقة على الجدار”.
يُشار إلى أنّ الفنان التشكيلي الجزائري هواري حمُّو، مولود عام 1976 بمدينة مستغانم (غرب الجزائر)، وهو حاصل على شهادة دكتوراه في مجال الرياضيات (2013)، ويشتغل حاليا أستاذا لهذه المادة بجامعة عبدالحميد بن باديس بمستغانم، كما يزاول نشاطه في ميدان الرسم الذي عُرف به داخل الجزائر وخارجها.