عجز النظام عن ضبط الأمن في درعا يقود إلى تشكيل قوة أمنية مدعومة قبليّا

قوة مجتمعية برزت في درعا هدفها إرساء الأمن في مدن المنطقة وقراها بعد انتشار تجارة المخدرات.
الاثنين 2024/08/26
تجارة المخدرات باتت تشكل تهديدا خطيرا في المنطقة ودول الجوار 

درعا (سوريا)- أدى عجز النظام السوري والمجموعات العسكرية التابعة له في مدينة درعا -وفي مقدمتها اللواء الثامن- عن ضبط الأمن ووضع حد لانتشار المخدرات في المنطقة، إلى ظهور أصوات مطالبة بتشكيل قوة أمنية تنهي حالة الانفلات الأمني.

وبرزت مؤخرا مبادرة لتشكيل قوة مجتمعية في درعا البلد (ينقسم مركز المدينة إلى قسمين: درعا المحطة ودرعا البلد) التي انطلقت منها المظاهرات الشعبية ضد النظام سنة 2011، ومهمة هذه القوة إرساء الأمن بعيدا عن المجموعات التي تعمل لصالح الفروع الأمنية في مدن المنطقة وقراها والتي أصبحت بحسب أوساط محلية تشكل “عبئا” على الأهالي.

ولعل الدافع الأول والأهم وراء ظهور هذه المبادرة هو انتشار تجارة المخدرات في المنطقة، إذ أصبحت أزمة المخدرات بعد التسوية مع النظام العنوان الأبرز للجنوب السوري على المستوى الإقليمي والدولي. وصنفت الولايات المتحدة عدة قادة في الميليشيات المحلية الرديفة لأجهزة النظام الأمنية في محافظة درعا على قوائم العقوبات نتيجة علاقتهم بتجارة المخدرات.

◄ مجموعات تحولت إلى ميليشيات رديفة للأمن العسكري والمخابرات الجوية وأصبحت ذراعًا للأجهزة الأمنية في مناطقها وقد تم تحميل عناصر هذه المجموعات مسؤولية عمليات قتل وخطف كثيرة

بدأت فعليا هذه القوة العمل مؤخرا بعدد محدود لا يتجاوز الـ20 عنصرا، وقد اتخذت هدفا محددا هو محاربة المخدرات والسرقة وتحصيل حقوق الناس المسلوبة.

وقد اكتسبت القوة زخما كبيرا في ظل التفاف الأهالي والعشائر حولها، إذ قامت عشائر المنطقة بتشجيع أبنائها على الانضمام إليها بعد نجاحها في تنفيذ العديد من العمليات وتحقيق نوع من الأمن والأمان.

وقد استطاعت التدخل في أكثر من 100 قضية مخدرات، وأكثر من 60 عملية سرقة، ولم يعد نشاط هذه القوة محصورا في درعا البلد بل تعداها إلى مناطق أخرى.

وتعتبر هذه المجموعة هي المسؤولة عن آخر عملية مداهمة شهدتها المحافظة لوكر من أوكار المخدرات، إذ قامت بضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة في منزل أحد المتهمين بالترويج للمخدرات في الشهر الماضي بدرعا البلد.

وقامت المجموعة لاحقا -وبحضور وجهاء المنطقة- بعملية إتلاف المخدّرات المُصادرة عن طريق حرقها في منطقة مكشوفة مع الالتزام باتخاذ الإجراءات الصحّية.

وفي حديث خاص لـ”العرب” أكد المسؤول عن هذه القوة (رفض الكشف عن اسمه) أن عناصر القوة من أبناء درعا البلد، وقد تم اختيارهم بناء على ما يتمتع به الفرد من سيرة حسنة، وذلك من قبل وجهاء المدينة، بالإضافة إلى عدم تورطه في قضايا خارجة عن إطار القانون وأعراف المجتمع. وعناصرها من كافة فئات المجتمع وهم لا يتلقون رواتب أو مكافآت.

◄ الدافع الأساسي إلى ظهور المبادرة هو انتشار تجارة المخدرات في المنطقة، والتي أصبحت العنوان الأبرز بعد التسوية مع النظام
الدافع الأساسي إلى ظهور المبادرة هو انتشار تجارة المخدرات في المنطقة، والتي أصبحت العنوان الأبرز بعد التسوية مع النظام

وذكر أن القوة أنشأت مصحة لمعالجة الإدمان يشرف عليها أطباء مختصون، ويتكفل بها تجار المخدرات الذين كانوا سببا في ذلك وأهل المتعاطي في سرية تامة، وفي حال شفاء المدمن يتم توقيعه على تعهد بعدم العودة إلى التعاطي، مع كفالة أحد أقاربه له.

كما أكد أن القوة المجتمعية لا تسعى للتصادم مع النظام؛ فهدفها واضح وهو محاربة المخدرات وإرساء نوع من العدالة الاجتماعية في ظل غياب تام للنظام.

ولاقت المبادرة ترحيبا أهليا كبيرا بالتزامن مع رفض الكثيرين التعاطي مع النظام في هذه المسألة، إذ يعتبره الكثيرون المسؤول عن تفشي هذه الظاهرة.

وفي مؤشر آخر على عجز النظام عن فرض نفسه في المدينة اضطر السكان إلى تشكيل “لجنة التحكيم”، حيث قام عدد من الشخصيات في ريف درعا الغربي بتشكيل محكمة للفصل في قضايا المنطقة في بداية عام 2023، في ظل غياب السلطة التشريعية “لرد المظالم”، لتصبح هي المرجع الوحيد لحل الخلافات بين الأهالي، وقد مثل عناصر مسلحون من المعارضة، سابقا، جناحا عسكريا لها لتنفيذ الأحكام الصادرة عنها.

وتعتبر محافظة درعا حالة خاصة ضمن الصراع في سوريا، ولعل ذلك يعود إلى موقعها على الحدود مع الأردن وإسرائيل.

وعلى الرغم من دخول قوات النظام السوري هذه المحافظة ضمن اتفاق التسوية في 6 يوليو 2018 إلا أنها لم تستطع فرض سلطتها الفعلية التي ظلت ذات حضور شكلي باهت في ظل فلتان أمني وانتشار لتجارة المخدرات التي باتت تشكل تهديدا خطيرا اشتكت منه المنطقة ودول الجوار.

ويعد اللواء الثامن من أبرز التشكيلات العاملة على الأرض، وكان قبل اتفاقية التسوية فصيلاً محليا يُسمى “لواء شباب السنة”، وهو من أكبر التشكيلات العسكرية في محافظة درعا حيث يضم قرابة الـ1200 عنصر، وقد دخل في جولات تفاوضية مع الروس انتهت بتشكيل ما بات يعرف باللواء الثامن وصار تابعا للفيلق الخامس، ليصبح الذراع العسكرية لروسيا في المنطقة الجنوبية.

◄ القوة استطاعت التدخل في أكثر من 100 قضية مخدرات، وأكثر من 60 عملية سرقة، ولم يعد نشاط هذه القوة محصورا في درعا البلد بل تعداها إلى مناطق أخرى

وقد حاول هذا اللواء التعامل مع كل من الأهالي والروس ليكون بمثابة مساندة ومشاركة على الأرض في أي حدث في المحافظة، فأصبح يرسل أرتالاً عسكرية تشارك مع فصائل اللجان المركزية في المنطقة الغربية كما أرسل أرتاله لمساندة الفصائل في جاسم ونوى وغيرهما أثناء محاربتها لباقي فلول تنظيم داعش ومتهمين بالانتماء إليه.

ورغم كل ذلك وجهت إلى اللواء اتهامات بممارسة انتهاكات وتجاوزات ضد الأهالي ما ولد غضبا شعبيا، بالإضافة إلى عدم قدرته على تغطية أرجاء المحافظة لضعف إمكانياته المادية والمعنوية.

وفضلا عن اللواء الثامن هناك مجموعات كانت من عناصر المعارضة سابقا وقد انضمت إلى الفرقة الرابعة في جيش النظام في مناطق الريف الغربي وبقيت ضمن قراها، كما تحولت مجموعات إلى ميليشيات رديفة للأمن العسكري والمخابرات الجوية وأصبحت ذراعًا للأجهزة الأمنية في مناطقها وقد تم تحميل عناصر هذه المجموعات مسؤولية عمليات قتل وخطف كثيرة.

وثمة مجموعات أمنية أخرى تسمى “الميليشيات المحلية”، من أبرزها مجموعات مصطفى المسالمة في درعا البلد ومجموعات فايز الراضي وعماد أبوزريق وأبوعلي اللحام في مناطق ريف درعا الشرقي.

وقد اتهمت اللجان المركزية والناشطون في الجنوب هذه الميليشيات بالمسؤولية عن عمليات اغتيال استهدفت مقاتلي الفصائل سابقًا والشخصيات الرافضة لسيطرة النظام في الجنوب.

 

اقرأ أيضا:

1