رواية "الخروبة".. سيرة جد مجند رسالتها الأمل بعهد جديد

الكاتب رشيد عبدالرحمن النجاب يصطحب قراءه في حالة من الاستحضار الروحي لكل ما يحكي عنه.
الثلاثاء 2024/08/20
مآسي الحرب ومسارات الذات (لوحة للفنان سيروان باران)

عمان- تعددت أحداث رواية “الخروبة” للكاتب الأردني رشيد عبدالرحمن النجاب ولكن القدر واحد، نلاحق مصير البطل؛ جد الراوي والمجند، وشخصيات وحكايات أخرى، هذا ما يحكيه النجاب، الذي كتب سيرة حياة جده، في الفترة الواقعة بين عهدين يؤرخ لهما، أو لجده بينهما، فكم هي قاسية أحيانا، قاتلة أحيانا أخرى تجربة التجنيد الإلزامي، لاسيما في فترات الحروب.

ويأتي عنوان الكتاب، الصادر حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن ويضم سبعة عشر فصلا لكل منها عنوان مستقل، يأتي وكأنه استشراف لما هو قادم من أحداث. تبدأ القصة منذ السطور الأولى بالفصل الأول المعنون بـ”ذات صباح”، إذ يصطحب الكاتب قراءه في حالة من الاستحضار الروحي لكل ما يحكي عنه، حتى إننا منذ العبارة الأولى نحيا مع “مصلحة” وحالة القلق والتوتر التي حرمتها النوم، غارقين مثلها تماما في دوائر التساؤلات.

يقول النجاب “لم يكن ذلك الصباح مثل كل صباح بالنسبة لمصلحة (أم رشيد)، هاجس غريب عبث بخدر الجسم، وأبعد عن العينين سكينتهما، بات الفراش غريبا، يتنكر لمهمته كمكان تستمد منه بعض الطاقة للغد بمهامه المتجددة واللانهائية، ابتداء من خطوط الفجر الأولى وحتى غياب الشمس، فما الذي استجد في هذه الليلة؟ ولماذا لم تدرك من ليلها نوما يمكن أن يمدها بهذه الطاقة؟ أي شيء استجد فعبث بإغفاءة تنسيها ما كان بالأمس؟”.

بوكس

يأتي المفصل الرئيس في الرواية ماثلا في حدث تجنيد الابن الوحيد “رشيد” (والذي سمي الكاتب باسمه)، وذلك الحال من التوتر والأسى الذي عاشته الأسرة المكونة من الأب والأم والأختين بعد تجنيد زهرة البيت، ويقص النجاب في الفصل الثاني، والمعنون بـ”في الطريق إلينا” يقول “رغم كون المهام التي أنجزت في دار عبدالرحمن في ذلك اليوم عادية متكررة، فإن اليوم مضى بطيئا كئيبا مثقلا بالقلق والترقب، وقد زاد من ذلك ندرة الأخبار المتوافرة عن تحرك فرق التجنيد، إضافة إلى حر تموز، فالقرية التي تختبئ بين الأشجار خلف خربة صِيا ترقد بمنأى عن الطرق التي تربط المدن والبلدات بعضها ببعض على بدائيتها”.

وفي الفصل الحادي عشر “آخر مراحل السفر” يجعل النجاب جبل قاسيون بطل المشهد، وكأنه كان كهلا منعزلا لم تدعه دمشق لعزلته، وإنما اندمجت معه ودمجته فيها فجعلته جزءا منها، يقول “كان هذا جبل قاسيون، جار دمشق الذي نشأت في أطرافه، وما لبثت تتقرب منه بالعمران حتى بات جزءا منها، وباتت جزءا من امتداد سفحه، وضمت
عراقتها إلى عراقته، وقصص تطول، وأساطير تتشعب في أمر هذ الجبل الأجرد الذي زينت سفحه دمشق، وترافقا في تاريخ امتد آلافا من السنين بتفاصيل معالمه ومغائره، وأخبار من سكنوه”.

“البداية في بعلبك” عنوان الفصل الثاني عشر، وفيه يعطي الكاتب لمحة من تلك الشخصية التي كان عليها البطل، فيقول النجاب “أما رشيد فكان متحفزا للمعرفة، تواقا لما هو جديد، ولكنه كان رغم دهشته قادرا على تمييز الغث من السمين من المعلومات التي تتناهى إليه، يزنها بمقياس منطقه دون أن يكلف نفسه عبء الخوض مع المدعين

في مدى دقة هذه المعلومات وصلاحيتها للقبول أو الرفض. كان يطلق النظر في الفضاء الواسع مانحا نفسه أقصى ما يستطيع إليه من متعة التأمل، والدهشة التي يحاول الإجابة عليها بتساؤلات متتالية”.

يعنون الكاتب الفصل الرابع عشر من روايته بـ”صمود”، فها نحن أمام قدر سيق إلى رشيد، أو سيق هو إليه، فقد وقع الاختيار عليه لتكون لديه مهمة مختلفة، ثم مهام أخرى تضاف إليها، وحيازة لثقة مستحقة، نتيجة السعي والدأب على الإخلاص في كل ما يفعل، ومع هذا فقد غلبه طبعه القلق طارحا عددا من التساؤلات، بلا أجوبة محتملة أو متوقعة.

يقول النجاب “كان رشيد يصغي للجميع إلا إنه كان شارد الذهن، تطغى عليه مشاعر مختلطة، فعلى الرغم مما تركه قرار الآمر من شعور بالارتياح فإن أفكارا راودته أثارت في نفسه بعض القلق؛ ترى هل كان قرار الآمر نهائيا؟ ألن يتراجع عنه؟ ألن يكون هذا الآمر عرضة لمن يغير رأيه، إلى أي حد يمكن الوثوق به؟ إلا إنه لم يطلق العنان لنفسه في هذا المساق، فقد لاحت في ذهنه الصورة التي ارتجلها يوم أن حل فريق التجنيد بجيبيا، وهي التي كانت مبعث شعوره بالارتياح، كان في نيته تهدئة والديه والتخفيف من روعهما، وزرْع أمل في أنفسهما بات لحسن حظه، وربما حظ والديه، يتحقق على نحو مدهش”.

ويختتم النجاب فصله الأخير وروايته بجملة تعد بمثابة النبوءة، أو الإقرار أو القرار الذي اتخذه الجد “أما ما بعد ذلك يا أمي فبداية عهد جديد”.

ومن الجدير بالذكر أن رشيد عبدالرحمن النجاب كاتب أردني، حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم الصيدلانية من جامعة المنصورة – جمهورية مصر العربية – 1978، رئيس اللجنة العلمية ولجنة التعليم الصيدلاني المستمر في نقابة الصيادلة سابقا، ومدير تحرير مجلة الصيدلي في نقابة صيادلة الأردن (1980 – 1982)، يكتب في جريدة الرأي الأردنية وجريدة الدستور الأردنية وجريدة الأيام الفلسطينية وجريدة الاتحاد الحيفاوية.

12