الصومال يراهن على الدعم الإقليمي في مواجهة إثيوبيا ولا يترك للوساطة مكانا

تزداد الأزمة بين مقديشو وأديس أبابا تعقيدا، في ظل موقف متشدد للرئيس الصومالي الذي يرفض أي نقاش حول أحقية إثيوبيا في منفذ على البحر، قبل تراجع الأخيرة عن مذكرة التفاهم مع أرض الصومال.
مدقيشو - يراهن الرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود على الدعم الإقليمي، وخاصة المقدم من تركيا ومصر في مواجهة إثيوبيا، وهو ما يجعله يتشدد أكثر في موقفه من المفاوضات مع أديس أبابا.
وقال الرئيس الصومالي في خطاب توجه به إلى الصوماليين السبت إن “إثيوبيا ترفض الاعتراف بالصومال دولة مجاورة ذات سيادة”. وأضاف أنه ما دامت إثيوبيا “لا تعترف بسيادة الصومال، فلن نتمكن من الحديث (عن الوصول إلى البحر) أو أي شيء آخر”.
وأكد حسن شيخ محمود أيضا أن “إثيوبيا انتهكت أمس القانون الدولي ولا تزال ترفض اليوم الامتثال للقوانين الدولية كي يصبح ممكنا إجراء مفاوضات”.
ويرى مراقبون أن تصريحات الرئيس الصومالي هدفها إيصال رسالة قبل أي جولة مفاوضات جديدة محورها أن أي تقدم يبقى رهين تراجع أديس أبابا عن مذكرة تفاهم كانت وقعتها مع أرض الصومال.
وتشهد العلاقة بين مقديشو وأديس أبابا توترا منذ يناير الماضي، على خلفية إبرام إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال، يسمح للدولة الأفريقية الحبيسة بالحصول على منفذ على البحر، لكن الحكومة الفيدرالية الصومالية ترفض بشدة الاتفاق وتصفه بغير القانوني.
على الصومال التعاطي ببراغماتية أكبر إزاء الأزمة مع إثيوبيا، بدل الرهان على قوى إقليمية لكل منها حساباتها الخاصة
ولحسابات مختلفة تدعم كل من مصر وتركيا الصومال في خلافه مع إثيوبيا، والأسبوع الماضي وقعت مقديشو مع القاهرة بروتوكولا للتعاون العسكري، خلال زيارة هي الثانية للرئيس الصومالي إلى مصر منذ بروز الخلاف مع أديس أبابا.
وجاءت تلك الزيارة في أعقاب فشل جولة مفاوضات غير مباشرة بين مقديشو وأديس أبابا في العاصمة التركية أنقرة.
ويقول متابعون إن فشل جولة المحادثات بين الصومال وإثيوبيا كان متوقعا، حيث إن مقديشو لم تظهر أي مرونة، وتصر على موقفها القاضي بتراجع أديس أبابا عن مذكرة التفاهم ومن ثمة البحث في صيغ تمكن الأخيرة بالوصول إلى البحر.
ويذكر المتابعون أن من أسباب فشل المفاوضات هو موقف الوسيط نفسه الذي أظهر انحيازا كليا للحكومة الفيدرالية الصومالية، وكانت سبقت الجولة تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان حمّل من خلالها أديس أبابا مسؤولية نجاح المفاوضات من عدمه، في إشارة إلى مذكرة التفاهم مع أرض الصومال ووجوب التراجع عنها.
وبحسب حكومة أرض الصومال، فإن في مقابل ضمان الوصول إلى البحر، ستصبح إثيوبيا أول دولة تعترف بها رسميا، وهو أمر لم تفعله أي دولة منذ أن أعلنت المنطقة البالغ عدد سكانها 4.5 مليون نسمة استقلالها عن الصومال عام 1991، بعد عقود من الوحدة المشوهة.
وتتمتع أرض الصومال بجميع مقومات الدولة حيث لها نظام خاص بها ومؤسسات قائمة الذات، وقد نجحت على مدى العقود الماضية في نسج شبكة علاقات مع قوى إقليمية ودولية وحتى عربية، لكنها لا تزال تجد صعوبة في الحصول على اعتراف بها.
ويقول محللون إن الوضع الجيوسياسي أثر بشكل كبير على طموح أرض الصومال للحصول على اعتراف دولي، وهي ترى في أن كسب دعم دولة كبيرة ولها وزن في أفريقيا مثل إثيوبيا من شأنه أن يساعدها في تحقيق هدفها المنشود.
ويرى المحللون أن أرض الصومال لن تتراجع قيد أنملة عن طموحها في الحصول على اعتراف دولي بها، كما أن إثيوبيا، التي تشكل الدولة الأفريقية الأكبر من حيث الكثافة السكانية لن تفوت فرصة الحصول على منفذ بحري.
ويشير المحللون إلى أن على الصومال أن يأخذ بالاعتبار المعطيين، ويتعاطى ببراغماتية أكبر، بدل الرهان على قوى إقليمية كل منها لديها حساباتها الخاصة في إظهار دعمها له، فتركيا على سبيل المثال ترى في الصومال بوابة مهمة لتعزيز حضورها في القرن الأفريقي وتعزيز أمنها الطاقي.
أما بشأن مصر فهي لا تريد بروز قوة أفريقية ذات ثقل في باب المندب، خاصة إذا ما كانت إثيوبيا التي تربطها معها علاقات متوترة على خلفية أزمة سد النهضة.
وقال وزير الشؤون الخارجية الصومالي أحمد فقي في وقت سابق إن الاتفاق العسكري الذي أبرمته بلاده مع مصر سيمكّن القوات المسلحة الصومالية من حماية سيادتها “بفاعلية أكبر”.
وأضاف فقي عبر منصة إكس أن الاتفاق “جاء في توقيت مثالي، ومن شأنه أن يعزز بشكل كبير الجهود المبذولة في مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى الارتقاء بقدرات قواتنا المسلحة، مما يمكّنها من الدفاع عن الوطن وحماية سيادتنا بفاعلية أكبر”.
وكانت الرئاسة المصرية قالت في بيان الأربعاء إن الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره الصومالي شهدا في القاهرة توقيع بروتوكول للتعاون العسكري بين البلدين، دون المزيد من التفاصيل عنه.
الرئاسة المصرية: الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره الصومالي يوقعان بروتوكول للتعاون العسكري بين البلدين
وأضافت الرئاسة المصرية أن السيسي أكد خلال استقباله حسن الشيخ محمود “موقف مصر الداعم لوحدة وسيادة الصومال على أراضيه، والرافض لأي تدخل في شؤونه الداخلية”.
وسبق وأن وقعت الحكومة الفيدرالية الصومالية في وقت سابق من العام الجاري على اتفاقية دفاعية مع تركيا لمدة عشر سنوات. وقال الرئيس الصومالي إنه بموجب الاتفاقية، فإن تركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ستساعد في الدفاع عن المياه الإقليمية للصومال، وإعادة تنظيم القوات البحرية الصومالية.
ويعتقد المراقبون أن استنجاد الحكومة الفيدرالية الصومالية بالقاهرة وأنقرة، سيزيد من تعقيد الأزمة مع إثيوبيا، بدل حلها. كما أنه سيعمق المشاكل أكثر مع إقليم أرض الصومال.
وانتقد رئيس أرض الصومال موسى بيحي عبدي، السبت، الحكومة التركية لدعمها للصومال بعد ما وصفه بفشلها في التوسط في محادثات إعادة التوحيد بين الصومال وأرض الصومال.
وأعرب بيحي في تصريحات له في هرجيسا، عن مخاوفه بشأن النشر المحتمل للقوات المصرية في الصومال، محذرا من أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى تصعيد الصراعات القائمة.
ورغم أن مصر ترفض إرسال قوات خارج أراضيها، لكن محللين لا يستبعدون أن تقدم على هذه الخطوة مع الصومال.
وقال الخبير العسكري اللواء حمدي بخيت إن التهديدات والمتغيرات والتحديات التي تظهر في منطقة القرن الأفريقي، والتي تؤثر سلبا على الدولتين، تفرض وجود نوع من التنسيق العسكري بين مصر والصومال.
وأوضح بخيت في تصريح سابق لـ”العرب” أن توقيع اتفاق عسكري بين البلدين بهذا الحجم يشير إلى أن أوجه التنسيق المصري مع الصومال ستكون متعددة وقد تشمل إمداده بالأسلحة والذخائر أو تدريب العناصر العسكرية أو تأهيلها أو برامج للتواجد هناك في مواجهة أي تهديدات متوقعة.