أمن الطاقة يدفع تركيا إلى استعراض نفوذها الاقتصادي في أفريقيا

الاستثمار في التنقيب عن النفط الصومالي مجرد مدخل لعقد المزيد من الصفقات المختلفة مع باقي دول القارة.
الاثنين 2024/08/19
في مهمة محفوفة بالمطبات

تسعى تركيا إلى توسيع نفوذها في أفريقيا من بوابة أمن الطاقة، الذي سيكون في شكل اكتشافات نفطية في الصومال، لكنها تعمل في الواقع على استعراض قوتها في القارة مع تعبيد طريق عقد المزيد من الشراكات، بما يتيح لها التنافس مع القوى العالمية الأخرى.

أنقرة - تستعد تركيا لإرسال سفينة الأبحاث أوروتش ريس الشهر المقبل بهدف البدء في استكشاف ثلاث رقع نفطية بحرية في السواحل الإقليمية للصومال، ولكنها مهمة ستكون محفوفة بالمخاطر بحسب المحللين.

وقد تساعد الخطوة، التي أكدها محمد حاشي، مدير وزارة النفط الصومالية، في تنويع إمدادات الخام التركية، وهي جزء من سعي أنقرة المطرد لتعزيز العلاقات في منطقة تتنافس فيها الصين وروسيا ودول الخليج والغرب على النفوذ.

ويبدو أن 30 مليار برميل من الاحتياطات النفطية المحتملة من شأنها تغيير وجه الصومال بالكامل، فهي تعادل ثلاث مرات احتياطات النفط الجزائرية، وتضع البلاد ثالثة أفريقيا بعد كل من ليبيا ونيجيريا.

وبات الصومال على موعد مع مرحلة فارقة في تاريخه بعد أن جذب اهتمام شركات عالمية، خاصة في الرقع البحرية على المحيط الهندي وبحر العرب وخليج عدن، بل وتقع على أهم طريق بحري للتجارة الدولية بين آسيا وأوروبا.

ودفعت اكتشافات النفط والغاز في شرق أفريقيا وخاصة في موزمبيق وتنزانيا، وتداعيات الحرب في أوكرانيا، شركات غربية وآسيوية إلى العودة مجددا للاستثمار في الصومال.

باتو كوشكون: أفريقيا مهمة لتركيا، حيث يمكنها تجربة جميع أدواتها
باتو كوشكون: أفريقيا مهمة لتركيا، حيث يمكنها تجربة جميع أدواتها

وبسبب الثروة المعدنية للقارة والسكان المتزايدين الذين قد يدفعون موجة جديدة من النمو الاقتصادي، فإن التركيز يجعل الكثير من المعنى لتركيا وهي تستعرض نفوذها الدولي.

وقال باتو كوشكون، وهو زميل باحث مقيم في أنقرة في مؤسسة صادق الليبية للأبحاث، لوكالة بلومبيرغ إن “أفريقيا مثيرة للاهتمام بالنسبة لتركيا لأنها نقطة حيث يمكنها تجربة جميع أدوات وأهداف السياسة الخارجية النشطة التي اكتشفتها حديثا”.

وأضاف أنها “القوة الناعمة من ناحية، مثل المساعدات والتعليم ومراكز اللغة التركية، والعلاقات التجارية والاقتصادية من ناحية أخرى”.

ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا بشكل أفضل من الصومال حيث تدير تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج وتدير الشركات التركية ميناء ومطار العاصمة.

وزودت شركة بايكار التركية للطائرات بدون طيار التي يديرها صهر الرئيس رجب طيب أردوغان سلجوق بيرقدار، الصومال بعدد غير معروف من طراز تي.بي 2، مما أدى إلى توسيع هجوم الصومال ضد جماعة الشباب المتطرفة.

وفي وقت سابق هذا العام، وافق البرلمان التركي على اقتراح من أردوغان بإرسال دعم بحري إلى المياه الصومالية وسط زيادة في القرصنة الناجمة عن انعدام الأمن في البحر الأحمر المرتبط بهجمات من قبل المسلحين الحوثيين المدعومين من إيران.

وقال عمر محمود، المحلل البارز لشرق أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، “بالنسبة لتركيا، يقدم الصومال موقعا جيوستراتيجيا لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي والمحيط الهندي”.

وأضاف “كان الارتباط بالصومال بمثابة حالة اختبار وحجر أساس لإستراتيجية تركيا الشاملة لتعميق العلاقات الدبلوماسية والتجارية والأمنية عبر القارة”.

ومنذ أن تسببت المجاعة في إبادة سكان الصومال في 2011، ألقت تركيا بثقلها وراء البلد الفقير، الذي كان مرادفا للصراع والمعاناة منذ اندلاع حرب أهلية مطلع التسعينات واستمرت عقودا.

وعلى هامش زيارته لتركيا في يوليو 2022، كشف الرئيس الصومالي شيخ محمود، في مقابلة مع وكالة الأناضول، أن حكومته بدأت لقاءات مع نظيرتها التركية بشأن التعاون في التنقيب عن احتياطات النفط والغاز في بلاده.

لكن جهود محمود تصطدم مع التحديات الأمنية التي يواجهها بلده، وبالأخص سيطرة حركة الشباب على إقليمي جنوب غرب الصومال وجوبا لاند، في أقصى الجنوب، والعمليات التي تشنها من حين إلى آخر على العاصمة مقديشو.

حراسة مشددة

وتبدو المخاطر عالية من إمكانية استهداف الجماعة المتشددة للموانئ النفطية، التي من الممكن أن تشيد مستقبلا، غير أن التركيز على المنصات البحرية من شأنه أن يجعلها بعيدة عن ذراع الحركة، رغم أن المنطقة تشتهر بقراصنة البحر.

والأمر الآخر الذي يثير قلق مقديشو، توقيع شركة غانال أنيرجي البريطانية على اتفاقيتين مع حكومة صومالي لاند الانفصالية، للتنقيب عن النفط دون أخذ موافقتها.

كما أن التنقيب عن النفط بالقرب من الحدود البحرية المتنازع عليها مع كينيا من شأنه أن يعرقل استغلال الصومال لموارده النفطية.

واشتعل نزاع حدودي بين كينيا والصومال في عام 2014، ولجأ الأخير إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي أصدرت في أكتوبر 2021 قرارا ملزما بتعديل خط الترسيم شمالا، وهو الحكم الذي رفضته نيروبي وأمامها حق الاستئناف عليه حتى عام 2031.

وسعي تركيا إلى النفوذ في أفريقيا، ليس خاليا من المخاطر، فالصومال حاليا على خلاف مع إثيوبيا، شريك قوي آخر لأنقرة بشأن قرار أديس أبابا بالاعتراف بسيادة دولة أرض الصومال المنفصلة مقابل قاعدة بحرية والوصول إلى الموانئ في مدينة بربرة الساحلية.

وتتوسط أنقرة حاليا في محادثات بين إثيوبيا والصومال حول كيفية حل النزاع، وهو هدف رئيسي للسياسة الخارجية للأتراك إذا كانت ستبدأ في استغلال احتياطيات النفط في المنطقة. وأثار ذلك شكوى لاذعة من أرض الصومال الثلاثاء الماضي، حيث اتهمتها بالتدخل.

ويرى كوشكون أن بالنسبة لتركيا، فإن السيناريو الأفضل هو التوصل إلى اتفاق، مع ظهور أنقرة كوسيط وتعزيز تركيا لدورها على الجبهة السياسية في شرق أفريقيا. وقال “تركيا لا تريد صدامات عندما تبدأ في استكشاف الهيدروكربونات”.

لكن الجانب الإيجابي إذا توسطت في اتفاق بين الطرفين، واستغلت النفط الذي يقع تحت قاع البحر الصومالي، قد يكون هائلا.

وسعت تركيا منذ فترة طويلة إلى تقليل اعتمادها على واردات الطاقة من روسيا وإيران، ونجحت في زيادة الواردات من الولايات المتحدة والجزائر ومصر وأذربيجان.

وقال علي باكير، الأستاذ المساعد في جامعة قطر والدبلوماسي السابق في تركيا، إن “استكشاف النفط في الصومال وأماكن أخرى من شأنه أن يساهم في إستراتيجية أنقرة لتنويع الاقتصاد، وتنمية أعمال الطاقة التركية، وتوسيع الوجود الإقليمي للشركات التركية”.

وتوغلات تركيا في الصومال جزء من سياسة أوسع في أفريقيا. وبلغت الصادرات إلى القارة 28.6 مليار دولار في 2023، بانخفاض من 30.6 مليار دولار في 2022، وفقا لبلومبيرغ، مع ذهاب الحصة الأكبر إلى مصر والمغرب وجنوب أفريقيا ونيجيريا.

وعلى نحو متزايد، تتنوع تعاملات أنقرة مع الدول الأفريقية بين التعاون في مجالات الاستخبارات والدفاع مع الصفقات في قطاعي التعدين والطاقة.

علي باكير: استكشاف النفط الصومالي يدعم جهود تنويع الاقتصاد
علي باكير: استكشاف النفط الصومالي يدعم جهود تنويع الاقتصاد

وفي وقت سابق من هذا العام، زار وفد برئاسة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان العاصمة النيجرية نيامي، ووقع عددا من الصفقات بعد أن طردت الحكومة العسكرية في البلاد القوات الفرنسية وأمرت الولايات المتحدة بإغلاق قاعدتها العسكرية.

والنيجر هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم. وتبحث شركة التعدين التركية (أم.تي.أي) بالفعل مسألة الذهب إليها، وأجرت أيضا محادثات مع الجزائر وساحل العاج وزيمبابوي في الأشهر الثلاثة الماضية.

ووقّعت تركيا اتفاقيات مماثلة مع الجزائر، حيث ذكرت شركة تركش بتروليوم الحكومية أنها ستبحث عن النفط والغاز. وبذلت شركة أفرو ترك جهودا لدخول سوق الذهب في بوركينا فاسو، والآن تطير الخطوط الجوية التركية إلى بعض أكثر الزوايا النائية في القارة.

وتم بيع طائرات بدون طيار من طراز تي.بي 2 من بايكار إلى 11 دولة أفريقية على الأقل، بحسب باكس، وهي منظمة هولندية تسعى إلى تعزيز المجتمعات السلمية.

وتشمل بذور النفوذ الأخرى، سادات، وهي شركة مقاولات عسكرية تركية خاصة، والتي أرسلت أفرادا سوريين إلى منطقة الساحل لدعم المجلس العسكري في النيجر، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وقال الرئيس التنفيذي للشركة مليح تانريفيردي لوكالة بلومبيرغ في رد مكتوب إن شركته “حريصة على القيام بأعمال تجارية في أفريقيا”، لكنه نفى وجودها في النيجر.

ومثل هذه الاختراقات أصبحت أسهل بفضل أسلوب القيادة المركزي لأردوغان، وفقا لكوشكون، الذي أشار إلى عدم وجود ضوابط تصدير على المنتجات العسكرية التركية.

وقال “إذا وقّع أردوغان على الصفقة، فسوف تمر ببساطة.. إنه ليس مثل الكونغرس الأميركي الذي يدقق في كل عملية بيع”.

10