مصر تغامر بفتح الأبواب أمام نشاط الاستحواذ الخاص

مخاوف من التحول إلى باب خلفي للطرح في البورصة والهروب من قواعد القيد.
الجمعة 2024/08/16
المؤشرات غير مبشرة

تراهن البورصة المصرية على زيادة السيولة وتوسيع قاعدة الشركات المقيدة بسماح الهيئة العامة للرقابة المالية بممارسة نشاط الشركات ذات غرض الاستحواذ، وسط تحذيرات الخبراء من تحول هذا المجال إلى باب خلفي للطرح في سوق الأسهم.

القاهرة - دخلت مصر في ما يمكن وصفه بـ”المغامرة” بعد موافقة الهيئة العامة للرقابة المالية على ممارسة نشاط الاستحواذ الخاص رغم خطورة هذا المجال وما سببه من أزمات في أسواق عالمية خلال السنوات الماضية.

ويجري تأسيس الشركات ذات غرض الاستحواذ (أس.بي.أي.سي) لغرض وحيد وهو شراء شركات أخرى، وتحصل على التمويل اللازم للقيام بذلك عبر الاكتتاب الخاص بسوق الأوراق المالية، ويشار إليها أحيانا باسم شركات “الشيك على بياض” أو “الشيك الفارغ”، لأنه لتسريع عملية الإدراج، نادرا ما يكشف المؤسسون عن الشركات التي يحاولون شراءها عقب الاكتتاب، ما يعني إبقاء المستثمرين غير مطلعين على كيفية استثمار أموالهم.

ويتنافى هذا النوع من الشركات مع المادة 27 من قانون رأس المال 95 لسنة 92، وتنص على أن شركات الأوراق المالية هي شركات تباشر نشاطا أو أكثر.

والأنشطة هي ترويج وتغطية الاكتتابات في الأوراق المالية والاشتراك في تأسيس الشركات التي تصدر أوراقا مالية ورأس المال المخاطر والمقاصة والتسوية في معاملات الأوراق المالية وتكوين وإدارة محافظ الأوراق المالية وصناديق الاستثمار والسمسرة في الأوراق المالية.

وأصدرت هيئة الرقابة للخروج من الأزمة، قرارا بتداول أسهم الشركات ذات غرض الاستحواذ، وأنه يتم تأسيسها والترخيص لها كشركة رأسمال مخاطر ذات غرض وحيد هو الاستحواذ على شركات أخرى بقطاعات اقتصادية متنوعة.

ياسر عمارة: المجال لا يخضع لرقابة كافية ولا يعظّم قيمة الشركات
ياسر عمارة: المجال لا يخضع لرقابة كافية ولا يعظّم قيمة الشركات

ويرى محللون أن تلك الشركات باب خلفي لطرح كيانات غير متوافقة مع قواعد القيد في البورصة، وتوقيت تفعيلها يشوبه غموض مع عدم رواجها عالميا حاليا.

ومن مخاطرها عدم وجود نشاط حقيقي لها سوى شراء شركات عليها ثم إدراجها حتى لو لم تتوافق مع شروط القيد، وبالتالي لا تملك خططا لتنمية المؤسسات، ويمكنها الاقتراض والتخلف عن السداد حال تعثرت الكيانات المستحوذ عليها.

لكن يرى محللون آخرون أن الخطوة ضرورية، لأنها تعمل على تعزيز تنافسية الأسواق غير المصرفية، بإتاحة كافة المنتجات والآليات والأسواق التي تجذب استثمارات مختلفة لتعزيز دور القطاع المالي غير المصرفي في الاقتصاد.

وأدى عدم إتاحة الآلية إلى عدم قدرة شركة سويفل المصرية للنقل التشاركي على الطرح في البورصة المحلية، حيث تم قيدها في بورصة ناسداك الأميركية خلال مارس 2022 عبر شركة كوينز جامبيت الأميركية.

وقال عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للأوراق المالية ياسر عمارة إن “السوق ليست في حاجة إلى تأسيس تلك الشركات، فهي لا تخضع لرقابة كافية كونها شركة رأسمال مخاطر، ولا بد أن تضم سيولة كبيرة في جميع الأوقات، ما يطرح تساؤلات كثيرة”.

وأضاف لـ”العرب” أنها “لا تعظّم قيمة الشركات المستحوذ عليها، ولا تسعى في دخول مشاريع جديدة، حيث ينتفي الغرض من أهميتها”.

كما أوضح أنها تشجع على عدم التزام الشركات المختلفة بقواعد القيد المحددة من البورصة، ومن ثم الشركات التي تُدرج جراء الاستحواذ عليها تشوبها علامات استفهام كثيرة.

ويعتقد خبراء أن البورصة المصرية غير عاجزة عن جذب المزيد من الشركات للقيد في سوق المال، وهو ما تؤكده تصريحات رئيسها أحمد الشيخ الذي أعلن عن 11 شركة جديدة تحت الدراسة لإدراجها مؤقتا. وتوقع قيد شركتين أو ثلاث قبل نهاية 2024.

إبراهيم الحدودي: هذه الشركات من أدوات الهندسة المالية الواجب توفرها
إبراهيم الحدودي: هذه الشركات من أدوات الهندسة المالية الواجب توفرها

وأكد الشيخ أن البورصة تستهدف دراسة إطلاق مؤشر للشركات تحت القيد، ما يعطي انطباعا جيدا لمستوى الشركات المتقدمة للقيد وتصنيفها قطاعيا لتكون المنظومة واضحة أمام المستثمرين.

وتعد العائدات الناتجة عن شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص، متدنية مقارنة بما تحققه الطروحات العامة التقليدية، لكن الثانية تستغرق وقتا أطول وإجراءات أكثر للتأهيل لدخول سوق الأوراق المالية.

وأكد خبير الاستثمار المصري إبراهيم الحدودي أن وجود هذا النوع من الشركات يعد من أدوات الهندسة المالية، التي ينبغي توافرها في أسواق المال لمواكبة التطورات العالمية.

وأشار إلى أن الهدف من انتشارها في بعض الفترات، خاصة حتى العام 2020، كان جذب شركات أكبر للقيد في البورصات، مع رقابة صارمة من قبل هيئات سوق المال والتي ربما تكون مفقودة في البلدان النامية.

وقال لـ”العرب” إن الاستثمار عبر تلك الشركات “حظ”، وقد تحدث استفادة ونمو للشركات أو تعرضها للإفلاس، وهذا يؤكد أنها “أداة غير مهمة بقدر ما يجب العمل عليه من جذب الشركات للقيد بالطرق الشرعية وتسريع برنامج الطروحات الحكومية في سوق المال”.

ومن العراقيل التي تهدد نجاحها، أنه عند انخفاض أسعار الأسهم تفشل الاستحواذات التي تخطط لها، لأنه يدفعها إلى التريث وعدم القدرة على بيع حصص من أسهمها أو خوض اكتتابات جديدة لجذب السيولة.

وينجرّ عن ذلك توقف ارتفاع سوق الأسهم ويكون أول ضحاياه شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص.

وتشهد السوق اقتحام شركتين للمجال، هما كاتليست بارتنرز للاستشارات وتقدمت بأوراقها لهيئة الرقابة المالية لتأسيس شركة بغرض الاستحواذ تحت اسم “كاتليست بارتنرز ميديل إيست”، وتسعى بلتون القابضة لتأسيس شركة بذلك المجال وستتقدم بطلبها للهيئة قريبا.

وجاءت الخطوة الحالية بعد أن سمحت الهيئة منذ عام 2021 بتأسيس ذلك النوع من الشركات، لكن كان يقتصر غرضها في الاستحواذ على نسب ملكية في كيانات أو شركات خلال سنتين من تاريخ إتمام زيادة رأس المال عن طريق الطرح عبر عدة بدائل.

وشملت البدائل الاستحواذ بالكامل على رأس المال أو حقوق التصويت ويتبعها الاندماج في الشركة، أو الاستحواذ على حصة مسيطرة، أو حقوق التصويت تجاوز النسبة اللازمة لاتخاذ قرار الاندماج أو الاستحواذ على نسبة تمثل أغلبية مطلقة من رأس المال أو حقوق التصويت.

وألزمت الهيئة الشركات ذات غرض الاستحواذ بتقديم طلب قيد أسهمها بالبورصة خلال شهر من حصولها على الترخيص، وإلا اعتبر لاغيا.

كما اشترطت لقيد أسهمها مؤقتا ألا يقل رأسمالها المصدر والمدفوع عن 10 ملايين جنيه (نحو 200 ألف دولار)، وتلتزم الشركة بزيادة رأسمالها نقدا إلى حوالي مليوني دولار خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إدراج أسهمها.

11