الخلاف التركي على إنستغرام يظهر حدود حوكمة المحتوى العالمي والتعامل مع مجموعات مثل حماس

النظام التركي ينتقد إنستغرام لكنه يعتقل منتقده بتهمة "إهانة الرئيس".
الخميس 2024/08/15
الحرية لا تشمل انتقاد الحكومة

أنقرة - الجاري، بعد مرور أيام على كشف برنامج حوافز طموح لتعزيز التحول الرقمي في البلاد، علقت الحكومة التركية الوصول إلى إنستغرام. وظلت المنصة، التي تستخدمها الكثير من الشركات الصغرى والمتوسطة كقناة مبيعات رقمية رئيسية، غير قابلة للوصول حتى يوم السبت الماضي عندما أعيد الوصول إليها بعد مفاوضات مع قيادة ميتا.

تحتل تركيا المرتبة الخامسة في العالم من حيث استخدام إنستغرام، بأكثر من 57 مليون مستخدم، بعد الهند والولايات المتحدة والبرازيل وإندونيسيا، وفقًا لمنصة البيانات Statista.

وباعتبارها مبررًا لتدخلها القاسي، ادعت أنقرة أن موقع إنستغرام كان يفرض رقابة على المحتوى المؤيد لحركة حماس، وخاصة تأبين إسماعيل هنية، زعيم الحركة الفلسطينية المقتول.

على السطح، هذه قضية واضحة. لدى المحكمة الدستورية في البلاد أحكام قضائية سابقة تؤكد أن هذه الأنواع من التدابير التقييدية الشاملة ليست غير متناسبة فحسب، بل إنها تشكل أيضًا انتهاكًا للحقوق الأساسية. والواقع أنه من الصعب أن نرى كيف أن عرقلة إنستغرام للرسائل المؤيدة لحماس معادية لمصالح الدولة التركية إلى الحد الذي يبرر تعطيل الوصول إلى المنصة تمامًا. ولا شك أن هذه الخلفية القانونية هي أحد الأسباب الرئيسية التي تقف خلف الطبيعة المؤقتة لقيود الوصول في نهاية المطاف.

مقابلات الشارع اكتسبت شعبية في السنوات الأخيرة في تركيا، لأن وسائل الإعلام السائدة تخضع لسيطرة الدولة

ومع ذلك تستحق القضية المزيد من الدراسة. إن رفع القيود المفروضة على الوصول إلى المحتوى لا يمس جوهر النزاع بين الحكومة التركية والمنصة. وهذا يؤدي إلى تفسيرات متباينة لطبيعة حماس. تنظر إليها الكثير من الدول الغربية باعتبارها كيانًا إرهابيًا، كما تتشكل سياسات المحتوى الخاصة بإنستغرام وفقًا لهذا التفسير. فهي مضطرة إلى اتخاذ تدابير لإزالة المحتوى المصنف على أنه ترويج للإرهاب. ومن الناحية النظرية قد يعرضها الفشل في التصرف للمساءلة القانونية في المحاكم الغربية.

لكن دولًا أخرى غير غربية تتبنى وجهة نظر مختلفة. على سبيل المثال يعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حماس حركة تحرير. ومن وجهة النظر هذه، فإن ما تفعله المنصة يرقى إلى مستوى الرقابة.

ووفق سنان أولجن، وهو مدير مركز أبحاث إيدام ومقره إسطنبول، “بالنسبة إلى العديد من الدول في ما يسمى بالجنوب العالمي، وليس فقط تركيا، تتشكل سياسات حوكمة المحتوى الخاصة بالمنصات وفقًا لنظرة عالمية غربية مميزة. وعلى هذا النحو تظل غير حساسة تجاه المعايير السياسية غير الغربية. والصعوبات التي تواجه شركات المنصات التي يمكن أن تتعرض لتهديد العمل الحكومي في سياسات وسلطات قضائية مختلفة للغاية واضحة”.

ويعتقد أولجن أن الحل البسيط لهذه المشكلة يتلخص في إنشاء نظام دولي يضع بعض المبادئ الأساسية لتنظيم المنصات. ومثلها كمثل المجالات الأخرى للمشاعات العامة الدولية، ينبغي تنظيم النظام البيئي العالمي للمعلومات. ويتلخص هدف التنظيم في تحديد الحدود المقبولة عالميا لحرية التعبير على الإنترنت. ومن شأن هذه النتيجة أن تمهد الطريق لسياسات يمكن التنبؤ بها لجهود حوكمة المحتوى التي تبذلها المنصات.

ولكن من المؤكد أن السياسة العالمية من شأنها أن تقوض أي مبادرة عالمية من هذا القبيل. وفي أفضل الأحوال تستطيع البلدان ذات التفكير المماثل أن تستقر على معايير رقمية متفق عليها، كما يتضح من قانون الأسواق الرقمية للاتحاد الأوروبي.

وبالتالي فإن البديل الأكثر واقعية هو أن تراجع المنصات سياساتها بهدف زيادة ليس فقط شفافيتها ومساءلتها، بل وأيضا تمثيلها. وينبغي لها أن تكون قادرة على إثبات أنها تبذل جهدا حقيقيا لتعزيز تنوع وجهات النظر. وهذا لن يحل كل المعضلات الحالية، ولكنه على الأقل سيسمح لها بالوقوف على أرض أكثر صلابة في سعيها إلى حماية سلامة منصاتها والحق العالمي في الوصول إلى المعلومات.

يذكر أنه رغم رفع الحظر بعد التوصل إلى تفاهم مع ميتا، الشركة الأم لإنستغرام، لا تزال قيود المحتوى على إنستغرام سارية. ومؤخرًا أزال موقع إنستغرام منشورًا ليمان أكدينيز، أستاذ القانون ورئيس جمعية حرية التعبير (İFÖD). شارك أكدينيز لقطة شاشة لرسالة تعزية نشرها مدير الاتصالات الرئاسية فخرالدين ألتون بشأن هنية. وبينما تظل رسالة ألتون متاحة، حذفت منصة إنستغرام منشور أكدينيز، مشيرة إلى انتهاكات لسياساتها ضد “الأفراد والمنظمات الخطرة”.

البديل الأكثر واقعية هو أن تراجع المنصات سياساتها بهدف زيادة ليس فقط شفافيتها ومساءلتها، بل وأيضا تمثيلها. وينبغي لها أن تكون قادرة على إثبات أنها تبذل جهدا حقيقيا لتعزيز تنوع وجهات النظر

وكان الحظر الذي فرضته الحكومة على إنستغرام في البداية بسبب إزالة المنصة للمنشورات التي أشارت إلى هنية باعتباره “شهيدًا”. وعلى الرغم من أن ألتون أعاد نشر رسالته بعد الاتفاق مع ميتا، فقد استمرت إزالة منشورات مماثلة من قبل مستخدمين آخرين، بما في ذلك منشور أكدينيز.

وفي نفس سياق الرقابة على الرأي المخالف، ألقي القبض على امرأة في إزمير لانتقادها الرئيس رجب طيب أردوغان خلال مقابلة في الشارع. شاركت المرأة، التي عُرفت باسم ديلروبا ي.، في مقابلة أجرتها قناة “Tüylü Mikrofon” على موقع يوتيوب، حيث أعربت عن آرائها بشأن الحظر الأخير على إنستغرام في تركيا.

وقالت خلال المقابلة”إذا ألغيت النظام البرلماني وسلمت جمهورية تركيا بأكملها لشخص واحد في القرن الحادي والعشرين، فسوف يعاملها كما لو كانت مزرعة والده”. وأشارت تصريحاتها إلى حظر إنستغرام الذي فرضته الحكومة من 2 إلى 10 أغسطس.

بعد نشر المقابلة تم احتجازها واتهامها لاحقًا بـ”إهانة الرئيس” و”إثارة العداء والكراهية بين الجمهور”. تُوجه هاتان التهمتان بشكل متكرر ضد أولئك الذين يعبرون علنًا عن معارضتهم. وأمرت المحكمة لاحقًا باعتقال ديلروبا واي ووضعها في السجن. وتم فرض تهمة “إهانة الرئيس” بشكل متزايد منذ انتخاب أردوغان في عام 2014، حيث أدين الآلاف بموجب هذا القانون، بمن في ذلك أكثر من 130 صحافيّا، وفقًا لتقارير مراقبة وسائل الإعلام في بيانيت.

تأتي هذه الحادثة في أعقاب تحذير أصدره رئيس المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون (RTÜK) أبوبكر شاهين. في الأسبوع الماضي قال شاهين إن المجلس “يراقب عن كثب” القنوات التي تنشر بانتظام مقابلات الشارع (vox pops)، متهمًا إياها بنشر معلومات مضللة وتقديم آراء متحيزة كممثلة لعامة الناس.

واكتسبت مقابلات الشارع  شعبية في السنوات الأخيرة في تركيا، وخاصة على موقع يوتيوب، حيث تستطلع القنوات بانتظام آراء المارة حول القضايا الراهنة؛ لأن وسائل الإعلام السائدة تخضع لسيطرة الدولة أو الكيانات الموالية للحكومة إلى حد كبير، كما أصبحت المنصات مساحة للتعبير وانتقاد الحكومة. وقد أدى هذا إلى عدة حالات تم فيها احتجاز المشاركين أو المحاورين بسبب ملاحظاتهم.

5