إيقاع تعويض الكربون يهدد بتخلي الشركات عن أهدافها المناخية

تثير الجهود المتوقفة لتوسيع استخدام الشركات لائتمانات الكربون لتعويض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري احتمال تراجع البعض منها أو التخلي عن أهدافها المناخية، مما يحبط تطلعات صناع القرار في تحقيق الأهداف المتفق عليها.
لندن - تتزايد القناعة لدى المحللين وخبراء البيئة أن الاستثمار في تعويضات الكربون لا يزال بعيدا عن تحقيق الأهداف في ظل الجدل المثار حول تلك التعويضات، رغم أنها أصبحت أحد الاتجاهات المحلة لتقليص آثار التغيرات المناخية.
وعلى مدار الأعوام الماضية، أبدت الكثير من الشركات استعدادها لكل شيء لتعويض انبعاثاتها، والظهور في مظهر الجهات المحايدة كربونيا، لكن المتابعين باتوا أكثر تشكيكا في قدرتها على التعامل مع هذا المسار المحفوف بالمطبات على النحو الأمثل.
وأصبح شراء أرصدة كربونية من المشاريع، التي تساعد في تجنب انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري أو إزالتها من خلال طرق مختلفة أحد الخيارات الشائعة بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة.
ومنذ عام 2015، عندما اتفقت الحكومات في باريس على محاولة منع العالم من الاحتباس الحراري بأكثر من 1.5 درجة مئوية، أعلنت أكثر من نصف أكبر ألفي شركة مدرجة في العالم عن أهداف لخفض انبعاثاتها إلى الصفر على أساس صاف بحلول 2050.
ولكن المدافعين عن البيئة يعربون عن مخاوفهم من تخلف الشركات عن تحقيق هذه الأهداف. وتشكو الشركات بدورها من عدم طرح التقنيات النظيفة في الوقت المناسب ومن عدم قيام السياسات الحكومية بما يكفي لدعم التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري.
ويزعم أنصار تعويضات الكربون أنها يمكن أن تساعد الشركات على تحقيق أهدافها عندما تفشل الجهود الرامية إلى خفض انبعاثاتها.
وتشتري الشركات التعويضات، التي يتم توليدها من خلال مشاريع تمتص الكربون أو تقلل الانبعاثات، مثل إعادة التحريج والتحول إلى وقود أنظف لمواقد الطهي المنزلية.
ومع ذلك، وجهت مبادرة الأهداف القائمة على العلم (أس.بي.تي.آي) ضربة في أواخر الشهر الماضي للجهود الرامية إلى توسيع استخدام التعويضات.
وقالت المنظمة غير الربحية، التي تدقق في أهداف انبعاثات الشركات، إن “بحثها وجد أن تعويضات الكربون غير فعالة إلى حد كبير في الحد من الانبعاثات لأن فوائدها المناخية لا يمكن التحقق منها دائما”.
وأرجأ المسؤولون في المبادرة القرار النهائي إلى عام 2025 بشأن ما إذا كان سيسمح للشركات باستخدام التعويضات لتلبية أهداف الانبعاثات.
ويمثل هذا تحولا في موقف المبادرة، التي أكد مجلس أمنائها في أبريل الماضي، أنها تريد السماح للشركات باستخدام أكبر للتعويضات في تحديد الأهداف. وهي تسمح حاليا للشركات باستخدام التعويضات فقط بعد تحقيق أهدافها من خلال تقليل انبعاثاتها بشكل مباشر.
وتستخدم ما يقرب من 6 آلاف شركة مبادرة الأهداف القائمة على العلم للتحقق من صحة أهداف الانبعاثات، وقد التزمت أكثر من ثلثها بالتحقق من صحة أهدافها في المستقبل.
وتعد أس.بي.تي.آي أكبر جهة مستقلة خارجية للتحقق من خطط الشركات الخاصة بالصافي الصفري ويعتبرها الكثيرون المعيار الذهبي نظرًا إلى تركيزها على ضمان توافق أيّ إستراتيجية مع علم المناخ.
وقال تومي ريكيتس، الرئيس التنفيذي لوكالة تصنيف الكربون بي زيرو كربون، لرويترز إن “بعض الشركات تفكر على الأرجح في تقليص طموحاتها الخاصة بالصافي الصفري إذا لم يُسمح لها باستخدام تعويضات الكربون على نطاق أوسع”.
وأضاف “هناك الكثير من الشركات التي تقول لا يمكننا تحقيق أهدافنا. لدينا خياران: نبحث عن طريقة أخرى للقيام بذلك، أو نترك المبنى بهدوء”. ورفض تسمية شركات محددة.
وأشار استطلاع أجرته أس.بي.تي.آي للشركات ونُشر في وقت سابق هذا العام إلى أن خفض الانبعاثات من سلسلة توريد الشركة كان أكبر عائق أمام وضع خطة صافي صفر.
ورفض متحدث باسم المبادرة التعليق على تأثير عدم السماح بتعويضات الكربون نحو تحقيق الأهداف، ولكنه أكد أن مراجعتها مستمرة. وقال إن “(الإطار الحالي) سيظل دون تغيير حتى تكتمل عملية المراجعة بالكامل العام المقبل”.
ويتوقع جون لانج، الذي يتتبع أهداف صافي الصفر لمجموعة الأبحاث في وحدة استخبارات الطاقة والمناخ، ومقرها لندن، إنه نتيجة لموقف أس.بي.تي.آي بشأن تعويضات الكربون، أن تخفض المزيد من الشركات أهداف الانبعاثات في الأمد القريب.
ومع ذلك، رجح أن تركز بشكل أكبر على الإجراءات الواقعية لخفض الانبعاثات، وشدد على أن “إعادة معايرة الأهداف لا تعني بالضرورة التراجع عن الطموح”.
وقال توماس داي، المحلل في مجموعة أبحاث المناخ غير الربحية معهد نيو كلايمت، إن الشركات التي تقلص جهودها غالبا ما تتخلى عن “طموحات نبيلة” لا أساس لها من الصحة.
ويمكن أن تكون التعويضات مفيدة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بانبعاثات سلسلة التوريد للشركات، والتي يشار إليها باسم “النطاق 3”.
وتشكل هذه الأرصدة الجزء الأكبر من البصمة الكربونية ولكن يصعب تقليصها، لأن الشركات غالبا لا تملك السيطرة أو النفوذ على البائعين والزبائن.
وتعتقد شركة ساوث بولو، سمسار تعويض الكربون ومطور المشروع، أن الاستخدام الأوسع لتعويضات الكربون قد يؤدي إلى توسيع السوق إلى 100 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030 من 723 مليون دولار في العام الماضي.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة دانييل كلير إن “الافتقار إلى الوضوح في الأمد القريب بشأن التحقق من الصحة قد يؤدي إلى ركود أحجام تعويض الكربون”.
وأضاف “حقيقة مسؤولي أس.بي.تي.آي الذين يقولون إننا قد نحصل على بعض الوضوح في عام 2025 تشكل مشكلة كبيرة، لأن هذا يعني أنه ربما يكون هناك عام دون استثمار في الطبيعة وإزالة الكربون. لن يفعل أحد أي شيء حتى تكون لديهم إرشادات”.