العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق مهددة بالوصول إلى نقطة اللاعودة

تحاول قوات سوريا الديمقراطية استغلال أوراق القوة التي تملكها لمعاقبة دمشق على وقوفها خلف الهجوم الذي شنه مقاتلون من العشائر على مواقعها في دير الزور، ومن بين تلك الأوراق النفط والأحياء التي تتواجد بها القوات الحكومية في الحسكة.
الحسكة (سوريا) - تشهد العلاقة بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا بقسد توترا متصاعدا، بعد اتهام الأخيرة لدمشق بالوقوف خلف الهجوم الذي شنه مقاتلون من العشائر على مناطقها في ريف دير الزور الغربي.
وعلى مدار السنوات الماضية تأرجحت علاقة قسد بنظام الرئيس بشار الأسد بين التهدئة والتصعيد، لكن مراقبين يرون أن الأمور بين الطرفين قد تصل إلى نقطة اللاعودة، في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة التي تشكل أرضية خصبة لمثل هذا المٍآل.
ويلفت المراقبون إلى أن هناك اليوم مصلحة إيرانية في إعادة خلط الأوراق بشرق سوريا في ظل الصراع الدائر مع الولايات المتحدة، كما أن نجاح مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق (إذا تحقق) سيفضي حتما إلى تقاطع مصالح بين الثلاثي في المنطقة، على حساب قسد.
ويشير المراقبون إلى أن بصمات دمشق وطهران في الهجوم الذي شنه مؤخرا مقاتلون من العشائر على قوات سوريا الديمقراطية كانت واضحة، حيث أن الهجوم انطلق من مناطق سيطرتهما غرب نهر الفرات، فضلا عن أن مصادر مطلعة أكدت حصول المقاتلين خلال الأشهر الماضية على تدريب ودعم لوجستي من الجانبين.
ويرى المراقبون أن قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد وتبسط نفوذها على نحو ربع مساحة سوريا، تجد نفسها اليوم محاصرة، وهي تسعى إلى التعامل بحزم مع التهديدات الماثلة، حتى لا تبدو الطرف الضعيف.
دمشق مضطرة حاليا إلى عدم تبني خطوات تصعيدية مضادة، لكن ما حصل يهيئ لجولات تصعيد جديدة في المنطقة
واتخذت قوات سوريا الديمقراطية جملة من الإجراءات التصعيدية ضد الحكومة السورية، ردا على هجوم دير الزور، من بينها تعليق عملية إرسال النفط الخام إلى مناطق سيطرة الأخيرة من حقول الحسكة.
وقال مصدر مطلع لموقع تلفزيون سوريا إن “حواجز قسد منعت عشرات الصهاريج العائدة لشركة القاطرجي من عبور الطريق الدولي باتجاه حقول النفط في رميلان وكذلك منعتها من الوصول إلى مناطق سيطرة النظام جنوب القامشلي”.
وأشار المصدر إلى أن “منع عبور الصهاريج جاء بعد قرار قسد بتعليق تزويد النظام بالنفط رداً على الهجوم البري والقصف الصاروخي الذي استهدف مناطق سيطرة قسد في دير الزور”.
وتوقف حوالي 100 صهريج منذ يومين على الطريق الدولي بانتظار السماح لها بالوصول إلى مركز تل عدس النفطي للتزود بأكثر من 15 ألف برميل ونقلها إلى مصفاة حمص.
وبالرغم من العقوبات الغربية تزود قوات سوريا الديمقراطية الحكومة المركزية بالنفط تزويدا منتظما، حيث تنقل عشرات الصهاريج آلاف البراميل بشكل شبه يومي من حقول النفط في محافظة الحسكة إلى مناطق السيطرة الحكومية.
حواجز قسد منعت عشرات الصهاريج العائدة لشركة القاطرجي من عبور الطريق الدولي باتجاه حقول النفط في رميلان
وبالتوازي مع تعليق إرسال النفط تحدثت أوساط سورية عن عملية حصار تفرضها قوات سوريا الديمقراطية على أحياء تحت سيطرة الحكومة في الحسكة، لليوم السابع على التوالي.
ومنعت قسد السيارات والمدنيين وعناصر القوات السورية من الدخول والخروج من تلك الأحياء كما فرضت حصاراً على مطار القامشلي الدولي.
وقال موظف في منظمة دولية لموقع تلفزيون سوريا (طلب عدم ذكر اسمه) إن “منظمات الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر طالبت قسد بفك الحصار عن المدنيين والسماح بدخول المياه والطحين والمواد الأساسية إلى الأحياء المحاصرة”.
وأشار الموظف إلى أن “تفاقم الأزمة الإنسانية وسط مدينة الحسكة يتطلب استجابة عاجلة ووقف الحصار بشكل فوري عن المناطق السكنية التي يوجد فيها أكثر من 100 ألف شخص”.
ويرى مراقبون أنه أمام الإجراءات التي اتخذتها قسد فإن دمشق مضطرة حاليا إلى عدم تبني خطوات تصعيدية مضادة، لكن ما حصل يهيئ لجولات تصعيد جديدة في المنطقة.
وتحدثت وسائل إعلام قريبة من قسد عن وصول وفد روسي إلى مركز مدينة الحسكة الإثنين، لبحث فك الحصار الذي تفرضه قوات سوريا الديمقراطية على الأحياء التي تسيطر عليها القوات الحكومية السورية في الحسكة.
وصول وفد روسي إلى مدينة الحسكة الإثنين لبحث فك الحصار عن الأحياء التي تسيطر عليها القوات الحكومية السورية
ويضم الوفد ضابطاً روسياً وستة عناصر تابعين لمركز القوات الروسية في مدينة القامشلي بريف الحسكة.
وذكر مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا أن “روسيا تسعى إلى تهدئة التوتر بين النظام وقسد وإنهاء الحصار الذي تفرضه الأخيرة على مناطق ومقار النظام في القامشلي والحسكة”.
ولفت إلى أن “قوات النظام وأجهزته الأمنية تلقت أوامر من القيادة في دمشق بعدم التصعيد مع قسد في محافظة الحسكة، مع منع عناصر النظام من التحرك خارج مناطق سيطرتهم”.
واستبعد مصدر مقرب من قسد أن “تفضي الوساطة الروسية إلى خفض التوتر، لأن النظام وإيران مسؤولان عن هجوم دير الزور، وأنّ قسد ستعاقب النظام بكل الوسائل الممكنة مستغلة تفوقها في محافظة الحسكة”.
وأشار المصدر إلى أن “قسد تواجه صعوبات كبيرة في ضبط الوضع الأمني في دير الزور، خاصة أن هجمات المجموعات الموالية للنظام وإيران ستتسبب في زيادة التوتر والفلتان الأمني في المنطقة، الأمر الذي ترفضه قسد وأميركا”.
وشن ما يسمى بـ”جيش العشائر” الأربعاء الماضي هجوماً واسعا على نقاط قسد شرقي دير الزور، قبل أن تتمكن الأخيرة من إعادة ضبط الوضع.
وبدأ جيش العشائر هجومه بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية انطلاقاً من مناطق سيطرة الحكومة غربي نهر الفرات، مستهدفاً مقار قسد في بلدة ذيبان شرقي دير الزور، لترد الأخيرة بقصف بقذائف الهاون.
وأعلنت قسد في بيان أن الهجمات جاءت بناءً على أمر وتعليمات من حسام لوقا، رئيس جهاز المخابرات العامة السورية.
ولفتت إلى “نشوب اشتباكات عنيفة بين قوات مجلس دير الزور ومجلس هجين العسكري والمجموعات المهاجمة في محيط قرى ذيبان واللطوة وأبوحمام”.
وبحسب بيان قسد أسفر “القصف العشوائي والهمجي لقوات النظام على مناطق واسعة آهلة بالمدنيين عن مقتل مدنيين اثنين وإصابة خمسة آخرين بجروح في ذيبان وحي اللطوة، وإصابة مدنيين آخرين في مدينة الشحيل كحصيلة أولية”.
وأفادت قسد بأن قواتها تقوم بعمليات البحث والتمشيط لملاحقة المجموعات المسلحة التي تسللت إلى مناطقها.