الدبيبة يحذر حفتر من مغبة تصعيد عسكري في الجنوب الليبي

طرابلس – بعث رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة برسائل مبطنة إلى الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر يحذره فيها من مغبة التصعيد العسكري ضد قواته، وذلك بعد أيام من عمليات التحشيد بمناطق في الجنوب الغربي.
وقال الدبيبة إن وحدة الوطن خط أحمر وسنقف ضد من يريد تجديد الخروقات العسكرية وتعزيز الانقسام وذلك خلال حفل تخريج طلبة الكليات العسكرية الذي أقيم مساء الأحد بالأكاديمية البحرية بجنزور تزامنا مع احتفالات الذكرى الـ84 لتأسيس الجيش الليبي وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الليبية "وال".
وشدد على ضرورة السير على نهج المؤسسين للجيش من أجل رد الأطماع الخارجية وتفتيت الطموحات الشخصية لعودة الاستبداد في إشارة لتحركات عسكرية للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر قرب الحدود مع الجزائر وبالتحديد معبر غدامس.
وأكد أن الحكومة ماضية في بناء جيش قوي يقوم على عقيدة أساسها الولاء لله ثم الوطن مشددا "على أن وحدة الوطن خط أحمر، والوقوف أمام من يحاول تجديد الخروقات العسكرية وتعزيز الانقسام، مشيرا إلى أن الجيش يمثل هيبة الدولة وأساس نظامها وسبيل نجاتها، وهو مبعث الأمن للمواطن والوطن".
وأضاف أن حكومته لن تتراجع عن خيارها في بناء جيش قوي وموحد رغم كل التحديات والمؤامرات وإنها ستقف امام كل من تسول له نفسه تجديد الخروقات العسكرية وتعزيز الانقسام.
ويأتي ذلك فيما جددت الجزائر على لسان وزير خارجيتها أحمد عطاف، الأحد التعبير عن قلقها البالغ ازاء عمليات التحشيد العسكري في منطقة غدامس داخل ليبيا على مقربة من حدودها الجنوبية الشرقية، وحذرت من مخاطر استئناف القتال بين الأطراف الليبية.
وأعرب عطاف خلال استقباله السفير الليبي في الجزائر، صالح همه محمد بكده، بناء على طلبٍ من الأخير، عن قلقه إزاء "عمليات الحشد العسكري تجاه المناطق الغربية والجنوبية للبلاد وما تحمله هذه التطورات من أخطار محدقة بتجدد الاشتباكات والمواجهات بين الأطراف الليبية".
وجرى خلال هذا اللقاء الإحاطة بما يجري على الساحة الليبية من مستجدات وصفها بيان الخارجية الجزائربة بأنها "مقلقة لا تبعث على الارتياح"، حيث جدد الوزير عطاف التأكيد على موقف الجزائر ومناشدة الأشقاء الليبيين بالتحلي بالحكمة وضبط النفس وإعلاء المصالح الحيوية للشعب الليبي فوق أي اعتبارات أخرى"، وحث على ضرورة تضافر جهود الجميع "للحفاظ على أهم مكسب تم تحقيقه عبر العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، وهو مكسب وقف الاقتتال بين الإخوة الفرقاء في دولة ليبيا الذي يتوجب تثمينه والبناء عليه للمضي قدماً نحو تحقيق التسوية السلمية المنشودة، حفاظاً على أمن واستقرار ليبيا وكذا أمن واستقرار جوارها الإقليمي".
وشدد الوزير أحمد عطاف على أن الجزائر تعتقد أن هناك ضرورة "لتسخير كل ما تملكه ليبيا من مقدرات ومقومات للإسراع بإنجاح العملية السياسية الهادفة إلى توحيد المؤسسات الليبية عن طريق انتخابات حرة وشفافة ونزيهة"، تتيح للجميع الاحتكام إلى إفرازات صندوق الاقتراع، عوض التعويل اليائس على منطق القوة والعنف الذي لا طائل منه ولا منفعة فيه سوى المزيد من تصدع استقرار ليبيا، وإطالة أمد الأزمة في هذا البلد الشقيق، وتوسيع هوة الخلافات في الوطن الواحد وبين أبناء الشعب الموحد".
وهذه هي المرة الثانية في غضون يومين التي تعبر فيها الجزائر عن قلقها البالغ إزاء التحشيد العسكري الذي تقوم به القيادة العامة للجيش الوطني الليبي في منطقة الجنوب باتجاه غدامس، قرب الحدود الجزائرية، لكن هذه المواقف قد تؤشر في الوقت نفسه على خطوات أخرى ميدانية لتأمين المناطق الجنوبية القريبة من الحدود مع ليبيا، تجنبا لأي تداعيات أو مساس بأمنها في حال اندلاع الاشتباكات بين الأطراف الليبية.
وبشكل مثير للقلق، تحركت الوحدات العسكرية التابعة لرجل شرق ليبيا القوي المشير خليفة حفتر، نحو جنوب غربي البلاد، قابلها تحشيدات من قوات في غرب البلاد تابعة لحكومة الوحدة وسط مخاوف أممية ودولية من عودة البلاد نحو مربع العنف المسلح.
وتداولت تسجيلات وصور بثتها وسائل إعلام مختلفة وشبكات التواصل الاجتماعي، توجه وحدات عسكرية تابعة لحفتر، إلى مناطق الجنوب الغربي، بدعوى حماية الحدود بفعل التطورات التي تعيشها المنطقة، لكن تركيزه على مدينة ومطار غدامس المتاخم للحدود الجزائرية، يعطي للعملية بعدا آخر.
واعادت تلك التحركات الاذهان للحرب التي دارت في ليبيا في 2019 بين الجيش الوطني الليبي وحكومة الوفاق السابقة بقيادة فائز السراج المدعومة من تركيا.
وفشلت قوات حفتر من السيطرة على العاصمة الليبية بسبب الدعم العسكري التركي للميليشيات رغم تحقيقها تقدم هام في المنطقة الغربية.
لكن القيادة العامة سعت لتخفيف التوتر بالتأكيد على ان تحركات قواتها لا يستهدف أي طرف موضحة أن تحريك قطاعات عسكرية يأتي "في إطار خطة شاملة لتأمين الحدود الجنوبية للوطن، وتعزيز الأمن القومي للبلد واستقراره في هذه المناطق الحيوية، عبر تكثيف الدوريات الصحراوية والرقابة على الشريط الحدودي مع الدول المجاورة".
ربطت صحيفة "لوموند" الفرنسية بين إعلان القيادة العامة للجيش الليبي إطلاق عملية واسعة في الجنوب الغربي وظهور معلومات تفيد بأن تحركات قواته جارية نحو غدامس والشويرف، وهما مدينتان مرتبطتان بطرابلس.
وأضافت أن تلك التحركات تثير المخاوف من "التحول إلى حرب أهلية مرة أخرى"، مشيرة إلى "اهتمام حفتر الكبير بكل من غدامس والشويرف، خاصة أن الأولى تقع في أقصى غرب البلاد على حدود تونس والجزائر وفيها مطار وهو عنصر لوجستي أساسي".
وتبعد غدامس نحو 650 كيلومترا عن العاصمة طرابلس، وتخضع لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها ويربط معبر غدامس - الدبداب في الجزائر.
ويعدّ معبر غدامس نقطة استراتيجية، وهو مغلق منذ العام 2011، وكان من المفترض أن يكون مفتوحا منذ العام الماضي بعد اتفاق بين الجزائر وطرابلس، لكنه بقي مغلقا رغم الاتفاق.
أما الشويرف فتقع على بعد 400 كيلومتر جنوب طرابلس "تسمح لقوات الجيش بإكمال ممر طويل من خليج سرت إلى الحدود الغربية، كما تسمح وفي الوقت نفسه بقطع جميع وسائل الوصول من طرابلس إلى فزان جنوبا. وقبل كل شيء، سيسمح هذا لقوات القيادة العامة بالاقتراب من طرابلس وكذلك بعض حلفائه، مثل قوات الزنتان". وفق الصحيفة.
وأتاحت وساطة، السبت، التوصل إلى اتفاق لإنهاء المواجهات التي اندلعت الجمعة بين فصيلين مسلحين في الضاحية الشرقية للعاصمة الليبية طرابلس وأدت إلى مقتل 9 أشخاص، وفق ما أفاد مصدر حكومي.
وينص الاتفاق على انسحاب عناصر كتيبتي "رحبة الدروع"، التي يقودها بشير خلف الله، المعروف بـ"البقرة"، و"الشهيدة صبرية" إلى ثكناتهما، مع السماح لقوة محايدة بالتمركز بين الطرفين.
وكانت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا أعربت عن قلقها تجاه التحركات العسكرية في مناطق جنوب وغرب ليبيا، مشيدة بالجهود الجارية لتهدئة الوضع ومنع التوترات. وحثت البعثة، في بيان لها، على "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب أي أعمال استفزازية قد تخرج الأوضاع عن السيطرة وتعرض الاستقرار الهش في ليبيا وسلامة المواطنين للخطر".
ودعت البعثة الأممية إلى "مواصلة التواصل والتنسيق بين قوات القيادة العامة والقوات العسكرية في غرب البلاد".