تطوير المرافق والخدمات في مصر يصطدم بخصخصة سيئة السمعة

سيئة السمعة، هذا هو الوصف الذي سنسمعه غالبا من المصريين عندما يتم الحديث عن نقل الخدمات الحكومية إلى القطاع الخاص بعد أن ترسخت في أذهان شريحة واسعة منهم قناعة بأن التجربة الاشتراكية في ستينات القرن الماضي هي الأكثر فائدة لهم.
القاهرة - تتخذ الحكومة المصرية إجراءات سريعة لنفي الأخبار المتداولة بشأن خصخصة مرافقها العامة التي تثير الرأي العام كلما اتخذت خطوة نحو الإعلان عن جذب شركات أجنبية للاستثمار في إدارتها وتشغليها، وآخرها مرفق الطيران المدني وقبله المستشفيات الحكومية ومترو الأنفاق، ما جعل خططها تصطدم بعدم رضاء شعبي واسع، وإن كان المستهدف تحسين جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنين.
نفت الحكومة رسميا معلومات جرى تداولها أخيرا حول عزمها بيع المطارات المصرية لجهات أجنبية ووصفتها بأنها “شائعة”، وأن المُستهدف طرح إدارة وتشغيل المطارات أمام القطاع الخاص، لأنه جدير بإدارة وتشغيل مشروعات ومرافق مختلفة، بما يسهم في جذب المزيد من الاستثمارات، وتعظيم العائد الاقتصادي للنقل الجوي.
واضطر وزير الطيران المدني سامح الحنفي إلى عقد مؤتمر صحفي، أكد فيه وجود دراسات لتحديد المطارات التي سيتم طرحها أمام القطاع الخاص لتقديم خدمة أفضل للمسافرين وتحقيق ربحية، مبررا اتجاه الحكومة للشراكة مع القطاع الخاص بأنه “يخفف من الأعباء على كاهل الدولة، ونقل الخبرات”.
ولا تقتنع قطاعات من المصريين بجدوى نقل الخدمات الحكومية إلى القطاع الخاص، وعلقت في أذهانهم وقائع سلبية أقدمت فيها حكومات سابقة على بيع شركات حكومية، فضلا عن عدم القدرة على توفير الحماية الاجتماعية اللازمة للعاملين في هذه الشركات، ورفض التدخل بحسم لضمان حقوقهم بعد أن أصبحوا بلا عمل، كما لم تشهد القطاعات التي دخل فيها القطاع الخاص اختلافا كبيرا يُقنع هؤلاء بجدوى الخصخصة.
تولدت لدى شريحة من المواطنين قناعة بأن التجربة الاشتراكية في ستينات القرن الماضي هي الأكثر فائدة لهم، ومازال هؤلاء ينظرون إلى الحكومة كمسؤولة عن تقديم الخدمات إليهم ويثقون في أنها ستراعي أوضاعهم الاقتصادية، ويمكن الاعتراض على مستوى الخدمة طالما أنها تحت إدارة عامة وقد يكون الأمر صعبا بالنسبة للقطاع الخاص وفي تلك الحالة ترتكن الحكومة إلى المستثمرين الذين يديرون هذه المرافق.
ويترتب على هذا الأمر زيادة في أسعار خدمات بلا تحسن ملموس في خدمات بحاجة إلى رقابة حكومية تضمن الالتزام بما تم الاتفاق عليه عند إسناد عملية الإدارة والتشغيل.
ويرى مراقبون أن الحكومة هي من يحسم قبول أو رفض الاستعانة بالقطاع الخاص، وحال كان لديها إرث إيجابي في عقل المواطنين فإن خطواتها سوف تحظى برضاء لإدراكهم أن الهدف مصلحتهم العامة، ومازالت الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى مدبولي وتشكلت في يوليو – تموز الماضي، تحتاج إلى وقت كي تكسب ثقة المواطنين.
وتمكن قطاع الطيران المدني من الحفاظ على جودة كبيرة في الخدمة المقدمة طيلة عقود طويلة بإدارة حكومية دون الحاجة إلى القطاع الخاص، وأن التراجع الذي لحق به كان في السنوات القليلة الماضية فقط.
وأوجد عدم حسم إدارة ملف السكك الحديدية الذي جرى التفكير في طرحه أمام المستثمرين لإدارته قناعة بأن الحكومة ذاتها لا تقتنع بشكل كامل بجدوى الاستفادة من القطاع الخاص في إدارة المرافق.
282
شركة تم بيعها بين عامي 1993 و2016، بلغت قيمتها 53.6 مليار جنيه مصري
وحظي طرح المستشفيات الحكومية للخصخصة عبر إتاحة تشغيلها للقطاع الخاص برفض مجتمعي في ظل مخاوف من انعكاس ذلك على طبيعة الخدمات المجانية المقدمة لملايين المصريين من الفقراء، ما يجعل الصورة الذهنية في مجملها سلبية.
قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين إن الرواسب السابقة التي تركتها سياسة الخصخصة في تسعينات القرن الماضي تُلقي بظلالها على خطوات الاستعانة بالقطاع الخاص، وتظهر انتقادات في ملفات حيوية تهدف الحكومة إلى تطويرها عبر جذب الاستثمار الأجنبي، وسيكون عليها توضيح العلاقة بينها والقطاع الخاص في الإدارة، والمصارحة والرقابة من الخطوات التي تُغير في قناعات البعض.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن ما يحدث الآن يختلف بشكل كامل عن عمليات بيع الأصول والتخلص من شركات قطاع الإعمال، وإدارة المرافق بواسطة جهات متخصصة تحقق مكاسب للحكومة والمواطنين، وهناك العديد من التجارب الدولية الشاهدة، غير أن مشكلات القصور في مخاطبة الرأي العام وتوضيح الحقائق بشكل يضمن وصولها إلى المتلقي هي العائق الأكبر أمام الحكومة.
وتحدثت مصادر حكومية عن طرح 20 مطارا للاستثمار من قبل شركات الاستثمارات المتخصصة في هذا المجال بنهاية أغسطس – آب الجاري، تزامنا مع خطة وزارة الطيران نحو زيادة خطوط شركة “مصر للطيران” إلى 32 مطارا في 30 دولة أفريقية، بمعدل تشغيل يبلغ 276 رحلة أسبوعية بحلول عام 2028.
ويشير متابعون إلى أن مشكلة الحكومة تكمن في الرأي العام الذي يتعامل مع خطوات الاستعانة بالقطاع الخاص لسد عجز الموازنة وسداد الديون التي كانت على رأس الانتقادات الموجهة للحكومات السابقة التي توسعت فيها، والترويج لتحسين الخدمات لا يلقى صدى إيجابيا غالبا، ويبقى الأمر بحاجة إلى التأكد من جدوى إدارة هذه المرافق.
وأوضح الباحث في الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن المواطن تحضر الصورة السلبية السابقة في ذهنه، لأنه خلال فترة الرئيس الأسبق حسني مبارك جرى بيع 170 شركة حكومية معظمها بيعت للقطاع الخاص بثمن بخس، وكانت هناك قضايا فساد، وصلت حد وقف عقود بيع بعض الشركات من قبل القضاء المصري، وهو ما وضع النظام الحاكم وقتها في موقف حرج.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن تطوير المطارات والموانئ والسكك الحديدية حاليا يختلف عن الإجراءات السابقة، والأزمة تأتي من اقتناع المواطنين بأن الحكومة ليست بالقوة المطلوبة التي تجعلها قادرة على تنفيذ ما أبرمته من عقود، في ظل ضعف رقابة مجلس النواب المغضوب على عدد كبير من أعضائه شعبيا، ويصعب ترك المرافق بلا إدارة أجنبية متطورة تسهم في زيادة الإنتاجية، والحل في تفعيل الرقابة الحكومية وتطبيق قواعد الحوكمة والشفافية.
وحسب بيانات وزارة المالية، كشف التقرير المالي عن شهر فبراير – شباط الماضي أن عدد الشركات التي تم بيعها وتصفيتها على مدار الفترة 1993 – 2016، بلغ 282 شركة، بقيمة بلغت 53.6 مليار جنيه مصري (الدولار= 49 جنيها الآن)، وكان عدد الشركات التي تمت تصفيتها في هذه الفترة 34 شركة.
وشدد كريم العمدة لـ”العرب” على أن الحكومة قادرة على جذب المستثمرين لإدارة مرافقها، ومن المهم التأكد من أن صفقات الإدارة والتشغيل تحقق أهداف الدولة والمستثمرين، لأن المرافق تحقق مكاسب كبيرة إذا وجدت إدارة ناجحة تستطيع أن تطورها، والتجربة هي التي ستحكم على نجاح التجربة أم فشلها.